الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ابن العاق.. حد الكفاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام 1989، أقرّ زعماء العالم بحاجة الأطفال إلى اتفاقية خاصة بهم، ومن هنا خرجت إلينا اتفاقية حقوق الطفل التي تتولى اليونيسيف تطبيقها ومناصرتها. 
وتتلخص مبادئ الاتفاقية في حق الطفل في الحياة، والحصول على اسم وجنسية، وتلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين، كما تعترف الاتفاقية بحقه في التعبير عن الرأي، وحمايته من التنكيل والاستغلال، وأن يتم حماية خصوصياته وألا يتم التعرض لحياته، وهى مبادئ أقرها الإسلام وزاد عليها فألزم الأب بالنفقة على أبنائه، ولم يأت إلزام الشريعة للوالدين بحقوق أبنائهم من فراغ فأى خلل بتلك المنظومة يصنع كيانا آخر مشوها، ويصبح هذا الطفل "مفرخة" للعديد من الظواهر التي يعانى منها المجتمع فيصبح لدينا القتلة واللصوص والإرهابيين، ولكن قبل ذلك هناك حلقة وصل مهمة فمع تفكك الأسرة وعدم الالتزام بما أقره ديننا تجدنا أمام "طفل شارع" تلك الظاهرة القديمة والمستمرة دائما.
فمن الجلي أن الواقع حولنا قد أقر بأن الصانع الحقيقى لتلك الظاهرة هم الآباء والأمهات على حد سواء، فلا يمكن أن نقول هناك طفل يحب حياة الشارع!، فتلك الشوارع التى تفتح أعينها نهارًا ونسير فيها دون خوف ماهى إلا ذئاب مفترسة ليلا تنتهك براءتهم وتنهش أجسادهم الهزيلة، بل ويكونون ضحايا لضحايا سابقين اغتصبت الشوارع براءتهم ليصبح كل سجين منهم جلاد! لضحية أخرى.
فرغم تعدد المعطيات التى تؤهل إلى تغول ظاهرة أطفال الشوارع، يبقى الآباء هم المجداف الذى يحرك ذلك القارب الذى يمكن أن يغرق المجتمع بأثره، فهناك بعض الآباء الذين يصل بهم شطط الخصومة إلى اعتبار الطفل ندًا له بل وينقل ساحة حربه مع الأم إلى الطفل مباشرة ليدخل معه معركة تكسير عظام، فيحرمه تلك الحقوق كافة، وهنا يصبح القانون حائط الصد الذى يتولى زمام تلك المعركة ويصبح ضمير القاضي ونصوص القانون البوصلة التى في ظاهرها تنقذ الأطفال وفى باطنها تنقذ المجتمع ككل، فلهؤلاء الأطفال حقوق ستظل معلقة في رقابنا حتى الموت وجرائمنا في حقوقهم لا تسقط بالتقادم، ولذا لزاما علينا تنفيذ تلك الحقوق، وأن يكون القانون رقيبا على تنفيذها.
الحق في "الطعام".. سيحكم القاضي بالطبع بمفردات الراتب التى كثيرا ما تكون مخالفة لواقع الدخل بمراحل، لتخرج علينا أحكام هزيلة فقد تجد حكما بنفقة 100 جنيه أو أكثر قليلا للطفل، فأصبحت الأم بين خيارين كلاهما مر، إما أن تدبر أمرها بيدها دون انتظار الأب أو تلقى بصغيرها إلى الأب المزعوم دون أى ضمانة لمصيره، وربما يختار الصغير مصيره بنفسه فيلقى بذاته في أحضان الشارع، إذا فلابد من تشريع يحمى طعام الصغير فعلى الأقل لا تصدر أحكام نفقة بأقل من الحد الأدنى للفقر الذي تقرره الدولة والذى بلغ مؤخرا.. نحو 482 جنيها، والمتوقع وصوله الى 800 جنيه طبقا للمركزى للتعبئة العامة والإحصاء وهنا نضمن أنه لن يوجد "طفل يموت من الجوع".
الحق في الحياة.. فمن حق الطفل أن ينعم بحياة نفسية سليمة يرى فيها الوالدين وهما يقدمان أفضل ما لديهم من أجله، فلا يجوز إجبار الطفل على البقاء مع من يؤثرون استخدامه آلة حرب والذين يمثلون الخطر الحقيقى على حياته، فلابد من أن تضع الدولة عدة ضوابط تحمى الطفل منها إخضاع الأبوين إلى الرقابة النفسية من آن إلى آخر وتقييم الأصلح لتولى رعايته، وكذلك التقييم الدورى للأطفال لبحث تأثير الحاضن عليه، وفى حال فشل الأبوان تكون دور الرعاية هى الحل الأمثل لرعاية الأطفال فربما هذا الدواء المر أفضل كثيرا من جعلهم بين أيدي أشخاص بلا ضمير لينتهى بهم الحال من سكان الشوارع في نهاية المطاف.
الحق في التعليم.. التعليم حق أصيل لكل طفل ويوجد في مصر أكثر من مليون متسرب من التعليم في المراحل المختلفة، منهم نسبة لا بأس بها من أطفال الشقاق، ومن هنا على الدولة أن تشكل لجانا بحثية من خبراء البحوث الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لمعرفة الأسباب التي دفعت الأطفال إلى ترك المدارس، وربما يكتشفون أن هناك حربا نفسية يمارسها بعض ضعاف النفوس على الأطفال لتنفيرهم من التعليم كأحد وسائل الانتقام من الطرف الآخر، وهنا على الدولة ان تصبح رقيبا على الأسرة لحماية حق الطفل في التعليم لتضمن ألا ترث جيلا من الجهلة.
فإذا اكتفينا بتلك الحقوق الثلاثة فقط والتى هى بعيدة كل البعد عن الرفاهية التى يستحقونها، والتى تعد "حد الكفاف للحياة" ربما نستطيع إنقاذ الطفل قبل أن يصل إلى الشارع، وأن ننقذ أنفسنا من قنبلة موقوتة تدمرنا جميعا.