الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

استشاري التخطيط العمراني في حوار لـ"البوابة نيوز": المالك والمستأجر وراء تدمير الحياة العمرانية في مصر.. وائل زكي: والمدن الجديدة لم توفر مجتمعات عمرانية مستقلة

 الدكتور وائل ذكر
الدكتور وائل ذكر استشارى التخطيط العمراني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرضت مصر خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضى إلى ما يشبه حالة التشويه والتغيير فى التركيبة الثقافية للمصريين، وهو ما تسبب فى انهيار العديد من القيم التى تسببت فى تخريب ممتلكات مصر التاريخية. وفى محاولة لفك ألغاز ما وصلنا له من تدهور عمراني وثقافي، حاوارت «البوابة نيوز» الدكتور وائل ذكر استشارى التخطيط العمراني، وعضو مجلس أمناء مؤسسة «مصر لكل أهلها»، الذى أكد أن العمران هو مرآة الإنسان وأكبر معبر عن خلفيات المجتمع الثقافية، مؤكدا أن الهيكل العمرانى يتحدد حسب الهوية المجتمعية، كما يُعد انعكاسًا واضحًا للأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى يمر بها الوطن، كما أوضح مجموعة من العوامل التى شكلت الهوية العمرانية فى مصر، والأسباب وراء الانهيار الحضاري والثقافي والعمراني. وإلى نص الحوار:
■ العمران فى مصر مر بالعديد من المراحل.. إلى أى مدى وصلت التركيبة العمرانية فى الآونة الأخيرة؟
- العمران لا ينفصل عن الإنسان أبدًا، فهو مرآة الإنسان، والذى يؤثر فى العمران ليس هو انتقال الناس من مكان لآخر، ولكن كل الأحداث الاجتماعية، فكل الأحداث الاقتصادية والاجتماعية تصب فى العمران الذى يُعد عنوان هؤلاء الناس، ويدل على شكلهم، وبالنسبة للعشوائيات فهى تعبر عن مشكلة واجهت هؤلاء الناس، ومن هنا أثرت الأحداث اليومية فى مصر على شكل وطبيعة العمران فى مصر.
■ وماذا حدث فى العمران المصرى خلال الفترة من حرب أكتوبر وحتى الآن؟
- كانت السمة الغالبة على المرحلة والعقود الماضية هى عملية التهجير، فقبل حرب أكتوبر ٧٣ كانت النكسة، وكان هناك التهجير الذى حدث ما بين ١٩٦٧ و١٩٦٨، لكن قبل هذه الفترة كانت الأمور إلى حد كبير مستقرة وكانت الهجرة الوحيدة التى تتم فى هذه الفترة هى الهجرات الخاصة بمحافظات الصعيد الأكثر فقرًا إلى محافظات الوجه البحرى خاصة الإسكندرية، وهذا بالنسبة لمحافظتى سوهاج وأسيوط، أما بالنسبة لمحافظة البحر الأحمر فكانت الهجرة إليها من محافظة قنا بالنسبة للأشراف، وما إلى ذلك، وهذا هو وجه الهجرة الداخلية الذى كان موجودًا فى هذا الوقت.
■ وهل مرت مصر بمراحل متعددة من هذا التهجير؟
- بالفعل مرت مصر بالعديد من طرق وأشكال التهجير، حيث انتهجت مصر فى مرحلة ما بعد الحرب شكلًا جديدًا وهو التهجير الجبري، أما قبل سابق فكانت الهجرة اختيارية، وهناك هجرة غير مباشرة كانت من الهجرات المعتادة وهى تخص التوزيع الجغرافى لأبناء المحافظات أثناء فترة التجنيد، وهذه هى أنواع الهجرات فى هذه الفترة، وكانت هجرات لكسب القوت ولقمة العيش فى هذا الوقت، وفى الفترة ما بين ٦٧ و٦٨ هجرت الدولة كل مدن القناة بداية من محافظة بورسعيد وتم إرسالهم إلى محافظة الدقهلية، ومن محافظة الإسماعيلية إلى محافظة الشرقية، ومحافظة السويس إلى محافظتى القاهرة والجيزة، كان من علامات التهجير الجبرى هذا على سبيل المثال فى الجيزة، وعلى سبيل المثال العمرانية أغلب سكانها من المهجرين السوايسة وأصل عائلاتهم من الصعيد، وأصبحت تأخذ الشوارع نفس مسمى الشوارع هناك بالسويس مثل شارع الأربعين والعشرين وما إلى ذلك، وهى لم توجد من قبل فى القاهرة والجيزة.
