الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران شليمون وردوني يكتب: تربية الأطفال الدينية في العائلة

المطران
المطران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن الظاهرة الدينية هي متأصلة في طبيعة الإنسان ذاتها، والإنسان الذي هو كائن إجتماعي في مظاهر حياته البشرية هو كائن متدين أيضًا، وهذا التدين الموجود في طبيعته عينها يدعى بالتدين الطبيعي. ومار بولس يثبّت ذلك بقوله: “فغير اليهود من الأمم والذين لا شريعة لهم، إذ عملوا بالفطرة ما تأمر به الشريعة، كانوا شريعة لأنفسهم مع أنهم بلا شريعة. فيثبّتون إن ما مكتوب في قلوبهم وما تشهد لهم ضمائرهم وأفكارهم.
فالطفل إذًا ليس بحاجة إلى تعليم خارجي لكي يحصل على الشعور الديني، فلا يوجد طفل بلا دين أساسًا. عن هذا كتب علماء النفس الكثيرون وحلّلوا التفاعلات النفسية والدينية الموجودة عند الأطفال ووصلوا إلى هذه النتيجة، أي أن الأطفال بطبيعتهم يميلون إلى الأمور المقدسة وإلى التدين. من بين هؤلاء العلماء هم: بياجي وجيسيل، وهرمس وآخرون.
الأطفال لهم ميل فطري، مغروس فيهم، إلى خبرة الفائق الطبيعة فالتظاهرات الدينية الموجودة في الجماعات البشرية تؤكد على ظاهرة تتجاوب أساسًا مع تكوينهم النفسي وتشبع إحدى حاجاتهم الأساسية.
هذا التدين الطبيعي ينموا بإطراد إلى أن يصل إلى الفائق الطبيعي الذي يأتي من فوق ونحصل عليه بواسطة العماد الذي يسمو بهذا التدين إلى الفائق الطبيعي. فالمهم هو أن نهتم وننمي الشعور الديني في الطفل أكثر من المحتوى الذي يمكن أن يصبح أمرًا نظريًا وغير مفهوم (زفلوني: علم النفس الراعوي).
لا بل نستطيع أن نجد اختلافات في المحتويات الدينية بسبب الظروف والعوامل الخارجية والأستعدادات السابقة للطفولة. الإنسان هو كائن معقد وكل فرد يختلف عن الأخر لأسباب كثيرة ومتنوعة، ولهذا فإن فكرة الله تختلف عند الأفراد اختلافًا كبيرًا لكونها تتعلق بالمظاهر الطبيعية المتأتية من الوراثة ومن خبرة الحوادث التاريخية الماضية التي تطرأ على حياة كل واحد، ابتداءً من الطفولة الأولى ومن المحيط العائلي والاجتماعي الذي ينشأ فيه المولود الجديد.
لهذا السبب نجد في الفرد تفاعلًا ملموسًا بين الشعور الديني وظروف الحياة الخارجية، أي علاقاته العائلية والمحيطية، لا بل وحتى مشاعره الداخلية الشخصية. فالطفل إذًا بحاجة إلى تنشئة في محيطه الديني لكي ينضج ويكتمل هذا الشعور.
كل إنسان لكي يصل إلى مرحلة النضوج الأدبي والديني والاجتماعي، إنه بحاجة إلى قيادة تصحبه منذ صغره لتنجح هذه المسيرة، بسبب ما ذكرناه من المؤثرات التي سيكون لها الوقع الكبير في حياته المستقبلية كلها.
يجب أن يُربى الطفل جيدًا لكي تنمو استعداداته جيدًا، وتقوّم ميوله، وتُبنى فيه شخصية قوية ومتزنة. للعائلة دور أساسي في هذا التقدم التربوي لا بل إن نجاح شخصية الأطفال وعدم نجاحها يعود كثيرًا إلى العائلة إذ منها تبدأ العادات الصالحة أو الرديئة، وفيها يحدث التقدم والتأخر، الغنى والفقر الروحي للأولاد. هؤلاء هم أساس الجماعة البشرية والكنسية المستقبلية، وعليهم يبنى نجاحها أو فشلها.
ففي بادئ الأمر يجب أن تنوجد العائلة وبدونها يصبح من الصعب جدًا نمو الأولاد الطبيعي، إذ ستنقصهم العناصر الأساسية للنضوج المتزن كالألفة مثلًا والمودة والاستقرار والمحبة الأبوية، والفرح والعفوية التي لا يمكن أن تتحقق كقيم حقيقية إلاّ داخل العائلة. ولهذا على الأبوين أن يكونا قادرين على إيصال القيم الدينية لأولادهم بواسطة الممارسات الدينية الحياتية وقناعتهم الشخصية العميقة.
هناك فترة من الحياة البشرية تكون العائلة وحدها التي تقدم خلالها التربية للأطفال، وهي الفترة التي تصاغ فيها الشخصية الأساسية. هذا ينطبق تمامًا على الحياة الدينية أيضًا، ولهذا فإن موضوع التربية الدينية للأطفال في العائلة، واقعيًا، هو موضوع في غاية من الأهمية، ومنه تنتج ضرورة العمل الراعوي للعائلة.
فأول عمل يجب أن نقوم به الكنيسة هو أن تساعد العائلة لتُصبح مركزًا تربويًا حقًا، وتقود جميع أعضائها نحو نضوجهم البشري والأدبي والاجتماعي والديني.
إنه مهم جدًا، في هذا الحقل جهد الكنيسة المتواصل نحو العمل الراعوي للعائلة والاهتمام المتصاعد بمختلف المراكز الدينية لتربية الأطفال، ومساعدة الأبوين ليقوما بالتعليم الديني في العائلة قبل أي مكان آخر.
** المطران مار شليمون ورودني، المدبر الرسولي لأبرشية مار بطرس الرسول في سان دييكو الولايات المتحدة الأمريكية.