الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سهير الشربيني تكتب: اللوبي الصهيوني يحكم السيطرة على السياسة الأمريكية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يضع أياديه على الاقتصاد والإعلام والكونجرس.. شكوك فى نزاهة أمريكا كوسيط فى عملية السلام
121 مليار دولار مساعدات أمريكية لإسرائيل منذ 1973.. ويمول 60% من تكاليف الحملات الانتخابية

تتمتع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات متينة، إذ تعتبر المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل هى الفاعل الرئيسى فى تقويتها وبنائها عسكريًا منذ أن أُسست فى عام 1948، كما أنها مصدر التمويل الأساسى للجيش الإسرائيلي، فوفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الكونجرس، فى ديسمبر 2016، فإن المساعدات الأمريكية لإسرائيل بلغت 121 مليار دولار بواقع 3 مليارات سنويًا منذ أكتوبر 1973 وحتى عام 2016. وبدخول مذكرة التفاهم الموقعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فى 13 سبتمبر 2016 حيز النفاذ فى الثانى من أكتوبر من عام 2018، فإن المساعدات السنوية لإسرائيل للعقد القادم بين 2019 وحتى العام 2028 تقدر بنحو 38 مليار دولار، 33 مليار دولار مصدرها المساعدات الخارجية الأمريكية، وخمسة مليارات من وزارة الدفاع وذلك لتمويل مشاريع عسكرية مشتركة مع إسرائيل.
يكمن السر وراء هذا الدعم فى وجود «اللوبى الصهيوني» كجماعة ضغط فى الولايات المتحدة الأمريكية وتمتعه بقدرة فائقة على التأثير على الإدارة الأمريكية. فاللوبى الصهيونى ليس بكيان واحد أو مؤسسة، وإنما هو كيانات مختلفة تتحد فى أهدافها بغرض تطويع السياسة الأمريكية وثنيها لما فيه مصلحة الكيان الصهيونى ودعمه فى أى سياسات ينتهجها، وذلك عبر استراتيجيات وآليات عمل يتبناها من أجل بسط نفوذه داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

استراتيجيات الضغط
فى سبيل استمالة الإدارة الأمريكية لما فيه مصلحة إسرائيل، تبنى اللوبى الصهيونى على مدار وجوده فى الولايات المتحدة استراتيجيتين أساسيتين هما: ممارسة الضغط على الكونجرس والفرع التنفيذى لدعم إسرائيل، ومحاولة استمالة الآراء إلى الصف الإسرائيلي، والضغط على الخطاب العام حتى يصور إسرائيل بمظهر إيجابى عبر ترديد الأساطير عنها بكونها ضحية وسط جيران يكرهون وجودها، وفى إطار تنفيذ استراتيجيات اللوبى الصهيوني، فإن نفوذه يمتد ليشمل الآتي:
١- التأثير على الكونجرس
يتركز نفوذ اللوبى الصهيونى فى الكونجرس فى اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة «إيباك»، إذ تضم نحو ٤٥٠٠ من كبار الشخصيات اليهودية فى المجتمع الأمريكى وتعتمد فى سياستها داخل الكونجرس على سياسة الثواب والعقاب، إذ تدعم وتكافئ من يدعمها بإغداق الأموال عليه ودعم مرشحه فى الانتخابات وتعاقب من يعاديها بأن توجه تبرعاتها للحملة الانتخابية لخصومه السياسيين.
إذ يشير توماس فريدمان، كاتب فى صحيفة نيويورك تايمز، وهو من أشد المدافعين عن إسرائيل، إلى شبكة المنظمات اليهودية ولجان العمل السياسية الموجودة فى الولايات المتحدة، والتى بدورها تعمل على التوجيه وقت الانتخابات لصالح أو ضد مرشحى الكونجرس. كما أنها تتقن آليات التخويف السياسي، لأن المرشح قد يحرم من دعم تلك المنظمات المالى فقط بل وتمويل خصمه كذلك.
٢- السيطرة على الحملات الانتخابية للرئاسة
ينبع نفوذ اللوبى الصهيونى وسيطرته على الفرع التنفيذى من قوة تأثير الناخبين اليهود فى الانتخابات الرئاسية، فرغم قلة عددهم إذ يمثلون أقل من ٣٪ من إجمالى عدد السكان إلا أنهم يمولون نحو٦٠٪ من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحى كلا الحزبين الديموقراطى والجمهوري، وعمليًا فإن أغلب اليهود يمنحون أصواتهم للحزب الديموقراطى، لأنه يعبر بشكل أكبر عن مصالح الأقليات، إلا أنه إذا ما اقتضت المصلحة دعم مرشح جمهورى فلا مانع لديهم، والدليل على ذلك تكاتفهم ودعمهم للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسبب وعوده الانتخابية الداعمة لإسرائيل.
