الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"نهضة مصر".. تمثال بأنامل محمود مختار يعكس روح ثورة 1919

نهضة مصر
نهضة مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل اشتعال أنفاس ثورة ١٩١٩ التى جاءت نتيجة لتراكم الغضب المصرى بسبب التدخل الأجنبى فى الشئون والأحوال المصرية، كان الفن التشكيلى آخذًا مكانته ووضعه بين الفنون فى مصر، وذلك منذ أن تأسست كلية الفنون الجميلة المعروفة بـ«مدرسة الفنون الجميلة» فى ذلك الوقت.
الأمير يوسف كمال أحد أبناء الأسرة المالكة فى مصر كان شغوفًا بالفن ومحبًا شديدًا له، وزاد تعلقه به بعدما طرح النحات الفرنسى «جيوم لابلان» فكرة تأسيس مدرسة للفن، فقام «كمال» بتأسيس مدرسة الفنون الجميلة بمنطقة درب الجماميز منذ عام ١٩٠٨، وكانت مفتوحة أمام كل من لديه موهبة فنية، وكان لا يشترط سنًا معينة ومجانًا أمام كل الموهوبين، وكان شرطه الوحيد أن يخضعوا إلى اختبار قبول ليكون فيصلًا أمام قبولهم بهذه المدرسة التى أخرجت بعد ذلك كوادر فنية دولية وعالمية.
جاء الفنان والنحات «محمود مختار» كأول المنضمين لمدرسة الفنون الجميلة، حيث وُلد فى ١٨٩١ بمحافظة الغربية، وتأثر كثيرًا بطبيعة مكان نشأته الذى تربى وترعرع بها، وتأثر بأجواء القرية التى أخرجت منه الحس الفنى الذى تعمق بداخله وجعلته قائدًا ومؤسسًا لحركة النحت فى مصر. كان يجلس «مختار» على شاطئ الترعة بقرية قريبة من محافظة المنصورة، وقاده حسه الفنى نحو اللعب بالطمى وصنع التماثيل، حتى استطاع أن يُبدع ويصنع تماثيل لمجموعة من أبطال العرب، وكان أول نحات مصرى يقيم تماثيله فى الميادين العامة والشوارع، فأعاد روح الفن إلى الأذهان.
من قبل انفجار ثورة ١٩١٩، شارك رائد النحت بالحركة التشكيلية المصرية، فى الحركة الوطنية، وكانت هذه المشاركة ليست فنية فقط، ولكنه شارك بصرخته فى المظاهرات المُطالبة بالدستور والاستقلال منذ عام ١٩١٠، وخرج من هذا الحادث بتمثال «رياح الخماسين» الذى عكس من خلاله الصراع بين الريح العاتية والفلاحة المصرة على المضى عكس التيار.
استطاع مختار بعد ذلك أن يضع اسمه رمزًا وعلامة فى حركة الفن التشكيلى المصرى، وذلك باعتباره رائدًا عبقريًا لفن النحت، ووضح ذلك فى تعبيره عن ثورة ١٩١٩ التى لا تزال رموزها مجسدة حتى الآن فى تمثال «نهضة مصر» وتمثال «سعد زغلول» قائد الثورة، الذى استطاع بهما أن يلقى ظلًا كثيفًا على الأجيال التالية من النحاتين المصريين. 
واستمرارًا لمجهودات مدرسة الفنون الجميلة فى جذب الكوادر والمواهب الفنية المؤثرة، ازدهرت المدارس التشكيلية بمجيء الفنان التشكيلى العالمى محمود محمد سعيد، والشهير بـ«محمود سعيد»، أحد مؤسسى المدرسة المصرية الحديثة فى الفنون التشكيلية، وجاءت أشهر أعماله الفنية فى لوحات بنات بحرى، الشادوف، الدراويش، بالإضافة إلى لوحة عيد الأضحى التى برع بها ورسمها فى ١٩١٧ ولا تزال محط دراسة لأجيال الفنانين المتعاقبين حتى الآن، حيث وضح من خلالها عادات وتقاليد الشعب المصرى. واستمرت إبداعاته تُساير الأوضاع التى تحل بالبلاد فكان يهتم بها دائمًا بالرغم من سفره إلى باريس لاستكمال دراسته، إلا أنه ركز فى أعماله الفنية على الهوية والوطنية المصرية التى نقلت كل ما حدث فى مصر أثناء ثورة ١٩١٩، من خلال ما كان يتناقله من أخبار عنها.
انضمت مجموعة أخرى من كبار الفنانين التشكيليين لمدرسة الفنون الجميلة فور إنشائها، وجاء من بينهم الفنان التشكيلى «يوسف كامل» بقسم التصوير، وترك تراثًا فنيًا مكونًا من ألفى لوحة زيتية، بالإضافة إلى مجموعة من الاسكتشات السريعة الزيتية والصغيرة المساحة، حيث تناول فى هذه اللوحات كل القضايا والأحداث التى مرت بمصر، كما أنه كان أول عميد يسمح بدخول الفتيات إلى الكلية الملكية للفنون الجميلة فى جميع الأقسام الفنية التى تشمل النحت، التصوير، الزخرفة، والحفر، وكانت هذه الإضافة بمثابة انطلاقة فنية على الساحة المصرية ودعمتها ثورة ١٩١٩ التى شاركت بها المئات الفتيات والنساء وقادتهم «صفية زغلول» فى ذلك الوقت.
أثرت روح الثورة على العديد من الفنانين التشكيليين، فخرج الجميع بأعمال عكست كل ما يدور بداخلهم من أفكار، وكان من بين هؤلاء الفنانين، الفنان راغب عياد الذى اتحد مع الفنان يوسف كامل نحو تأسيس وخلق أجيال من الفنانين التشكيليين لحمل الراية الفنية بعدهما، بالإضافة إلى أثرهم العظيم المتروك فى إسهاماتهم وأعمالهم الفنية الخالدة. 
توسعت بعد ذلك دائرة الفن التشكيلى، وانطلقت حتى جذبت مجموعة كبيرة لا يمكن المرور بتاريخ الفن التشكيلى دون ذكرهم فجاء من بينهم الفنان السكندرى محمد ناجى المتميز بلوحاته الجدارية الكبيرة، ومن بعده جاء الفنان سيف وانلى وأخوه أدهم وانلى اللذان أصرا على دراسة الفن رغم رفض والدهما، وتميزت أعمالهما بالواقعية والتنوع فكانا يُسابقان الاتجاهات الفنية الحديثة والمعاصرة التى ظهرت فى العالم، وذلك بعد دراسة الفن فى مدرسة حسن كامل فى ١٩٢٩. 
وبمرور التاريخ خرجت الفنانة «إنجى أفلاطون» لتُشارك مجموعة رواد الحركة التشكيلية، كأول فنانة تتخذ من «السيريالية» منهجًا، وذلك يرجع إلى إيمانها الكبير بأهمية حرية الرأى والتعبير، واستمرت الإنجازات الفنية والإبداعية واحدة تلو الأخرى، خاصة بعد انضمام مجموعة من الفنانين، منهم «حامد ندا» والفنان «عبدالهادى الجزار» إلى مشوار الإنجازات فى الفن التشكيلى، وتركهم بصمة فنية لا تزال تُدرس فى تاريخ الفن التشكيلى حتى الآن.