الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تأملات اقتصادية في ذكرى ميلاد "طلعت حرب"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
152 عامًا مرت على ميلاده.. ففى مثل هذا الأيام.. وتحديدًا في 25 نوفمبر عام 1867، ولد أسطورة الاقتصاد الوطني، وأبو النهضة الاقتصادية، في منطقة قصر الشوق في حى الجمالية في رحاب مسجد الحسين، وكان والده موظفًا بمصلحة السكك الحديدية الحكومية.. وهو أيضًا مفكر، وعضو بمجلس الشيوخ، ومؤسس بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له.
حفظ طلعت حرب القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بمدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة، وبعدها بمدرسة الحقوق الخديوية في أغسطس 1885، وحصل على شهادة مدرسة الحقوق في 1889، وكان من أوائل الخريجين، وفى عام 1905 حصل طلعت حرب على لقب الـ«بكوية»، اهتم بالإضافة إلى دراسة الحقوق بدراسة الأمور الاقتصادية، وكذلك الاطلاع على العديد من الكتب في مختلف مجالات المعرفة والعلوم، وقام بدراسة اللغة الفرنسية حتى أجادها إجادة تامة.
بدأ طلعت حرب حياته العملية مترجمًا بالقسم القضائى «بالدائرة السنية»، وهى الجهة التى كانت تدير الأملاك الخديوية الخاصة.. وكانت كفاءة طلعت حرب في إدارة المشروعات سببا في استعانة بعض الأعيان به، وعمل على تحرير الاقتصاد المصرى من التبعية الأجنبية، وأسهم في تأسيس بنك مصر، وعدد من الشركات العملاقة التى تحمل اسم مصر، مثل: شركة مصر للغزل والنسيج، ومصر للطيران، ومصر للتأمين، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لصناعة وتكرير البترول، ومصر للسياحة، واستديو مصر... وغيرها. 
وفى هذه الفترة، كانت مصر، تعانى استحواذ الأجانب على جميع المناصب والأعمال التجارية، وكانت تعانى أيضا أزمة اقتصادية يعانيها المواطن البسيطـ، ورأى «حرب»، أن أولى خطوات التحرر هى تمصير الاقتصاد.
وفى عام 1910، تقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية، بتمديد فترة امتياز شركة قناة السويس التى كانت ستنتهى في 17 نوفمبر 1968، لمدة 40 سنة أخرى تنتهى سنة 2008.. ووقفت الحكومة البريطانية موقف المؤيد لمد الامتياز، خاصة مع تضاعف الحركة الملاحية بالقناة.. ولكن الحركة الوطنية المصرية بقيادة محمد فريد قادت هجوما كاسحا على طلب المد، وقلبت الرأى العام ضده، وقام طلعت حرب بتأليف كتاب عن قناة السويس، ليوضح الحقائق للعامة والخاصة عن تاريخ القناة، وكيف ضاعت حصص مصر من الأسهم والأرباح وخسائرها حتى 1909، ما أسهم في إنشاء ضغط شعبى دفع بالجمعية العمومية (مجلس الشعب يومها)، بتكليف كل من محمد طلعت حرب وسمير صبرى، بكتابة تقرير عن الموضوع، وبالفعل قدما تقريرهما للجمعية وبناء عليه رفضت الجمعية العمومية عرض تمديد امتياز شركة قناة السويس.
وبحلول 1911، قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية، وذلك من خلال كتابه «علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك للمصريين»، وكان ميالًا «بشكل واع» للفلاحين والفقراء، وبدأ في إنشاء نظام مالى مصرى خالص لخدمة أبناء الوطن، وللسعى أيضا للتحرر من القيود الاستعمارية الاقتصادية، وقد لقيت دعواه استجابة واسعة، وتحمس الكثيرون لفكرته في إنشاء بنك مصر، بالرغم من معارضة السلطات الإنجليزية، وقرر المجتمعون بالفعل تنفيذ فكرته، لكن هذه الجهود تعطلت بسبب الحرب العالمية الأولى، وعادت فكرة إنشاء البنك عقب قيام ثورة 1919 في مصر.
وبعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر، أنشأ «حرب» أول مطبعة مصرية لدعم الفكر والأدب وتقوية المقاومة الوطنية، وسعى لإنشاء شركة مصرية للطيران، إلى أن صدر في 27 مايو 32 مرسوما ملكيا بإنشاء الشركة كأول شركة طيران في الشرق الأوسط، برأس مال 20 ألف جنيه، وأسهمت هذه المشروعات في إذكاء الروح الوطنية في هذه الفترة، وشجعت الكثيرين على الاستثمار، وشراء منتجات هذه الشركات الجديدة، ما أنهى مقولة الاستعمار والتى كانت تردد في ذلك الوقت «المصرى لا يعرف إلا الاستدانة».
ولم تقتصر أحلام طلعت حرب، على الداخل فقط، بل تعدتها للخارج وتمتعت مشاريعه وإنجازاته بصيت واسع في العديد من الدول المجاورة، حيث زار طلعت حرب السعودية والسودان والعراق.
وكان طلعت حرب يؤمن بأن تجديد الاقتصاد في مصر في بلد زراعى لن يتم إلا إذا ازدهرت الثقافة واستنارت العقول بالأفكار الجديدة، لذلك أنشأ شركة ترقية التمثيل العربى، وأقام لها مسرح الأزبكية (المسرح القومى بعد ذلك) لتقدم أعمالها عليه.
ومع مرور 152 عاما على ميلاد طلعت حرب، ما زالت مصر تنتظر من أبنائها، وبخاصة رجال الأعمال والمفكرين، مد يد العون لانطلاق اقتصادها من خلال المساهمة في إنشاء مشروعات كبرى تحقق عائدا اقتصاديا، يعود بالنفع على المصريين، وتوفير فرص عمل لهم، وأن يسهموا في تعزيز جهود التنمية من خلال خلق مجتمع منتج، وبناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة، والعمل على رفع وتشجيع ثقافة الريادة والابتكار، ولعب دور الشريك الفاعل في عملية التنمية وتحقيق التنويع الاقتصادي، من خلال خفض مستويات البطالة، وزيادة المنافسة، وفتح أسواق جديدة، وزيادة الإنتاجية، وزيادة الدخل الأجنبي، وتخفيف حدة الفقر.