السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

توترات متلاحقة.. الأخطبوط التركي يسعى لتدمير ليبيا لصالح قوى الشر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد العلاقات التركية الليبية تصاعدًا متبادلًا من جانب الطرفين حول طبيعة العلاقة الثنائية ونمط المسارات الحاكمة للعديد من الملفات الخارجية والداخلية الليبية والتركية؛ إلا أن هذه التوترات شهدت حالة من التصعيد غير المسبوق من جانب الجيش الوطنى الليبي، التى أعلن عنها المتحدث باسمه «أحمد المسماري».


يذكر أن هذا التصعيد من جانب الجيش الليبى ليس بالجديد، بل هو بمثابة امتدادات متلاحقة لسلسلة قديمة من التوترات، ولكن ما تم رصده فى يونيو ٢٠١٩، من جانب الجيش الوطنى الليبى فيما يتعلق بتوريد شحنات أسلحة وذخائر من جانب سفينة أمازون التركية التى خرجت من ميناء سامسون التركى إلى لواء الصمود فى ٢١ أبريل ٢٠١٩، خاصة أن هناك حظرًا دوليًا مفروضًا على ليبيا فيما يتعلق بتوريد الأسلحة، وأن هذه الشحنات من الأسلحة تؤثر سلبًا على عمليات الجيش الوطني، خلال عملية طوفان الكرامة التى أعلن عنها فى أبريل ٢٠١٨، لتحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية.
توترات متصاعدة
وأعلن المتحدث باسم الجيش الليبى أحمد المسماري، فى ١٣ أبريل ٢٠١٩، بأن هناك خطوطًا مفتوحة بين تركيا ومالطا جوًا وبحرًا لتقديم الدعم العسكرى للمجموعات العسكرية المتطرفة فى طرابلس، وأضاف بأن هناك رحلات جوية مباشرة من تركيا إلى مصراتة تنقل مسلحين من جبهة النصرة فى سوريا، خاصة بعد ملاحظة تزايد أعداد المقاتلين الأجانب على الساحة الداخلية الليبية، والذى دلل عليه القبض على طيارين برتغاليين فى يونيو ٢٠١٦، وفى مايو ٢٠١٩.
ومنذ سبتمبر ٢٠١٥، تم القبض على ثلاث سفن تركية من جانب السلطات اليونانية أو من جانب الجيش الوطنى الليبي؛ وكما ضبطت السلطات الليبية فى ميناء الخمس البحرى غرب ليبيا فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٨، شحنتى أسلحة ضخمتين وذخائر وحمولات قادمة من ميناء مرسين التركي، وحسب بيان الجيش الليبى فإن عدد الذخائر الواردة فى هاتين الشحنتين بلغ ٤.٢ مليون رصاصة، بما يكفى لقتل قرابة ٨٠٪ من الشعب الليبي، إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق. كما أن السلطات اليونانية تمكنت من ضبط إحدى السفن التركية فى يناير من عام ٢٠١٨، محملة بمواد تستخدم لصنع متفجرات وهى فى طريقها إلى الأراضى الليبية، ورغم أن السفينة كانت تحمل علم تنزانيا إلا أنها أخذت حمولتها من ميناءى مرسين والإسكندرونة التركيين، وعثرت السلطات اليونانية على ما يقارب ٢٩ حاوية تحتوى على مواد تستخدم لصناعة المتفجرات.

وموقع ويكيليكس فى يوليو ٢٠١٦، عن جانب مهم فى طبيعة الدور التركى داخل ليبيا فيما يتعلق بنقل أموال الليبى عبدالحكيم بلحاج، من خلال رسالة صادرة عبر بريده الإلكترونى عام ٢٠١٣، عرض فيها على مصرفى تركى تابع للحزب الحاكم (العدالة والتنمية) طلب المساعدة لتهريب مبالغ مالية لأجل المحافظة عليها واستثمارها، مقابل دفع عمولة ٢٥ بالمئة من المبلغ، وكان المبلغ وقتها حوالى ١٥ مليون دولار.
يذكر أن هذه الممارسات غير المشروعة من جانب تركيا لم تتلق تنديدًا من جانب المجتمع الدولى أو من جانب المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة، الأمر الذى سينعكس بصورة سلبية على إطالة أمد الصراع الداخلى بين الجانبين، بل وسيمتد إلى إعاقة الجهود الأممية لتحقيق تسوية سياسية للأزمة الليبية على المستوى القريب.

