الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

100 سنة «فاروق».. آخر ملوك مصر عشق الصيد والسيارات ومات بمطعم إيطالي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين لحظات من الزهو والتألق إلى لحظات من الانهيار تجسدت في مقولته الشهيرة، «إن الملكية إلى زوال ولن يبقى في العالم سوى ملكة إنجلترا وملوك الكوتشينة الأربعة»، عاش الملك فاروق الأول، الذى تحل الذكرى المئوية لميلاده اليوم، حياة مضطربة أثرت في تعاملاته سواء الاجتماعية أو على المستوى الرسمي.
فاروق الذى بدأ رحلته في الملكية محبوبا بين المصريين الذين انتفضوا لنجدته في حادث «القصاصين»، وصولا إلى الانهيار الكبير..




حكايات الصيد
كبار الملوك والأمراء هم أبطال الحفل البرى لصيد الطيور والحيوانات الثمينة، على مدى سنوات حكم الملك فاروق، لكل مكان جاز فيه الصيد وإن استعصى الصيد فهو متعة شخصية يشعر فيها بتحقيق ذاته، حسبما ذكرت التقارير والمذكرات، فكان يدعو رؤساء الدول أثناء زيارتهم لمصر إلى مبارزته الصيد ولا يكل ولا يمل إلا بعد أن يحقق النصر عليهم ولنا في عناوين الصحف حين ذاك الكثير والكثير..
أراد فاروق أن يوثق الملحمة والهواية الشخصية؛ فجعل من قصر عابدين متحف يعلق فيه كل صوره وأدوات صيده من الحذاء إلى بنادق الصيد بمختلف أشكالها وأنواعها، حيث يوجد بنادق الصيد الخاصة بالملك فاروق الممهورة بختمه وإمضائه، إضافة إلى النياشين والأوسمة المرصعة بالماس والأحجار الكريمة، ومعروضاته من السيوف والخناجر التى كان يستخدمها في الصيد أيضا، ليس وحده فقط، بل خاصة بأسرة محمد على باشا وابنه إبراهيم، وفؤاد وفاروق، وساهم الملك نفسه في تطوير القاعات المتحفية في قصر عابدين، لعرض المقتنيات الخاصة بالأسرة العلوية، ليكمل بذلك مجهودات والده الملك فؤاد، ويمنح الزائرين تفاصيل جديدة عن تلك الحقبة الغنية.
ولماراثون الصيد طقوس خاصة؛ حيث كانت تصدر الأوامر الملكية بإقامة حفلة الصيد، ثم ينظم وكيل الديوان الملكى المعروف حينها بـ«المكتب التشريفاتى»، الدعوات الخاصة بها، وفى الليلة السابقة للصيد ترفع عريضة إلى الملك، مبينًا فيها موعد حضور المدعوين، وموعد تناول الإفطار، وموعد بدء الصيد، الذى يفتتحه الملك بطلقة من بندقيته، حتى موعد تناول الغداء.




سيارة هتلر
عشق الملك فاروق للسيارات، بدأ مع نشأته؛ فالثابت هو أن الملك فاروق امتلك سيارة صغيرة وهو طفل، ثم امتلك سيارة حقيقية ولم يكن عمره حينها تجاوز 13 عاما، ولهذا الولع بالسيارات خلفيات ترجع لعلاقته بأبيه، فقد كان الملك فؤاد صارما يمنع الأمير من الاختلاط بمن هم في سنه، ولهذا كانت من هوايات الملك قيادة السيارات داخل القصور الملكية خلال سنوات عمره الأولى.
وكان فاروق له اهتمام خاص في السيارات، فمع توليه حكم مصر لم يكن يفضل سيارات الكاديلاك، واتجه بدلا منها إلى السيارات الإنجليزية والإيطالية الرياضية، لكونها أكثر ملاءمة لسنه الصغيرة، وحبه للانطلاق بسرعة عالية.
ومع سنوات حكم فاروق التى استمرت 16 عامًا، كان قد امتلك بالفعل مجموعة هائلة من السيارات الرياضية الفارهة من إنتاج بوجاتى ولانشا وأستون مارتن وأم جى وأوستن وتريامف، وكانت تلك النسخ قد صنعت جميعها بالطلب خصيصا له..
وبمرور الوقت كبر فاروق وبدأ يدرك القيمة الكبيرة لسيارات الرولزرويس، ولهذا بدأ في استخدامها خاصة خلال المناسبات الرسمية، فخلال حكمه كانت ست سيارات رولزرويس لا تزال في الخدمة بالقصور الملكية، إضافة إلى سيارتين قام الملك بشرائهما في أوائل الأربعينيات.
ولعل أشهر السيارات التى اقتناها فاروق، هدية من أدولف هتلر، حيث أهدى الملك فاروق سيارة مرسيدس حمراء، بمناسبة زواجه من الملكة فريدة، وتعد هذه السيارة نادرة نظرا لأنه لم ينتج منها سوى نسخ قليلة جدا..



