الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نهاية أسطورة الجيش «الذي لا يقهر»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وضعت حرب «يوم الغفران» أو حرب رمضان أو حرب أكتوبر أو الحرب العربية الإسرائيلية، مصر وسوريا فى مواجهة مع إسرائيل يوم ٦ أكتوبر١٩٧٣، وتزامن عيد الغفران، وهو يوم عطلة فى إسرائيل، مع شهر رمضان هذا العام.. هاجمت الجيوش المصرية والسورية إسرائيل فى شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان فى الوقت نفسه.. تلك هى الأراضى المصرية والسورية التى كانت تحتلها إسرائيل منذ حرب عام ١٩٦٧.
استخدم المصريون والسوريون مبدأ استراتيجيا قديما طالما لجأ إليه نابليون فى حروبه، ويعتمد على السرعة والتفوق العددي.. اقتحمت الجيوش المصرية والسورية الخطوط الإسرائيلية وتوغلت فى سيناء والجولان، حتى إنها باتت تهدد بشكل خطير مقرات القيادة الإسرائيلية، وتمكنت الولايات المتحدة بالكاد من إقامة جسر جوى لنقل المستشارين، والقوات الخاصة والمعدات اللازمة لإعادة الوضع لصالح إسرائيل.
أسقطت حرب أكتوبر أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، وهو الجيش الذى يشير إليه الصحفيون الغربيون بكلمة Tsahal، وهى اختصار لـ«جيش الدفاع الإسرائيلي»، وهو مسمى مناقض لواقع هذا الجيش الذى يعد جيش احتلال.
كما قضت الحرب على اعتقاد كان سائدا فى ذلك الوقت، وهو تفوق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التى كانت يعتبرها الكثيرون الأفضل فى العالم. وأخيرا، وبعكس حرب عام ١٩٦٧ التى وقعت أساسا فى الجو، أظهرت حرب أكتوبر مدى فعالية الدبابات وغيرها من العربات المدرعة.
وردا على الدعم الأمريكى لإسرائيل، قررت الدول العربية فى ١٧ أكتوبر ١٩٧٣ فرض «حظر نفطي» على الغرب، وهو الحظر الذى تسبب فى أزمة النفط عام ١٩٧٣.
أما فى إسرائيل، فقد كانت هذه الحرب بمثابة الصاعقة، إذ تعرض الإسرائيليون لأزمة نفسية خطيرة وغير مسبوقة.. بدأت صورة إسرائيل فى التدهور إلى حد ما فى العالم، ما تسبب فى ازدياد عزلتها الدبلوماسية، وأثر أيضا فى علاقتها الخاصة بواشنطن.
لقد أدركت تل أبيب شيئا واحدا على الأقل: إنها لا تستطيع فعل كل شيء بتفوقها التكنولوجي.. ظهرت بعد هذه الحرب فى إسرائيل حركة «السلام الآن»، وأطلقت هذه الحركة حملات للتوصل إلى حل تفاوضى للصراع العربى الإسرائيلي؛ ولكن كيف كان الهجوم؟.
الحرب الخاطفة
فى يوم ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣، فى وقت مبكر من فترة الظهيرة، أطلقت القوات المسلحة المصرية العنان لقواتها الجوية، بتكليف من حسنى مبارك، لاستهداف مراكز القيادة، والبطاريات المضادة للطائرات ومحطات الرادار وثلاثة مطارات إسرائيلية فى عمق سيناء، ولم تفقد مصر سوى ١٠ طائرات.
تم التحضير لعبور قناة السويس بقصف مكثف للمدفعية المصرية وعمليات تسلل قامت بها قوات «الكوماندوز» المضادة للدبابات، وعبرت القوات المصرية القناة سريعا، وكانت الموجة الأولى تضم نحو ٨٠٠٠ جندى مزودين بصواريخ مضادة للدبابات من طراز AT-٣ ساغر للتصدى لأى هجوم مضاد.
تم تحريك القوات المصرية على قناة السويس إلى مواقع أكثر ارتفاعا حتى تتمكن من إطلاق النار باتجاه الدبابات الإسرائيلية ومنعها من القيام بأى رد.
