الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"البوابة نيوز" تزور مصابي "مسيرات العودة" برصاص الاحتلال في غزة

البوابة نيوز تزور
"البوابة نيوز" تزور مصابي "مسيرات العودة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصبحت مستشفيات «قطاع غزة» المحدودة الإمكانيات والمواد الطبية، لا تتوقف لحظة عن استقبال المصابين والشهداء، من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يضحون بأرواحهم فى سبيل القضية الفلسطينية، وبات السياج الفاصل على حدود غزة مع دولة الاحتلال، محطة تنتهى عندها أحلام الكثير من الفلسطينيين، وبالقرب منها، يودعون حياتهم الطبيعية، ليحجزوا مكانا رغما عنه، فى صفوف ذوى الإعاقة والمصابين.



حيث تعمدت «قوات الاحتلال» فى الآونة الأخيرة، استهداف الفلسطينيين، فى مسيرات العودة الكبرى، بالقرب من الحدود الشرقية على طول قطاع غزة، مما خلف العديد من الإصابات والشهداء على مدار الشهور السابقة.

أجرت «البوابة نيوز» بزيارة جرحى ومصابى مسيرة العودة، الذين يعالجون بمستشفى «الشفاء»، غرب مدينة غزة، وأجرت حوارات مع عدد من الجرحى والمصابين، الذى أصيبوا جراء العدوان الإسرائيلى على مسيرة العودة؛ بحسب «الصوراني»؛ فإن هناك نقصا حادا فى المستلزمات الطبية والجراحية وعدد الأطباء والطواقم الطبية، جراء تزايد عدد الحالات التى ترد للمستشفيات، جراء الاستهداف الإسرائيلى للمشاركين فى المسيرات.

هشام هيثم إسماعيل السرسك، ١٧ عاما، من حى الشجاعية، الذى يعد أكبر أحياء مدينة غزة، أصيب فى ركبته بطلقة نارية متفجرة أطلقها تجاهه جندى إسرائيلي، أثناء تواجده مع باقى أبناء شعبه عند السياج الحدودي، فى مسيرات العودة السلمية.

يقول هشام لـ«البوابة»: «أصبت فى مسيرات العودة، الإمكانيات عندنا فى قطاع غزة ضعيفة جدا ولا يوجد علاج»، مضيفا أن إصابة ركبته وتفجيرها بالرصاص، كانت متعمدة، وأن ساقه أصيبت بنزيف حاد وتدهورت أوضاعه الصحية واستلزم الأمر السفر للخارج للعلاج، وأن العمليات التى أجراها باءت بالفشل، وبالتالى قرر الأطباء بتر ساقه، ليتوقف النزيف ولإنقاذه من الموت، لكن أهله رفضوا عملية البتر، على أمل أن يسافر فى أقرب فرصة ويتمكن من علاجها.

تقول أم هشام بصوت ممزوج بالبكاء: «أطالب الدول العربية أن تنظر إلينا بعين الشفقة والعاطفة، رِجل ابنى سوف تبتر، نحن رفضنا الأمر ثلاث مرات، على أمل أن يسافر خارج القطاع ويجد الرعاية المطلوبة، ابنى لم ير الدنيا بعد، أملنا فى الله كبير، ونحن ضحينا بأبنائنا فداء للوطن والقدس، وأتمنى من الدول العربية أن تعالج ابنى وكل الحالات المماثلة».


محمد أسعد دهشان، ١٨ عاما، من منطقة عسقولة وسط قطاع غزة، أصيب فى منطقة «ملكة» شرق القطاع، بطلقة نارية متفجرة فى قدمه، مما تسبب فى تقطع معظم أوردة وشرايين قدميه، أوضح «هشان» الذى كان مستلقيا على ظهره لعدم مقدرته على تحريك قدميه نهائيا، فى حواره لـ«البوابة» تفاصيل أصابته بقوله: «خرجت من بيتى لأجل المسجد الأقصى، أنا وابن عمى وصديقنا الثالث، اعتراضا على قرار الرئيس الأمريكي، بنقل السفارة إلى مدينة القدس، وأصبنا نحن الثلاثة بطلقات نارية، لم أشعر بشىء بعدما أصبت، حيث فقدت وعيى كليا، وعندما استفقت وجدت نفسى محمولا على كتف أحد أفراد الدفاع المدني، نتيجة قلة الأدوات الطبية لنقلى والإسعافات».

وأكد «دهشان» أنه ليس نادما على إصابته فى سبيل الأقصى ووطنه، وأن الشعب الفلسطينى سيظل صامدا أمام الاحتلال الجائر حتى يحقق حلم العودة.

