السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«تومـاس فريدمـان» المثير للشفقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أكثر من ١٠٠ يوم كتب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تويتة وصف فيها الكاتب الصحفى الأمريكى «توماس فريدمان» بأنه «مثير للشفقة»، كان لـ «ترامب» حُجته وأسانيده.. ربما كانت هذه التويتة مفاجأة للوسط الصحفى الأمريكى، لكنها كانت بالنسبة لنا في منطقة الشرق الأوسط بمثابة «الصدمة الكبرى»، لأننا نعرف أن «فريدمان» هو الصحفى الأمريكى الأشهر في صحيفة نيويورك تايمز ومتخصص في شئون الشرق الأوسط وله مكانة خاصة لم يصل لها أى صحفى أمريكى في منطقتنا العربية.
ومنذ أيام وجدت أنه لا مفر من وصف «توماس فريدمان» بـ«المثير للشفقة».. فهذا الوصف يليق به.. والسبب هو ما تفوه به في حق «مصر» حينما كان يتحدث عن نجاح القوات الأمريكية في قتل الإرهابى أبوبكر البغدادى وقال نصًا: «رغم أن مقتل أبوبكر البغدادى يعتبر أمرًا جيدًا فإن فوضى الشرق الأوسط لم تنته؛ لأن البغدادى القادم موجود وحضانته ورعايته متوفرة في السجون المصرية».
أشفقت على «فريدمان» بتصريحه الغريب، لأنه افتقد التحليل الجيد والموضوعية.. وَقُلْت: هل تريد فقط إقحام «مصر» في تحليلك الردىء؟ وأشفقت عليه من سطحية المنطق الذى تحدث به، وأشفقت عليه أكثر؛ لأنه عاصر «كونداليزا رايس وديك تشينى وبول ولفويتز وتوم دونيلون وهيلارى كلينتون وباراك أوباما وجون بيرينان» وهُم الذين تبنوا الفوضى الخلاقة وأعلنوا ذلك علانية، وقالوا لنا: سنجعل الشرق الأوسط كانتونات صغيرة لتحقيق أمن إسرائيل وسنستخدم التيارات الإسلامية لتمهيد الأرض لهذه الفوضى.. إذن أنتم صانعو الفوضى.
السجون المصرية يا سيد «فريدمان» لا يوجد بها «البغدادى القادم»، لأن من في سجون مصر متهمون في قضايا ومحكوم عليهم من القضاء العريق، ويُعاملون معاملة جيدة، فلدينا في مصر من يرتكب جريمة يدخل السجن مثلما لديكم بالضبط.
نعم، أُشفق عليك لأنك تُغير وجهات نظرك مثلما تُغير ملابسك الأنيقة، وأنا وأنت وجريدتك وصحافتكم والعالم كله يعلم بأن مُتطرفى جماعة الإخوان هُم الموجودون في السجون لما ارتكبوه من جرائم عنف وإرهاب في حق المصريين.. هل نسيت ما قلته عن جماعة الإخوان وهُم في السلطة؟ هل نسيت أنك قلت عنهم «يحملون أفكارًا ضد حقوق المرأة وضد التعددية ويسعون للتمسك بالسلطة».. فمن المفترض أن يكون الكاتب الصحفى الشهير الذى يغطى أحداث الشرق الأوسط منذ أكثر من ٤٠ عامًا أكثر حيادية وموضوعية أو على أقل تقدير يكون مُنصفا في أحكامه وعادلًا في آرائه.
.. أشفقت على «فريدمان» من كثرة تحولاته التى طرأت عليه، فمِن مُمهد للأرض لجماعة الإخوان للقفز على السلطة منذ ٢٠١١، وقتها قال: «لن تستقر مصر لو تم استبعاد الإخوان».. لداعم لجماعة الإخوان وهُم في السلطة، وقتها قال في ٤ يوليو ٢٠١٢: «انتخاب محمد مرسى لا يعنى نهاية معاهدة كامب ديفيد، بل قد يكون بداية لسلام حقيقى بين مصر وإسرائيل».. وحينما تصاعدت المظاهرات ضد حكم الإخوان قال: «الأوضاع في مصر تردت والإخوان احتكروا السلطة وليس لديهم كفاءة لحكم مصر».. وحينما نجحت ثورة ٣٠ يونيو قال في ١٠ يوليو ٢٠١٣: «مصر على شفا حرب أهلية بعد إلقاء الإخوان للأطفال من أعلى العمارات، ولو سقطت مصر فإن الاضطراب سيضرب الشرق الأوسط كله».. وبعد شهور قليلة من ثورة ٣٠ يونيو، وتحديدًا في ٨ نوفمبر ٢٠١٣ في مقال بعنوان «ثورات مصر الثلاث» قال نصًا: «كان أسلوب محمد مرسى إقصائيًا وثورة ٣٠ يونيو جاءت لتتحاشى الدخول في طريق مسدود ونزل الشعب المصرى إلى الشوارع وتوسلوا للجيش لكى يحميهم من جماعة مرسى بعد أن شعر المصريون بعدم الأمان».
أُشفق على «فريدمان» لأنه يُغازل جماعة الإخوان دائمًا، لا يحسم أمره تجاههم، قال عنهم الكثير والكثير وانتقدهم، وشهد على فشلهم وتطرفهم وإرهابهم، وحينما تم القبض على عناصرهم التى نفذت العمليات الإرهابية ويتم محاكمتهم وحبسهم في السجون يعود ليتعاطف معهم.. هل نحن أمام «لغز» اسمه «توماس فريدمان»؟ أم أننا أمام شخص له وجهان متناقضان؟
أعلم أن «فريدمان» له اسم كبير في الصحافة العالمية وحاصل على أربع جوائز صحفية عالمية وأجرى حوارات عديدة مع عدد من الرؤساء والزعماء وعقد لقاءات كثيرة بالقادة والأمراء العرب، ومقالاته بـ«نيوريوك تايمز» ينتظرها المسئولون قبل القراء العاديين، لكنى فضلت أن ألفت نظره بأن من في السجون المصرية هُم من ارتكبوا الجرائم ووقفوا أمام عدالة المحكمة وحكمت عليهم بالأحكام النافذة، ويتم تنفيذها على الكبير والصغير دون تفرقة.
وأعلم أيضًا أن «فريدمان» لديه مكتبة خاصة، تضم أكثر من ٤ آلاف كتاب، وأدعوه للبحث في هذه المكتبة عن الكتب التى أصدرها قادة الإخوان؛ ليقرأ ما كتبوه هُم عن أنفُسهم، وليقرأ ما سطروه بأقلامهم عن تنظيمهم السرى وعن العمليات الإرهابية التى ارتكبوها طوال ٩٠ عامًا آخرها اغتيال النائب العام في ٢٠١٥ ثم تفجير الكنائس في ٢٠١٦ ثم تفجير المسجد بمن فيه من مُصلين في سيناء في ٢٠١٧.. وما زالوا على عنفهم وإرهابهم، وما زالت «مصر» صامدة.