وبعكس حرب يونيو١٩٦٧، لم تتقدم القوات المصرية خارج مظلة الصواريخ المضادة للطائرات.. كانت هذه الصواريخ مدفونة جزئيا فى الرمال بعيدا عن متناول طائرات العدو.
فوجئ الإسرائيليون بالهجوم المصري.. كانوا يعتمدون على السلاح النووى للدفاع عن خط بارليف وعلى النابالم لمنع أى عبور للقناة، وبفضل العبقرية المصرية تم إبطال مفعول النابالم، وعبر الكوماندوز القناة فى قوارب مطاطية وقاموا بالتجديف تحت حماية المدفعية المصرية، ما أجبر الإسرائيليين على الاختباء فى مخابئهم، وانهارت تحصينات خط بارليف واحدة تلو الأخري، إلا موقع واحد فقط فى أقصى الشمال.
كانت هناك مفاجأة ثانية غير سارة تنتظر المحتلين: استحالة تنظيم هجوم مضاد بالمدرعات؛ فقد كانت القوات المصرية تستخدم بكثافة صواريخ «ساغر» المضادة للدبابات، لم يحدث قط فى التاريخ العسكري، أن تمكنت قوات المشاة من هزيمة المدرعات قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣.
الفشل الثالث لإسرائيل كان عدم قدرة الجيش الإسرائيلى على توظيف قواته الجوية بشكل جيد؛ فقد كان المصريون يستخدمون صواريخ مضادة للطائرات من طراز SA-٦، وكانت الخسائر الإسرائيلية عالية لدرجة أن القيادة المركزية الإسرائيلية منعت طائراتها من الاقتراب لأقل من خمسة كيلومترات من قناة السويس. وأخيرا، أقامت القوات المصرية عشرين جسرًا على القناة، فى حين أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) كانت ترى أن هذا الإنجاز الفنى ليس فى متناول مهندسى القوات المسلحة المصرية.
فى مساء يوم ٦ أكتوبر١٩٧٣، تمكن المصريون من عبور القناة بـ ٦٠.٠٠٠ رجل، وخمس فرق ميكانيكية. انتشرت الفرق ١٨ و١٢ و٦ من الجيش الثانى الميدانى على الضفة الشرقية فى المنطقة المواجهة لبورسعيد والإسماعيلية، بينما انتشرت الفرق ٧ و١٦ من الجيش الثالث فى مواجهة خط يربط بين الإسماعيلية والسويس.
احتل الجيش المصرى موقعا دفاعيا تكتيكيا فى الصحراء، وبقى على مسافة ١٥ كم على طول الجانب الشرقى من القناة، تحت حماية مظلة صاروخية مضادة للطائرات تقع غرب القناة، والتى منعت الطائرات الإسرائيلية من التدخل بشكل فعال، والمركبات الإسرائيلية المدرعة من المناورة بحرية. وتم صد جميع الهجمات الإسرائيلية، وتكبد الإسرائيليون خسائر كبيرة. لم تستطع إسرائيل إيقاف هذة الكارثة إلا بدخول فرقة آرييل شارون الحرب، ما فرض هدوءا نسبيا، ثم نشر الجيشان نفسيهما فى مواقع دفاعية.
لم تتمكن القيادة الإسرائيلية العليا من السيطرة على الأمور فى مواجهة القدرات المصرية؛ فهى لم تراجع رؤيتها منذ حرب يونيو ١٩٦٧، وأصدر وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان تقارير مفزعة عن الحرب وتوقع تدمير المعبد للمرة الثالثة.