تصعيد ليبى والدوافع التركية
على خلفية التدخلات التركية فى الساحة الداخلية الليبية، أعلن الجيش الوطنى الليبى العديد من الإجراءات التى اتخذها فى مواجهة الممارسات التركية غير المشروعة من خلال العديد من السياسات، والتى تمثلت فى إعلان الجيش الوطنى الوطنى استهدافه لكل السفن التركية داخل المياه الإقليمية الليبية، بالإضافة إلى منع الرحلات التجارية الجوية إلى مناطق الجيش الليبي، عوضًا عن إيقاف تعاملات الشركات التجارية التركية هناك.
ولعل حالة التصعيد التى تشهدها تركيا من جانب الجيش الوطنى الليبى ستؤثر بصورة كبيرة على دوافع ومصالح، وكذك آليات أنقرة تجاه طرابلس؛ حيث تعتزم أنقرة مواكبتها للتحركات الإقليمية والدولية المكثفة تجاه ليبيا فى الفترة الأخيرة، والحد من تداعياتها السلبية المحتملة على النفوذ التركى فيها، خاصة من جانب مصر التى باتت أكثر حضورًا وتقاربًا مع الدولة الليبية، فيما يتعلق بالتنسيق المشترق لمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة التى تدعمها أنقرة بالأساس. بجانب ذلك تهدف أنقرة إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من مشاريع إعادة الإعمار فى ليبيا، خاصة أن السوق التركية تمثل إحدى الأسواق الكبيرة التى تستهدفها تركيا فيما يتعلق بإقامة المشاريع الاقتصادية، والتى عبر عنها تواجد أكثر من ١٢٠ شركة تركية تعمل داخل الأراضى الليبية. ويمثل ملف الغاز فى منطقة شرق المتوسط أحد الدوافع المهمة التى تحاول تركيا أن تسيطر عليه، خاصة فى ظل التوترات الإقليمية وحالة الضغط التى تتعرض لها تركيا من جانب قبرص واليونان ومصر، الأمر الذى سينعكس بصورة سلبية على المصالح الاقتصادية التركية فى ظل حالة التراجع الاقتصادى الداخلى الذى تشهده تركيا من تراجع فى قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
وتعمل تركيا فى ليبيا على ضمان حصة من الغاز المكتشف شرق المتوسط، عن طريق دعم الميليشيات الإرهابية، بالإضافة إلى تطويق مصر من جهة وقبرص من جهة ثانية، بالاتفاق على ترسيم الحدود بينها وبين السلطات الليبية المقبلة، التى ستكون موالية ومتفهمة له، وذلك لتجاوز الاتفاقيات الدولية المبرمة بين مصر، واليونان، وإسرائيل، وقبرص على ترسيم حدود هذه الدول البحرية، واعترافها المتبادل فيما بينها بمناطقها الاقتصادية الخالصة، والتى تُشير المؤشرات بعد الاكتشافات الضخمة فى مصر، وإسرائيل، وقبرص، إلى احتوائها على كميات هائلة من الغاز.
إن الهدف من تدخل تركيا فى الشأن السوري، والعراقى هو نفسه الذى يحركها للتدخل فى ليبيا، وهو دعم مشروعها الإقليمى من خلال توظيف الميليشيات المسلحة، كما أنه لا يمكن أن يكون لتركيا وجود فى ليبيا دون استثماراتها المالية هناك، والتى تأمل أن تفتح أسواقًا جديدة لها، وتسمح لها بالاستثمار فى عملية إعادة الإعمار واختراق قارة أفريقيا من خلال البوابة الليبية.

المشهد الإقليمى والدولي
تدعم كل من مصر وحلفائها الخليجيين وفرنسا وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر فى مدينة طبرق بشرق البلاد. من ناحية أخرى، تدعم تركيا وقطر منافسى حفتر متمثلين فى حكومة الوفاق الوطني، فى العاصمة الليبية طرابلس.
وهذا الخلاف فى خريطة العلاقات التركية انعكس على مسار حركتها ليس فقط فى ليبيا، ولكن فى مناطق عدة فى المنطقة العربية والإقليمية والدولية، وبالنسبة للحالة الليبية ظهر ذلك بصورة واضحة فى مؤتمر باليرمو فى إيطاليا المنعقد فى نوفمبر ٢٠١٨، والذى تم استبعاد كل من تركيا وقطر من المشاركة فيه، والذى حضره رئيس الوزراء الإيطالي، والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، والرئيس التونسى الباجى قائد السبسي، ورئيس الوزراء الروسى ديمترى ميدفيديف، ورئيس الوزراء الجزائرى أحمد أويحيى، ووزير الخارجية الفرنسى جان إيف دريان، ورئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك.
كما أن حالة الرفض الإقليمى والدولى التى تتعرض لها تركيا، حاولت من قبل تجاوزه من خلال عقد مؤتمر مع حكومة الوفاق الليبية فى ٥ و٦ نوفمبر أى قبل انعقاد مؤتمر باليرمو، والتى ناقش فيها الطرفان مساهمة تركيا فى تشكيل الجيش الليبي، بما فى ذلك تدريبها وتوحيد القوات العسكرية (الميليشيات) المتنافسة، كما تمّت مناقشة استثناءات التأشيرة.
ولعل هذه التوترات أضافت بعدًا آخر حول مسارات حركة الجانب التركى فيما يتعلق بمسارات حركة دوافعه تجاه ليبيا داخليًا، والأمر الذى ظهر جليًا مع حالة التصعيد التى تتعرض لها تركيا ليس فقط من الجانب الليبي، وإنما من العديد من القوى الإقليمية والدولية التى تستهدف التحرك التركى على مستوى العلاقات الإقليمية.
من جانب آخر، فإن هذا التصعيد المتبادل من جانب تركيا وليبيا سوف تمتد تداعياته على العديد من الدول فى ظل حالة الانخراط الدولى والإقليمى داخل الأزمة الليبية، الأمر الذى سيمتد انعكاساته على حالة الاستقرار الإقليمي، والذى قد يمتد من خلال المؤشرات السابقة إلى الانخراط بصورة أكبر فى مسارات صراعية تزيد من حدوثها حالة الوضع الإقليمى المأزوم فى الأساس.