ضحية الأسرة
قال مؤرخون إن العديد من العوامل أثرت في حياة فاروق، ووصفوه بـ«الملك الضحية» المظلوم بحاشيته الرسمية وغير الرسمية ورفقاء الرحلة الذين أسهموا في إفساده..
وتقول الدكتورة لطيفة محمد سالم، أستاذة التاريخ الحديث، إن تقييم شخصية بعد 100 عام، يجب أن يستند إلى تحليل لمختلف المراحل التى عاش بها، والتغيرات المحيطة به من أجل الخروج بنتيجة محايدة، معتبرة أن الملك فاروق كان ملكا مظلوما وضحية عصره أيضا، وعلى عكس ما هو متداول تؤكد المؤرخة المعروفة أن «فاروق لم يذق الخمر ولم يكن يحبها»، وتشدد على أن حاشية الملك لعبت الدور الأبرز في انهياره.
تجدر الإشارة إلى أن المؤرخة لطيفة سالم، ألفت 3 كتب عن الملك فاروق، وهي: «فاروق وسقوط الملكية في مصر- فـاروق من الميـلاد إلى الرحيـل- فاروق الأول وعرش مصر (بزوغ واعد وأفول حزين)»، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية المنشورة عن حقبة الملكية في مصر، وبخاصة عهد فاروق الأول.
وتضيف في حديثها لـ«البوابة»، أن فاروق شخصية ازدواجية، وظهرت ملامح هذه الازدواجية في نهاية عصره.
وتابعت: «بالحديث عن نشأة فاروق؛ فإن والده الملك فؤاد كان شخصية مكروهة بالنسبة للمصريين، لا يعرف اللغة العربية ولا يلتقى بالمصريين، وعمل على تربية فاروق تربية قاسية ومنغلقة تماما، وظهر ذلك في جلب مربيتين إنجليزيتين، ومن المتعارف عليه أن الإنجليز صعاب الطباع، كما منع فاروق من رؤية والدته سوى لساعة واحدة في اليوم؛ فلهذا افتقد فاروق حنان الأم في صغره، وعمل فؤاد المستحيل على تعيين فاروق وليّا للعهد بموافقة الإنجليز بالطبع»..
وتابعت: «وكانت السمة السائدة في هذا العصر أن الإنجليز كانوا يحيطون بالأبناء الصغار المنتظر توليهم للحكم، ومن هنا كانت تضمن تربيتهم في إنجلترا، وسافر فاروق إلى إنجلترا بصحبة عزيز المصرى العسكرى الصارم، وأمين من السراى هو أحمد حسانين، وهناك تدرج في الانحراف، فنهارا كان مقيد بصحبة عزيز المصرى المعروف بالجدية، وفى الليل كان يرافقه أحمد حسانين المعروف عنه الانحراف، وفى سن 16 عاما لم يكن فاروق تشكلت شخصيته، وقد تكون هذه التربية خاصة فترة البعثة التعليمية في لندن من الأسباب التى رسخت الازدواجية في حياة فاروق».


وأضافت: «بعد وفاة الملك فؤاد، تولى فاروق الحكم في 6 مايو 1936 في سن صغيرة دون أن يتسلم السلطات الدستورية نظرا لصغر سنه، وهنا استبشر المصريون خيرا بفاروق بعد عقد معاهدة 1936، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، وكان الشعب المصرى متعاطف معه في بداية عهده، وكان متعارفا عليه أنه متسامح وابن نكتة، وكان يميل للطبقات الوسطى وأولاد البلد»..
وتشير «لطيفة»، إلى أن الحادث البارز الذى أثر في حياة فاروق هو تسلمه الحكم، فبمجرد أن وصل إلى الإسكندرية وتسلم الحكم، ووجد أن كبار رجال الدولة مثل على باشا ماهر وغيره يقبلون يده، من هنا يمكن أن تكون نبتة الاستبداد والسلطة قد نبتت في شخصية فاروق، وظهر ذلك جليا في زرع أفكار ترسح لفكرة العداء المستحكم بين حزب الوفد ووالده الملك فؤاد، وعاش فاروق بين حاشيتين لكل منهما توجهات أثرت في شخصية فاروق.
وتضيف: «العداء مع حزب الوفد ظهر في هذه الفترة، وأحزاب الأقلية استغلت الأمر وعززت من ارتباطها بالملك بعد أن أيقنت مصالحها مع الحاكم، وتعد فترة تألق فاروق بين عامى 1937 و1944، وكانت صورته تعلق في جميع البيوت على اختلاف طبقاتها، وظهر للشعب كأفضل من حزب الوفد صاحب الشعبية، وحاز على شعبية كبيرة نتيجة لتحركاته لنجدة المستضعفين مثل زيارة مرضى الملاريا في الصعيد، وغيرها من الحوادث، ولعل حادث «القصاصين» عام 1942، عندما اصطدمت سيارته بشاحنة تابعة للإنجليز، أظهر شعبيته؛ حيث انتفض المصريون لنجدته بعد تعرضه للإصابة نتيجة انقلاب سيارته».
وأكدت أن التحول في حياة فاروق بدأ عام 1944، حين أقال فاروق حزب الوفد بمجرد استلامه للسلطة دستوريا، نتيجة لتربيته التى بنيت على فكرة الولاء لنفسه والولاء للسلطة والحكم، وفى 1946 كان التغير الكامل لفاروق، حينها بدأ يشعر بتناقص شعبيته، وبدأ يشكل الوزارات على حسب أهوائه، وسعيا لتعزيز شعبيته دخل في حرب فلسطين التى انتهت بالنكسة، وخلف ذلك فترة من التهور في عصر فاروق فيما بعد الحرب..
وتلفت المؤرخة إلى أن فاروق وصل إلى مرحلة التهور وانتقل للتمادى في لعب القمار والسهرات الليلية، لأنه نشأ في ظل بيت مباح فيه القمار، وكان سمة تميز الطبقات الأرستقراطية في مصر، وبدأت تظهر لديه انحرافات لعكس صورة ذهنية مخالفة لطباعه الحقيقية، لكى يظهر أمام الناس بصورة ذهنية معينة ما خلق كرها لدى المصريين تجاه فاروق، بالإضافة إلى المحسوبية والوساطات التى انتشرت في نهاية عهد فاروق، وبدأ يسيطر على كل شيء بما فيه الجيش، وظهر ذلك في تعيين شخصيات ليست على دراية وخبرة.