نقطة التحول فى ١٤ أكتوبر
فى ١١ أكتوبر ١٩٧٣، أراد أنوار السادات أن يهاجم مرة ثانية بمساعدة السوريين، ولكن ذلك سبب خلافات بينه وبين رئيس الأركان «الشاذلي»، الذى كان يعتقد أن خروج الدبابات من دون حماية من صواريخ أرض جو سيعرضها للخطر؛ حيث كان كل قيادات الجيش الثانى والثالث الميدانى معترضين على فكرة هجوم فى العمق، ولكن السادات قام بهجوم فى يوم ١٤ أكتوبر، والذى مثل فشلا ذريعا؛ حيث قامت ٤٠٠ دبابة مصرية بالهجوم على ٨٠٠ دبابة إسرائيلية مدعومة من القوة الجوية الإسرائيلية، والنتيجة كانت نقطة التحول فى حرب أكتوبر.. لكن الإسرائيليين استطاعوا تدمير ٢٥٠ دبابة مصرية.
واستخدم السادات الفرقة الرابعة والفرقة ٢١ المدرعة لتكثيف الهجوم ما تسبب فى حدوث عدم التوازن فى صفوف القوات المصرية؛ فلقد تم إخلاء الجانب الغربى من قناة السويس من الاحتياطات الاستراتيجية واستغل الإسرائيليون هذه النقطة وعبروا القناة وبدأوا فى تدمير الصواريخ المصرية «إس- أ ٦» التى كانت تعوق حركة الطيران الإسرائيلي.
وفى ١٥ أكتوبر ١٩٧٣، قام الإسرائيليون بتغيير خطتهم، وقاموا بهجوم مضاد باستخدام قوات المشاة التى تقدمت حتى الوصول إلى الصواريخ أرض جو، والصواريخ المضادة للدبابات، وقامت فرقة بقيادة الجنرال آرييل شارون بهجوم على الخط المصرى فى أضعف أماكنه، وتحديدا بين مواقع الجيش الثانى فى الشمال والجيش الثالث فى الجنوب، ما سمح للإسرائيليين بعبور القناة بعدما تمكنت من تدمير كل الأنظمة الدفاعية المصرية، ومن دون تلقى الأوامر هاجم شارون مدينة الإسماعيلية فى محاولة قطع الإمدادات للجيش الثانى، وتسبب ذلك فى حدوث أزمة بينه وبين القيادات، ولكن شارون تجاهلها وحصل على الإذن مباشرة من موشى ديان.
واستمرت معركة الإسماعيلية ٤ أيام، وكانت الأراضى الزراعية مختلفة تماما عن أرض سيناء مما يسهل تنفيذ خطط الدفاع من جانب المشاة.
فرقة شارون ١٤٢ المدعمة من كتيبتين مدرعتين وكتيبة المظلات، نالت هزيمة من قبل كتيبة مظلات ١٨٢ بمساعدة قوات الصاعقة (قوات خاصة) ٧٣ و١٢٢، وبمساعدة مدفعية أبو غزالة من الجيش الثانى، وفى هذا التوقيت حصلت إسرائيل على إمدادات ودعم من قبل الولايات المتحدة وتم إنقاذ تل أبيب من السقوط.
الجسر الجوى الأمريكي
بفضل جسر جوى ودعم أمريكى مكثف استرجعت إسرائيل قدراتها العسكرية فى غضون أسبوع، وقامت بهجمات مضادة أوصلتها إلى عمق سوريا، وتمكنت من عبور قناة السويس والتقدم فى جنوب وغرب مصر، وبمبادرة من واشنطن وموسكو وبمساعدة لندن، طالب مجلس الأمن وقف إطلاق النار لبدء المفاوضات، إلا أن المعارك استمرت فى الجبهات المصرية والسورية رغم ذلك، واستغل الإسرائيليون وقف إطلاق النار لمحاصرة العدو.
فى الليلة من ٢٣ إلى ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، أرسل «ليونيد بريجنيف» رسالة إلى «نيكسون»، لكى يتفق الأمريكان والروس على احترام وقف إطلاق النار فى الميدان، وهددت موسكو بالتدخل إلى الجانب المصرى إن لم ينصت البيت الأبيض، ومن دون مشاورته قام مستشارو «نيكسون» باتخاذ التدابير للتهدئة لإنهاء الأزمة، مما أثار اندهاش الروس، كما صرح بذلك «نيكولاى بودجورني»؛ حيث قال إن الروس لن يتسببوا فى اندلاع الحرب العالمية الثالثة بسبب ما يحدث فى الشرق الأوسط. وردت الولايات المتحدة بخفض مستوى إنذار «ديفكون»، وبمطالبة السادات بعدم طلب الدعم من السوفييت ووافق السادات، وأسفرت المفاوضات عن اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم توقيعه فى ٢٥ أكتوبر ١٩٧٣.
