الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذكريات لها في القلب من الحب رصيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما ترتجف القلوب بحب الوطن - يأخذنى الحنين لأيام الشقاء النبيل – الذى لم يكن له ثمن إلا الفداء بالروح من أجل رد الكرامة ورفع الهامة – بعد الانكسار – للانتصار حبا لتراب هذا البلد – نعم – كنا نعيش أوقاتا عصيبة أعقبت الاحتلال الإسرائيلى لسيناء – فمهما كانت المعاناة تهون لرفع الرؤوس وتحرير الأرض.
لقد كانت المنظومة لتلاحم القوات المسلحة وشعب مصر حينها – قد صنعت ملحمة قتالية رائعة غير مسبوقة – نتلمسها بإعلان الانتصار والفوز بتحطيم أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر - لقد مر خمسة وأربعون عاما على انتصار حرب أكتوبر – مما دعانى لأتأمل وأسترجع ذكريات ذلك اليوم العظيم - 6 أكتوبر – فقد كان هذا اليوم له فى نبضات قلب كل مصرى أشجان حنين بوهج انتصار تحقق – حتى البسطاء من شعب مصر كانوا متفائلين ومتحمسين بعيون ساهره وكانوا مستعدين للتضحية والفداء – ملحمة شعب صنع بعمله الجماعى إرادة الانتصار.
لقد كنت وقتها ضابطا حديث التخرج وأعمل بسرب من أسراب الطائرات المقاتلة ميج 21 فى مطار من المطارات بوسط الدلتا – وجاءت الأوامر يوم 5 أكتوبر لأقود مجموعة من ميكانيكية السرب للانتقال إلى مطار فى الأطراف - بشمال شرق الدلتا – قريبا من قناة السويس – وتم التنفيذ – ولم نلاحظ أى تغيير اعتقادا منا بأنها مناورات تدريب عادية فى ذلك الحين.
وفى اليوم الموعود 6 أكتوبر قبل الساعة الثانية ظهرا بقليل جاء الطيارون – نسور الجو – وتزاملت مع أحدهم متوجهين إلى مقاتلته – وعلى الممر أخبرنى بأنهم ذاهبون لتنفيذ مهمة الضربه الجويه لإسرائيل فى سيناء – فاحتضنته وقبلته فرحا - وكان هو أيضا – نسرا من نسور مصر مرفوع الهامة يمشى - إلى أن ركب الطائرة المقاتلة – وطارت طائرات التشكيلات الجويه بالتتابع المدروس – ليعبروا القناه لضرب وتدمير كثير من قواعد العدو وتحصيناته فى سيناء لفتح باب النصر بضرباتنا الجوية الناجحة بامتياز.
وعدنا إلى مطارنا بوسط الدلتا – وكلفت بقيادة طاقم ميكانيكية السرب لاستقبال الطائرات التى بها أعطال لصيانتها وإصلاحها فى أسرع وقت فى دشمة من دشم جانب منتصف الممر الرئيسى لطائرات اللواء الجوى بالقاعدة - والجميل هنا لا بد أن أذكر أن الجنرال قائد السرب كان يطمئننا أولا بأول على جهاز اللاسلكى بمسار عمليات الجيش المصرى وعبور القناة وتحطيم خط بارليف لإبلاغ من هم تحت قيادتى - لتصبح الروح المعنوية فى السماء بفرح تغمره الدموع.
ورغم أننا كنا محكومين بجدران الدشمة الأربعة، ولكنها بسالة الجندى المقاتل المصرى – فى الصمود وفى صميمه - التضحية بروحه – فداء لوطنه.
ويحضرنى الآن ولا تخوننى الذاكره لأنها مخطوطة بداخل عقلى روح الأبطال أصحاب ملاحم البطوله التى تبكى القلوب لبعض من شهدائنا وعلى رأسهم الشهيد طيار إسماعيل إمام – الذى أسقط ثلاث طائرات إسرائيلية قبل استشهاده بطائرة عليها نجوم ثلاث.