وتختتم لطيفة سالم حديثها لـ«البوابة»، قائلة: «الحاشية التى أحاطت بفاروق والجماعات الإيديولوجية، التى كانت منتشرة في عهد فاروق، والعديد من الحركات والأحزاب، غيرت كثيرا في حياة فاروق، الذى كانت صورته معلقة في كل منزل في مصر، وانتهت بإزالة صورته وتعليق الصورة الشهيرة للفقراء في مصر، التى حملت شعار «رعاياك يا مولاي»، وهى صورة نشرتها إحدى الصحف وانتشرت على مدى واسع في هذه الفترة، خاصة في ظل الحرب التى خلفت آثارا اقتصادية صعبة على المصريين، خاصة في قضية التموين، والطلبة أنزلوا صور فاروق وكسروها عام 1946 في احتفال الشعلة، وانتفاضة العمال ضده، وتغير حزب الوفد بدخول طبقة أرستقراطية غيرت من مفاهيم الحزب، كل ذلك كان حالة من التدنى والانهيار التى وضعت النهاية لعهد فاروق».
الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث، يقول، إن الحديث عن الحقبة التاريخية التى ترعرع فيها الملك فاروق تحتاج إلى حقائق وليس أهواء أو مشاعر حب أو كره، ففاروق هو ضحية ظروفه، وتسبب أبوه له في العديد من الأزمات على مدى حياته.
ويضيف الدسوقى لـ«البوابة»، أن الملك فاروق عاش مكروها ومبعدًا مع أمه نازلى في قصر القبة وليس قصر عابدين، لأن الملك فؤاد لم يكن يعطيهما الاهتمام الكافى وأبعدهما عن قصر الحكم لفترات، وعند بلوغ سن الرشد كالعادة يذهب ولى العهد للدراسة في لندن، ولعل أكثر من أفسد أخلاق فاروق هو أحمد حسانين المرافق له في رحلة الدراسة، وكانت النتيجة أنه أفسد فاروق أيضا فيما بعد.
ويتابع: «اختار أحمد حسانين، أحد القصور لإقامة الملك فاروق في لندن، وكان صباحا يذهب للدراسة ومساء يذهب للملاهى الليلية، وهذه النشأة المترفة ظهرت في حياته فيما بعد، وهذه الأمور دفعت بعزيز المصرى أحد المرافقين لفاروق، إلى مغادرة لندن لاعتراضه على تصرفات حسانين».
ويستكمل الدسوقى حديثه قائلا: «خصوصيات ثقافة المحيطين بفاروق أثرت كثيرا في حياته، الذى وجد نفسه فجأة ملكا بعدما وجد أناسا في سن والده يقبلون يده ولا يسعون إلا للبقاء في السلطة بشتى الطرق».
وواصل: «ولعل ما ذكره محمد حسين هيكل في كتابه «مذكرات في السياسة المصرية»، يعبر عن وجهة نظر فاروق في النظام الملكي، حيث كان الملك فاروق يردد دائمًا أن «الملكية إلى زوال ولن يبقى من الملوك إلا خمسة فقط، ملكة بريطانيا وملوك الكوتشينة الأربعة».
وتوفى الملك فاروق في ليلة 18 مارس 1965، في الساعة الواحدة والنصف صباحًا، بعد تناوله لعشاء دسم في «مطعم إيل دى فرانس» الشهير بروما بإيطاليا.