تسبب فشل المخابرات الإسرائيلية فى منع الهجوم المصرى فى حدوث زلزال سياسى أدى إلى استقالة رئيسة الوزراء «جولدا مائير»، ويكشف مستند منشور فى ٢٠١٢ أن العميل «أشرف مروان» قد أنذر مدير الموساد يوم ٥ أكتوبر بحتمية إعلان الحرب، ولكن الخبر لم يصعد إلى نائب رئيس الوزراء «ييجال آلون».
النجاح العسكرى المصرى أدى إلى مفاوضات السلام التى أسهمت بدورها فى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومصر، وتم إبرام اتفاقية كامب ديفيد سنة ١٩٧٨ التى تنص عدم مهاجمة إسرائيل من قبل مصر مقابل استرداد أرض سيناء المحتلة منذ يونيو ١٩٦٧، وتم فتح الحدود بين مصر وإسرائيل. أما بالنسبة لدول العالم فإن التأثير كان بالنسبة لهم يتمثل فى أزمة البترول عام ١٩٧٣ عندما قررت منظمة «أوبيك» رفع سعر البرميل بنسبة ٧٠٪ وخفض الإنتاج.
حصاد بشرى وسياسى
بحسب المصادر الغربية: وقع ٣٠٢٠ قتيلا و٨١٣٦ جريحا من الجانب الإسرائيلي، و٩٥٠٠ قتيل و١٩٨٥٠ جريحا من جانب التحالف العربي.
وسياسيًا أدركت تل أبيب نقاط الضعف وضرورة بدء المفاوضات الأولى من نوعها بين إسرائيل وقادة العرب، وكانت لمصر فرصة لتجاوز نكسة ١٩٦٧ ودخول المفاوضات على قدم المساواة مع الجانب الآخر. ومن الدروس المستفادة فى هذه الحرب: لا يمكن هزيمة إسرائيل عسكريًا ما دامت الولايات المتحدة بجانبها وتدافع عنها بلا شرط مسبق.
وفى إسرائيل انهارت عدة أساطير منها استحالة هزيمة الجيش والنجاح المؤكد للاستخبارات، وبعد ٤ شهور من انتهاء العداء بدأت احتجاجات ضد الحكومة، وفى ٢ من أبريل ١٩٧٤ صدرت نتائج لجنة التحقيق بقيادة «شيمون أجرانات»، وتم فصل عدة مسئولين فى الجيش والمخابرات الإسرائيلية وقامت «جولدا مائير» بتقديم استقالتها فى ١١ من أبريل ١٩٧٤ وسقطت حكومتها.
حصاد عسكرى
فى النهاية، تبدو حرب أكتوبر ١٩٧٣ كصراع متزن بين الطرفين بعيدا عن التأويلات التى يقوم بها البعض، وجدير بالذكر أن الجسر الجوى الأمريكى هو الذى أنقذ الجيش الإسرائيلى من الهلاك. وبما أن هذه الحرب تعتبر أول صراع عالى الكثافة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ تم اختبار عدة أسلحة جديدة وأثبتت أن العنصر البشرى هو من أحد العوامل الأساسية فى المواجهات الحديثة.
ولعب الطيران، خاصة فى الجزء الثانى من الصراع، دورا مهما لم يلعبه فى حرب ١٩٦٧، وأثبتت حرب أكتوبر ١٩٧٣ أنه لا يمكن الحصول على قرار عن طريق جوى فقط، ولكن يجب مواجهة بين الجيوش وعقد التحالفات لتوسيع دائرة العمليات. وبعد هذه الحرب استفادت حركة «حزب الله» اللبنانى من دروس حرب أكتوبر؛ حيث ألحقت هزيمة نكراء للجيش الإسرائيلى فى يوليو وأغسطس ٢٠٠٦.