ومخطوط فى الذاكرة أيضا روح العريف شهيد أحمد عاطف سائق العربه (اليونيموج) طراز عربة تشبه النصف نقل – الذى كان يحضر لنا الإمدادات فى دشم جانب نصف الممر - وفاجأته غارة إسرائيلية – وكانت تسقط قنابلها المحرمة دوليا ليهرب من العربة الى الدشمة – ولكن قدر الله لهذا الشهيد أن تسقط القنبلة خلفه وهو يجرى للدشمة فتراه بحسرة الرؤية مجسدا بشكل جسمه كاملا على جدار الدشمة (بمعنى بلى القنبلة انقسم الى جزءين) جزء أصاب الشهيد والجزء الباقى رسم على الدشمة شكله – شاهدا على إدانة العدو لاستخدامه سلاحا محرما دوليا فى جريمة من جرائم الحرب – ورغم ألم فراق الشهداء - تتضح الصورة – أن استخدام إسرائيل لهذا النوع من القنابل فى مطاراتنا – ليس إلا دلالة يأس وإفلاس من هزيمة قادمة لامحالة.
فى يوم 9 أكتوبر – وفى غاره على مطارنا – خرجت طائراتنا للاشتباك ومطاردة طائرات العدو لتتشتت وتخطئ فى إصابة معظم الأهداف المخطط إصابتها – وفى المساء أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنها بغاراتها الجبارة على مطارنا الذى - لن تقوم له قائمة لإقلاع الطائرات المقاتلة منه – إلا بعد 6 أشهر إن لم يكن سنة – وكان سلاح المهندسين العسكريين البطل لهم بالمرصاد مواصلا النهار بالليل – ليتم إصلاح الممر – لتخرج طائراتنا من أول ضوء فى اليوم التالى مباشرة – لملاقاة العدو وتنفيذ المهام القتالية – دفاعا عن أرض وسماء مصر.
ونأتى إلى يوم 14 أكتوبر المجيد – فى هذا اليوم كانت بطولات طيارى مقاتلاتنا – لا تحصى – حيث تجمعت تشكيلات ألوية المقاتلات النفاثة فى كل منطقة الدلتا وأطرافها وخاضت معركة سميت فيما بعد بمعركة المنصورة الجوية – حيث حققت مقاتلاتنا انتصارا لم يتحقق فى تاريخ الطيران الحربى الحديث للمقاتلات النفاثة حيث كان العدد 180- مائة وثمانون - طائرة من الجانبين 60- ستون – مقاتلة مصرية مقابل 120 – مائه وعشرين – مقاتلة إسرائيلية ومن حيث الزمن كانت أطول معركة جويه فى التاريخ (53 ثلاثه وخمسون دقيقة من القتال الجوى) إذ إن المعارك الجوية تستغرق من 3 الى 5 دقائق فقط - وكان لتكاتف مقاتلات الدلتا الفضل فى إلحاق طيران العدو خسائر لن ينسوها.
لتحتفل مصر – وقواتها المسلحة فى يوم 14 أكتوبر من كل عام بانتصار قواتنا الجوية – التى خاضت معاركها بكفاءة واقتدار – ليصبح هذا اليوم عيدا لقواتنا الجوية.
ولا يفوتنى قبل أن أنهى مقالتى – فى هذا اليوم – أذكر أن الطيار الإسرائيلى المكلف بضرب الممر الجوى لطائراتنا – ونتيجة اشتباك مقاتلاتنا – وضح ارتباكه – ليتخلص من القنبلة التى يحملها ليخف وزنه ليهرب من منطقة الاشتباك الجوى ليطيش منه الهدف وتسقط القنبلة عشوائيا أمام أبواب دشمتى لأصاب بشظية بساق قدمى اليمنى ليتم نقلى بعربة الإسعاف المجهزة الى مستشفى المنصورة – وحين تم تجهيزى لدخول غرفة العمليات أكدت - أخبرت الممرضة التى ستصاحبنى بغرفة العمليات أهمية هذه الشظية (شظية القنبلة الإسرائيلية) بالنسبة لى وللأسف أضاعتها.
ثم كانت المفاجاه فى مساء نفس اليوم – وفى زيارة لنا من بعض مقاتلى السرب من الطيارين – حين داعبتنى البهجة المفرحة - رغم ألمى– بالمفاجأة المحببة إلى نفسى عندما رأيت ضمنهم الزميل الطيار الذى بشرنى بالطلعة الجويه الأولى مفتاح باب النصر– لضرب أهداف العدو بسيناء.
وقتها أغمضت عينى لاستكمال عزف سيمفونية الحب المتكاملة التى جمعت المصريين على قلب رجل واحد ينشدون لحن الانتصار.
خاتمة:
فى ظل بهجة العيد عيد أكتوبر المجيد أجدنى أشعر بغصة فى الحلق مرة من أعداء مصر فى الداخل الإرهابيين الذين اغتالوا الرئيس السادات بطل الحرب والسلام فى يوم عيده – وما زال جيش مصر مع شعب مصر يحارب الإرهاب الخائن.