بالقرب منه كانت حالة، عبدالله زهير الأسي، ٢٦ عاما، من سكان منطقة التفاح شرق مدينة غزة، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، أصيب بطلقة نارية فى أسفل قدمه فوق كف القدم مباشرة، مما تسببت فى كسر عظام قصبة القدم وتقطيع الأوردة والشرايين.

عن تفاصيل إصابته يقول «زهير» لـ«البوابة»: «وجدنا من ينادينا فى المساجد للخروج من أجل الدفاع عن الوطن ومسيرات العودة، لفك الحصار عن القطاع، فخرجت مسرعا وتوجهت للمسيرات على الحدود، ولم أنظر خلفى خوفا من إصابة أو أى شيء، كان هدفى الوحيد مشاركة إخوتى وباقى أهلى فى القطاع بالمسيرات السلمية، لكننا لم نسلم من قناصة الاحتلال وأصبت».

مضيفا: «أناشد الأمة العربية والإسلامية والشقيقة مصر أن ينظروا إلينا، أتمنى أن يتم علاجى لأعود إلى الحياة وبيتى وأولادى ليس لهم غيرى من بعد الله؛ حيث أعانى شدة الألم، وتعانى مستشفيات القطاع نقصا شديدا فى المواد الطبية اللازمة لعلاجي، ويوجد حالات أسوأ، وأتألم منذ ما يقرب من أسبوعين، وأجاهد الألم، على أمل أن يفك الله الكرب».

بالقرب منه كان يرقد الشاب، هشام فاير أبو عوكل، الملقب بـ«البطل»، ١٧ عاما، من منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذى أصيب بشظايا طلق نارى فى وجهه مما تسبب فى فقدان بصره.


بصوت هادئ وابتسامة لا تخلو من الألم، يقول «أبوعوكل» لـ «البوابة»: «ذهبت لمسيرات العودة وتقدمت نحو السياج الفاصل تجاه العدو الصهيوني، بدون أى خوف، فى العادة أتقدم مع مجموعة من الشباب ولكنى هذه المرة لم أجد أحدا غيرى، ورغم هذا لم أتراجع، واصلت التقدم نحو السلك، وعندما اقتربت، شعرت بشىء داخلى يقول لى شيئا ما خطير يتجه نحوك».

مضيفا: «رفعت رأسى ونظرت تجاه العدو الصهيوني، فإذا بى أجد طلقة من قناص إسرائيلى فى عينى اليسرى أصابتني، لكنها لم تقتلنى وبقيت فى وعيي، حتى وجدت طلقة أخرى يسمونها طلقة «الفراشة»، تصطدم بوجهى مرة أخرى، بعدها لم أشعر بشىء حتى وجدت نفسى فى المستشفى».

مستطردا: «نحن خرجنا فى مسيرات سلمية ضد المحتل ولم نصعد، أقصى شيء ممكن أن نستخدمه ضد أسلحة العدو الفتاكة هى الحجارة، وأنا لست نادما على ما حدث لي، كلى فداء للوطن».

على مقربة منه كانت حالة الشاب أحمد عدنان الصداي، ٢٢ عاما، من مخيم النصيرات بقطاع غزة، المصاب بطلق نارى ليس متفجرا، فى قدمه اليمني، تسبب فى كسر عظمتى الساق وتقطع الشرايين.

بصوت ضعيف جدا يكاد يكون مسموعا، يقول «عدنان»: «أنا هنا منذ فترة، الإمكانيات محدودة فى مستشفيات غزة، وحالتى الصحية تتدهور مع مرور الوقت، ولا أستطيع فعل شيء سوى الدعاء لله سبحانه وتعالي، وأتمنى أن أسافر لخارج القطاع إلى مصر، أو الأردن، حتى أجد الرعاية اللازمة لشفائى لكى أعود للحياة مرة أخرى».

وتلتقط أم أحمد طرف الحديث قائلة: «أناشد الدول العربية والإسلامية أن يسافر ابنى للخارج فى أسرع وقت، حتى لا يتم بتر قدمه، الإمكانيات والمستلزمات الطبية هنا فى غزة محدودة جدا، لكن الأطباء يفعلون أقصى ما فى وسعهم، وحالة ابنى تدهور من آن لآخر، والطبيب لا نراه إلا كل يومين، الرعاية هنا قليلة بسبب الأعداد الكبيرة للمصابين».

من جانبه قال أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية فى قطاع غزة، إن كافة الإصابات التى تصل إلى المستشفيات تدلل على أن الاحتلال الإسرائيلى، يقوم باستهداف مباشر للمدنيين العزل فى المناطق المتاخمة للخط الفاصل. وأوضح أن «قوات الاحتلال» تتعمد إصابة المناطق السفلية من الجسم، خاصة الساقين، للتسبب بإعاقات دائمة، بالإضافة إلى منطقتى الصدر والرأس، بأنواع مختلفة من الأسلحة الموجهة كالرصاص الحى والأعيرة المطاطية وقنابل الغاز.