كما أن نسبة مشاركتهم فى الانتخابات تصل إلى ٩٢٪ فى مقابل ٥٤٪ من عامة الأمريكان، الأمر الذى يعطى لنسب تصويتهم تأثيرا فعالا فى نتائج التصويت، علاوة على أن اليهود أكثر الأقليات تركزًا فى المدن وهو ما يعنى تضاعف قدرتهم على التأثير، إذ يتركزون فى الولايات المهمة ذات المقاعد الأكثر مثل نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا. الأمر الذى يجعل للصوت اليهودى أهمية لدى كل مرشح، ومن ثم يسعى إلى استمالته بإظهار دعمه لإسرائيل ونيته إذا ما فاز فى الانتخابات أن يتبنى سياسات إسرائيل وأن يكون حاميًا لها فى الشرق الأوسط، لذا بات من البديهى أن يسعى أى مرشح للرئاسة أو حتى يفكر فى الأمر أن يكسب ود إسرائيل ويعمل على استرضائها.
وقد عبر عن ذلك مرارًا وتكرارًا مرشحون مختلفون، كقول جورج دبليو بوش أمام اللجنة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك» عام ٢٠٠١ «إن سلامة وأمن إسرائيل هما الأولوية الأولى لسياستى الخارجية وإن إدارتى ستدعم إسرائيل بكل قوة ضد الإرهاب والعنف وذلك بدعم وضمان الحرية والرخاء والأمن لدولة إسرائيل».
وتصريح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قبل فوزه بالانتخابات عند لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو «إن إسرائيل ومواطنيها عانوا لفترة طويلة جدًا فى الخطوط الأمامية ضد الإرهاب الإسلامي، وإن الشعب الإسرائيلى يريد السلام العادل والدائم مع جيرانه، ولكن السلام لن يتحقق إلا عندما يتخلى الفلسطينيون عن الكراهية والعنف ويقبلون إسرائيل دولة يهودية».
وتصريح الحملة الانتخابية له فى أكثر من سياق بأن «القدس لطالما كانت عاصمة أبدية للشعب اليهودى منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة، وأن الولايات المتحدة فى ظل إدارة ترامب، ستقبل الاعتراف بالقدس عاصمة غير مقسمة لدولة إسرائيل».
ففى سبيل فوز ترامب بالانتخابات قامت حملته الانتخابية بعمل دعاية داخل إسرائيل بعنوان «ترامب يساوى المصلحة الإسرائيلية»، وذلك لحث الناخبين الذين يحملون الجنسية الأمريكية هناك على أن يعطوا صوتهم فى الانتخابات لترامب. لأن ترامب كان يعى جيدَا مدى قوة اللوبى الصهيونى ومدى قدرته على التأثير فى الانتخابات وقلب المعادلة فى لحظة واحدة.

٣-الهيمنة على وسائل الإعلام
إلى جانب نفوذ اللوبى فى الكونجرس والفرع التنفيذي، فقد سعى اللوبى الصهيونى ومازال من أجل تشكيل مفاهيم مغلوطة ورسم صورة وردية عن إسرائيل فى الأوساط الإعلامية وتصويرها على أنها ضحية الإرهاب، وأنها دوما تسعى للسلام ولكن الفلسطينيين هم من يرفضون التصالح، وبالتالى عملت المنظمات الموالية لإسرائيل على التأثير على بعض بيوت الخبرة ومراكز الأبحاث لمساعدتها فى تشكيل الرأى العام لما فيه صالح إسرائيل. وتعتبر أشهر المحطات التليفزيونية الداعمة لإسرائيل ABC وNBC وCBC، وأبرز شركات السينما الموالية لها فوكس وبارامونت ويونيفرسال.
٤- تغلغل «إسرائيل» فى معاهد الدراسات والبحوث
تلعب مراكز الدراسات والبحوث دورا كبيرا فى صياغة الرأى العام والضغط على الإدارة الأمريكية، بل فى أحيان كثيرة تساهم فى صنع السياسة، لذا عمل اللوبى الصهيونى على إنشاء ترسانته الفكرية» وهو «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» عام١٩٨٥.
ولم يقتصر نفوذ اللوبى على هذا المعهد فقط، بل امتد ليشمل معهد المشروع الأمريكي، ومعهد بروكينغز، ومركز السياسة الأمنية، ومعهد بحوث السياسة الخارجية ومؤسسة التراث، ومعهد هدسون، ومعهد تحليل السياسة الخارجية، والمعهد اليهودى لشئون الأمن القومى (جيشا). وفى سبيل نشر أفكار وبحوث تلك المراكز، تقوم اللجنة الأمريكية الإسرائيلية بدفع تكاليف إرسال ٤٠٠ نسخة مجانية أسبوعيًا لأعضاء الكونجرس وكبار المسئولين ووفود الدول إلى الولايات المتحدة، حتى باتت مشاركة الرؤساء الأمريكيين وكبار رجال الدولة فى اجتماع الإيباك المنعقد سنويًا أمرًا معتادًا.