■ وهل أثر التهجير على العمران فى هذه المحافظات؟
- التهجير أثر بشكل ملحوظ على العمران، وظهرت صورة أخرى للعمران، وهى أن الدولة تقوم ببناء مبانٍ فئوية بمعنى أنها أيام فترة حكم جمال عبدالناصر أنشات مدينة نصر لإسكان الموظفين والجيش وبعدها انتقل إلى الجيزة، وظهر الإسكان المهنى فئات مثل: المهندسين - الإعلاميين - الصحفيين - المعلميين، وهذه كانت سمة اتصف بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبعدها قام بتنفيذ مدن العمال، وهذا كان إسكانًا فئويًا.
وهناك إسكان بشكل مختلف، وهو أن الدولة تقوم بعمل إسكان للمهجرين، والأصل فى هذا السكن للإيواء وكان السكن عبارة عن شقة تنقسم إلى حجرتين وصالة وكانت مناسبة فى هذا الوقت.
وفى هذه المرحلة بعد سنة ٧٣، والانفتاح بدأ يظهر شكل الاستثمار مرة أخرى، بعد عودة سيناء سنة ٧٥، وعندما أمر الرئيس الراحل أنور السادات برجوع مدن القناة مرة أخرى، ومع بداية الانفتاح الاقتصادى بدأ حدوث دائرة مالية مرة أخرى فى العقارات مستهدف بها من يريد أن يعيش خارج هذا المستوى، وكان يوجد نظام الإيجار القديم، فبدأ يظهر مايسمى بـ «خلو الرجل» فى العمارات الجديدة تبعه قانون جديد، وهذه كانت تأثيرات الانفتاح العقارى على قطاع العقارات.
■ وهل تأثر قطاع العقارات بهذه الأحداث السياسية؟
- قطاع العقارات له سمة مختلفة عن القطاعات الأخرى، فهو هو قطاع داخلى ويعنى انتقال أموال من وإلى مصريين فقط أى (عملية داخلية ومحلية) ويصنف قطاع سابع لأن المغالاة فى أسعاره هى مغالاة تأخذ من التضخم الموجود، وتقوم بعملية رفع الأسعار على الفقير، وهذا مع بداية المدن الجديدة فنجد أن مدنًا كالمنصورة وبنها وطنطا نجد أن الأراضى بها مرتفعة الأسعار عن القاهرة.
■ وكم من الوقت استمر هذا النهج فى مصر؟
- ظلت هذه السمات تسيطر على العقارات والعمران فى مصر فى عهد السادات وفى بدايات عهد مبارك، إلى أن جاء الوزير المهندس حسب الله الكفراوى بمقترح عمل المدن الجديدة وكانت على مستويين، مستوى المدن الجديدة ومستوى الضواحى أى التجمعات العشرة، وهى تبدأ من التجمع الأول إلى التجمع العاشر، فالفرق بين الضاحية والمدينة الجديدة، أن الضاحية تكون معتمدة على المدينة الأم، أى تعتمد على العاصمة، فكان سبب الضواحى هى أن تقلل من التكدس السكانى وزحف من معه فلوس لبناء بيت خاص له، ومن التجمعات هذه مدينة الشيخ زايد حيث كانت ضاحية من الضواحى وليس بمدينة، ولكن تختلف عن مدن مثل: مدينة ٦ أكتوبر والعاشر من رمضان وبرج العرب ودورها هو سحب الزيادة السكانية من مدن الدلتا بما يسمى إعادة توزيع السكان على الخريطة المصرية.
■ وهل نجحت فكرة المدن الجديدة فى تشكيل أطر جديدة للعمران؟
- بالطبع هناك مدن نجحت فى مهمتها، وأخرى فشلت فى ذلك، وما حدث فى مدينة أكتوبر أنها نجحت كتجمع سكانى ولكن لا يمكن القول إنها مدينة سكانية مستقلة بذاتها لأن كل سكانها من القاهرة والجيزة والفيوم وبنى سويف، أما مدينة الرحاب فهى تجمع من التجمعات وتعامل معاملة الضواحي، أما مدينة السادات كان من المتصور أن تكون مدينة إدارية ولكن فشلت، ومدينة العاشر من رمضان كان تصورها مدينة صناعية ونجحت.
