الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدين والمجتمع (2)

شواطئ..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع الدكتور ناجى محمد هلال أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بورسعيد، في كتاب «الدين والمجتمع: تحليل اجتماعي»، والصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بقوله: أما «فريدريك إنجلز»، فقد ذهب أبعد من «ماركس» في تحليل الظاهرة الدينية، من خلال تقديم تفسير شامل لتطور الدين. ففى رأيه أن الديانات الطبيعية السابقة على التقسيم الطبقى– عبادة الأصنام لدى الزنوج– ديانة الآريين البدائية، نشأت من الجهل بالطبيعة أكثر من الكبت في المجتمع. وبناء على ذلك وحسبما يرى «إنجلز»؛ فإن التصورات والتفسيرات المغلوطة عن الطبيعة هى المسئولة عن التطور الاقتصادى البطىء في هذه المجتمعات. ومن ثم يقتضى هذا الفهم ضرورة تحليل الظروف الاجتماعية والتاريخية لنشأة الدين وانتشاره. فلقد حاول تفسير ظهور وانتشار المسيحية من خلال سياق التفكيك الاقتصادى والاجتماعي والسياسى العميق. 
وفى المجتمعات البدائية يسهم الدين في هذا النمط من المجتمعات في تقوية ذاتية المجتمع وتحقيق الترابط والتماسك بين أفراده، كما يعمل على تحقيق الاستقرار والضبط الاجتماعي من خلال إضفاء القدسية على معايير وقيم المجتمع. ففى هذا النمط من المجتمعات البسيطة في تكوينها تلعب المحرمات الدينية دورا مهما، حيث يبتعد الأفراد عن السلوك المحرم خشية نتائج تبعات كسر التابو. أما بالنسبة للفرد، فالدين يمد معتنقيه بنظرة معينة عن العالم من خلالها ينظرون إلى المعاناة والموت على أنها معانٍ مطلقة. فالأفراد في مختلف المناطق والعصور يسعون لمحاولة تفسير الكون، ومن ثم قصور التفسير يخلق القلق، ومن هنا يأتى الدين للإجابة عن ذلك من خلال ما يتضمنه من معتقدات محققًا بذلك وظائف المعنى. 
وفى المجتمعات الصناعية الحديثة، تتأثر علاقة الدين بالمجتمع أو الوظائف التى يقوم بها في المجتمعات الصناعية الحديثة بالخصائص المتغيرة للدين. فالانقسامات الدينية والنمو المتزايد للعلمانية أدى إلى تغير الوظيفة التكاملية للدين. ففى رأى البعض يعتبر التأثير العلمانى هو حجر الزاوية في هذا الصدد. وفى تصور آخر نظر آخرون إلى الدين في المجتمعات الصناعية الحديثة من زاوية علاقة الدين بالحداثة. فالحداثة تعد مشروعًا عقلانيًا، ومن ثم فإن المجتمع الذى ينتقل إلى مجتمع آخر يشهد عمليات تباين، تجعل الدين يتراجع إلى الحيز الخاص. فالمجتمع الحديث لا يعرف ديانة بعينها، ولكنه يسمح بالتعددية الدينية، ومن ثم لا يمكن لديانة تقليدية بعينها أن تسيطر على المجال العام، ومن هنا يصبح الدين مسألة خاصة، بل مسألة طوعية. وإذا كان الدين يلعب دورًا في التماسك البنائى للمجتمع؛ فإن هذا الدين لن يكون دينا بعينه، وإنما بمثابة ديانة مدينة تتأسس على مبادئ أخلاقية عامة. وفى قراءة تاريخية لمجتمعنا الإسلامى والعربى، يلاحظ أن بعض الأنظمة السياسية والطبقات الحاكمة، تمكنت من توظيف الدين كأداة فعالة في تثبيت شرعيتها وسيطرتها أو إعادة إنتاجها. لقد أقامت بعض العائلات الحاكمة شرعيتها على الانتساب إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- كالعائلة السعدية والعلوية في المغرب العربى، والعائلة الهاشمية في المشرق، كذلك تأسست في عدد من البلدان العربية أنظمة حاكمة على أساس تحالف قبلى – دينى، كما يتجلى في «الوهابية والسنوسية والمهدية»، أو على فرض الوصاية على المؤسسات الدينية والاستعانة بعلماء الدين الذين يبررون سياستها، أو بث تلك الثقافة الدينية التى تدعو لإطاعة ولى الأمر وترك السياسة لأصحابها. 
ومن خلال قراءة الواقع التاريخى والاجتماعي للمجتمعات الإسلامية، يمكن رصد العديد من الحركات السياسية التى اتخذت من الدين أداة للاحتجاج والاعتراض ومن ثم إحداث تغييرات جذرية، لعل من أبرزها: 
1- الحركة الوهابية التى أسسها «محمد بن عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية»، والذى دعا من خلالها إلى العودة للإسلام الصحيح، كما طبق بواسطة الرسول- صلى الله عليه وسلم، كذلك أكد تطهير المجتمع الإسلامى من كل الممارسات الفاسدة التى تهدد بالعودة إلى حالة شبيهة بالوثنية من جديد. 
2- الحركة السنوسية التى أسسها «محمد بن على السنوسى» في ليبيا، وقد برزت الحركة كرد فعل للظروف الروحية والاجتماعية والسياسية لتلك الفترة، وكان هدفها «العمل على استعادة حالة الصفاء الأولى للإسلام وتحقيق تماسك الدولة الإسلامية ووحدتها ووضع حد للتأثيرات المتزايدة للاستعمار الأوروبى على الوطن العربى». 
3- حركة الإخوان المسلمين من أكثر حركات الاحتجاج الدينى انتشارًا في الربع الأخير من القرن العشرين وحتى الآن. فقد تفرعت عنها حركات إسلامية بقيادات أكثر تطرفا منها: جماعة «شباب محمد» وجماعة «التكفير والهجرة» وجماعة «الجهاد».. إلخ. أضف إلى ذلك انتشارها خارج مصر في مختلف البلدان العربية، خصوصا الجزائر وتونس والسودان وفلسطين واليمن. ويعزى العديد من الباحثين صعود هذه الجماعة وكافة الجماعات التى خرجت من عباءتها في مختلف البلاد الإسلامية والعربية إلى جملة من الأسباب المتنوعة والمتعددة، والتى تتمثل في التناقضات الاقتصادية والاجتماعية، وإخفاق العديد من الأنظمة سواء الليبرالية أو القومية أو الاشتراكية في تحقيق التنمية، فضلا عن تدهور القيم الأخلاقية والإحباطات النفسية. غير أنه من الملاحظ أن جماعة الإخوان وكافة الحركات المرتبطة، قد دخلت في صدام مسلح مع الكافة، سواء الأنظمة أو المجتمعات في آن واحد، بسبب تبنيها برامج متشددة، فضلا عن استعمال التكفير والإكراه والعنف بكافة صوره، متخذة من الدين غطاء للاحتجاج وإثارة السخط العام.