تأثير اللوبى الصهيونى فى سياسات ترامب
كانت الخطوات التى اتخذتها إدارة ترامب فيما يخص الصراع الفلسطينى الإسرائيلى خير دليل على القوة الهائلة والخطيرة التى يمتلكها اللوبى الصهيونى فى واشنطن، إذ أظهر فى ظل حكم ترامب نفوذًا غير مسبوق حتى بمقاييسه المعتادة. كان على رأسها القرار الأمريكى بنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس، إذ تخير ترامب اليوم الأكثر حساسية فى التاريخ الفلسطيني، وهو يوم النكبة الذى يحيى فيه الفلسطينيون ذكرى اليوم الذى نزح فيه أكثر من ٧٦٠ ألف فلسطينى فى حرب ١٩٤٨ من وطنهم، ليتخذ قراره ذلك. ليس هذا فحسب، بل أشاد البيت الأبيض بالقناصة الإسرائيليين الذين ذبحوا عشرات من الفلسطينين المدنيين الذين كانوا يحتجون بمناسبة الذكرى السبعين للنكبة فى ١٥ مايو ٢٠١٨. حيث عبرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت على ذلك الحدث قائلة إن: «إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها وحماس تتحمل المسئولية».

علاوة على ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى عرقلة صدور بيان من مجلس الأمن الدولى يدعو لإجراء تحقيق دولى فى استشهاد ٥٩ فلسطينيًا على أيدى القوات الإسرائيلية على مقربة من السياج الأمنى الفاصل بين شرقى قطاع غزة وإسرائيل، فقد لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام حق «كسر حاجز الصمت» لمشروع البيان الذى أعدته الكويت العضو العربى الوحيد بالمجلس بالتنسيق مع ممثلى بعض الدول الأعضاء.
لقد كانت إسرائيل على ثقة من دعم الولايات المتحدة وتصدرها للدفاع عنها، الأمر الذى عبر عنه نيكى هالي، مبعوث ترامب للأمم المتحدة قائلًا: «وقالت هيلى فى كلمة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، بشأن العنف الدموى فى غزة، لا توجد دولة فى هذه القاعة يمكن أن تتحلى بضبط النفس أكثر مما تقوم به إسرائيل». لم تخدم أى من هذه الخطوات أى مصلحة وطنية واضحة للولايات المتحدة بقدر ما كانت تهدف بالمقام الأول المصلحة العليا لإسرائيل.
ومن المتوقع أن تُسفر الفترة المقبلة عن منح إسرائيل استحقاقات أكثر على حساب الجانب الفلسطيني، إذ جاءت تصريحات ترامب الأخيرة عن تأييده لاقتراح حل الدولتين كحل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى مثيرًا للجدل، إذ قال فى الاجتماع السنوى لزعماء العالم فى الأمم المتحدة فى يوم ٢٦ سبتمبر ٢٠١٨، «إنه يروق لى حل الدولتين. هذا ما أعتقد أنه الأفضل.. هذا شعوري، فإذا كان الإسرائيليون والفلسطينيون يريدون دولة واحدة فلا بأس بذلك بالنسبة لي، إذا كان هذا يرضيهم فهو يرضيني»، جاء ذلك التصريح دون أن يوضح أى تفاصيل ودون أن يتعهد بالالتزام بحدود١٩٦٧، ففى خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الأمم المتحدة، أشار إلى أنه سيكشف عن خطة سلام خلال شهرين أو ثلاثة. فى الوقت الذى شدد فيه نتنياهو على أن «الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح، وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهى شروط يقول الفلسطينيون إنها تشير إلى أنه ليس جادًا بشأن إقرار السلام». الأمر الذى يثير الشكوك فى أن يكون حل الدولتين بمثابة حل عادل، فترامب يتحرى السبل جميعها لتحقيق المصلحة الإسرائيلية. وفى إطار تلك التصريحات، فمن المتوقع أن يتفاجأ العالم فى المستقبل القريب بقرار سيصبح حديث العالم أجمع كما فعل قرار نقل السفارة.
إن ما وصل إليه اللوبى الصهيونى اليوم من قوة لا يستهان بها فى تحريك الإدارة الأمريكية نحو مصالح إسرائيل وممارسة الضغط عليها من كل الجهات بما فيها الكونجرس والحملات الانتخابية ومراكز البحوث والدراسات وكذلك الاقتصاد، بالإضافة إلى نجاحه فى استمالة الشعب الأمريكى عن طريق الإعلام بتصوير إسرائيل فى دور الضحية، هو ما يجعل الولايات المتحدة حكومًة وشعبًا يستميتون فى الدفاع عن إسرائيل بكل الطرق ويدعمونها قولًا وفعلًا بإمدادها بالمساعدات لدعم اقتصادها وبالأسلحة لتأمينها ودعمها سياسيًا وحمايتها بجعلها أبرز وأهم أولويات سياستها الخارجية. وهذا من ضمن العوامل التى تشكك فى نزاهة الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط فى عملية السلام، وأن أى حل تقترحه الولايات المتحدة فى الوقت الحالى كحل للصراع لابد أن يؤخذ محل ريبة وشك لا محل تسليم وانسياق.