وأن ما تم رصده خلال الفترة الماضية كشف عن أساليب عدة لقوات الاحتلال، كان آخرها قنص الفئات الشابة ما بين ١٧ و٢٥ عامًا سواء بالرصاص أو بتوجيه قنابل الغاز إلى صدورهم مباشرة، وشدد أن الاستهداف المباشر، له مخاطر عدة قد تؤدى للإعاقة وترك آثار وآلام بالغة فى جسد المصاب. وطالب «القدرة» المجتمع الدولى بالكشف عن طبيعة الأسلحة التى استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ضد المدنيين العزل، فى المناطق الشرقية لقطاع غزة، داعيا كافة المؤسسات الإنسانية والحقوقية إلى توثيق الشهادات الحية لتلك الجرائم، لتكون مسوغا لرفع دعاوى قانونية دولية لملاحقة قادة الاحتلال وجنوده ومحاكمتهم كمجرمى حرب.


فى السياق ذاته، دعا مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فى الأراضى المحتلة (أوتشا)، الدول المانحة والمجتمع الدولى، للعمل على إنقاذ قطاع غزة فورا، ورفع الحصار عن سكانه قبل فوات الأوان.

وحذرت «الأمم المتحدة» فى آخر تقرير لها نهاية الأسبوع الماضي، من انهيار القطاعات الأساسية والحيوية فى القطاع، وبخاصة البنى التحتية وقطاعى الصحة والتعليم، ورحبت بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي، بفتح معبر رفح البرى خلال شهر رمضان المبارك، والسماح بدخول المساعدات الطبية المصرية لأهل القطاع، وكذلك دخول مساعدات أردنية عبر معبر «إيرز» محملة بمستلزمات طبية للمشفى الأردنى فى القطاع.

كما حذرت الوكالة الدولية «سلطات الاحتلال» من استخدام الرصاص الحى فى تفريق المسيرات السلمية، خاصة مطلع الشهر المقبل؛ حيث من المفترض أن يشهد يوم ٥ يونيو المقبل، ذروة الاحتجاجات، لأنه يوافق ذكرى نكسة ١٩٦٧.

وأشارت إلى وضع القطاع الصحى الفلسطينى فى القطاع، والنقص الحاد فى المستلزمات الطبية ووضع الأطباء والطواقم الطبية المنهكة من حجم الحالات التى ترد للمستشفيات جراء الاستهداف الإسرائيلى للمشاركين فى مسيرات العودة على طول الحدود، وأوضح التقرير أنه لا يزال يقوض العمليات الإنسانية، النقصُ الحاد فى الأدوية والمستلزمات الطبية، والصعوبة فى الحصول على رعاية طبية خارج غزة وفجوة التمويل الكبيرة.

وكان المنسق الإنسانى فى الأمم المتحدة، جيمى مكغولدريك، دعا إلى تقديم تمويل عاجل لتلبية الاحتياجات الإنسانية لضحايا «العنف» فى غزة، قائلا: «إن الوضع فى غزة مأساوي، والأزمة بعيدة كل البعد عن الانتهاء، لكل شخص استشهد أو أصيب، هنالك عائلة وشبكة من الأصدقاء المتضررين». وبحسب تقرير «أوتشا»؛ فإنه بالنظر إلى الارتفاع الكبير فى عدد الضحايا الفلسطينيين منذ ٣٠ مارس الماضي، تركزت الاستجابة الإنسانية فى قطاع غزة على تقديم رعاية طبية فورية ومنقذة للحياة، وخدمات فى الصحة العقلية والدعم النفسى والاجتماعى للمتضررين، تحديدا الأطفال، ورصد انتهاكات محتملة والتحقق منها وتوثيقها.

وتظهر هذه الاحتياجات الجديدة فى سياق أزمة إنسانية وحقوقية قائمة، خلفتها ١١ سنة من الحصار الإسرائيلي، إلى جانب الانقسام السياسى الداخلى الفلسطيني، وأزمة الطاقة المزمنة التى يعانيها مليونا مواطن فى غزة، مع انقطاعات فى الكهرباء تصل إلى ٢٢ ساعة يوميا فى المتوسط، مما يعوق بشكل كبير تقديم خدمات أساسية. ورغم المجازر التى تعرض لها الشعب والشباب الفلسطينى منذ انطلاق هذه المسيرات؛ فإنه ما زال مستمرا فى نضاله ضد المحتل الذى سلب أرضه، فمنذ أن انطلقت المسيرات فى ٣٠ مارس الماضى، ارتقى أكثر من ١٢٠ شهيدا وأصيب أكثر من ١٣١٩٠ منهم ٣٣٠ بجراح خطيرة.