■ وهل أثرت القيادة السياسية على الهوية المعمارية فى مصر منذ حرب أكتوبر وحتى الآن؟
- بالطبع أثرت الأحداث السياسية على الهوية المعمارية، فبعد عصر الانفتاح للسادات جاءت فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك عندما أغلق عصر الانفتاح، وطلب بالانفتاح الإنتاجى لأن خزينة الدولة أصبحت خاوية، وهنا بدأ تدخل رءوس الأموال الخاصة، وبدايات ظهور الخصخصة فى عهد رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى وبدأت الحكومة فيما يسمى بالخدمات النموذجية مثل الشهر العقارى النموذجي، ومكتب التموين النموذجي.
■ وكيف أثر هذا التحول الاقتصادى والسياسى على المجتمع العمرانى فى مصر؟
- فى عهد مبارك صدرت أخطر القرارات التى دمرت الحياة العمرانية فى مصر، ولعل أهمها تعديلات إعادة العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأطيان الزراعية، حيث حرروا العلاقة الإدارية فى الأطيان الزراعية، والتى بدورها خلفت ما لايقل عن ٤٠٠ - ٣٠٠ ألف فلاح ليس لهم عمل فى الصعيد، وبذلك هاجروا إلى المدن كالقاهرة والجيزة وغيرها، وهنا كانت بداية هجمة فى التسعينيات ضربت الأماكن العشوائية ضربة لم تتوقعها الحكومة، وعلى الرغم من ذلك كان لابد للحكومة أن تتوقع مثل هذا الأمر، واتخاذ اللازم معه، عندما حرروا العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية.
■ وهل تسببت تعديلات قانون المالك والمستأجر فى انفجار العشوائيات فى القاهرة والمحافظات؟
- بالطبع هى السبب الرئيسى فى الانفجار العشوائي، فالمهجرون من أراضيهم الزراعية اتجهوا دفعات كبيرة نحو القاهرة والجيزة، وهؤلاء خرجوا من القرى فى بداية التسعينيات، وكان هذا القانون وُضِع سنة ١٩٩٣ واستمر لمدة خمس سنوات كانت مرحلة انتقالية، انتهت سنة ١٩٩٨، وفى هذه السنة كانت الناس فى الشارع، ومن ٩٨ إلى ٢٠٠١ بعض المناطق العشوائية المتطرفة فى القاهرة بدأت تنتشر فيها الأوضاع فكل من له قريب فى الجيزة بدأ بالاستقرار من القرب منه مثل (بولاق الدكرور - أرض اللواء - العمرانية)، وفى القاهرة مثل «غمرة - البساتين».
■ هل يعنى ذلك أن تعديلات «المالك والمستأجر» وراء الزحف على الأراضي الزراعية؟
- للأسف هذه حقيقة، حيث شكلت المرحلة من ١٩٩٥ وحتى ٢٠٠٥ مع بداية مرحلة الألفية الجديدة تطورًا خطيرًا للغاية فى منظومة تطور العقار فى مصر.
■ ماذا عن الفنون هل تأثرت أيضًا باختلاف الثقافات والتركيبة السكانية؟
- الحركة الفنية تأثرت باختلاف الطبقات والعمران، وانحدرت الفنون بعدما هاجرت العقول الفذة، وفى هذه الحقبة من الزمن شهدت هروب الصناع المهرة إلى الدول العربية بسبب منافسة الأيدى الحرفية غير المهنية أدى إلى تدهور الثقافات وإنعدام الأيدى الماهرة بسبب ما حل من عشوائيات، وفى أواخر العقد الأول من القرن الحالى بدأ بظهور ظاهرة جديدة وهى «بداية ظهور الطبقية» وهى التنصل من بعض، وهذا أدى إلى التضخم الاجتماعي.
■ ما سبب الحملة الشرسة لهدم المبانى التراثية وتحولها إلى أبراج سكنية؟
- يرجع هذا فى الأساس لأن ملاك هذه المبانى الأثرية يسعون جاهدين إلى هدمها قبل مرور مائة عام على وجودها حتى لا يدخل فى سجل الآثار ويصبح من المبانى الأثرية، وبالتالى يقوم بهدمها أو بيعها لآخر يحولها إلى برج سكنى للاستثمار أو لغيره من طرق الكسب.