الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الفن في مواجهة البيروقراطية

مها بدر
مها بدر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

واجه نشاط المسرح فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، الكثير من المشكلات والمعوقات، التى تعرقل عمل العديد من المواهب، ويترتب عليها عدم ظهور فنانى الأقاليم للنور، نظرا لانشغالهم طوال الوقت فى مشكلات بيروقراطية.

فتجارب نوادى المسرح هى المتنفس الوحيد للشباب لإطلاق مواهبهم الإبداعية فى مختلف المجالات سواء فى التمثيل أو الإخراج أو التأليف المسرحي، وتعتبر نوادى المسرح هى البذرة الأولى لبناء جيل من فنانى الثقافة الجماهيرية، التى قدمت الكثير من الفنانين الكبار الذين قدموا أدوارًا مبدعة وتركوا تُراثًا مسرحيًا عظيمًا فى حقبة الستينيات وما بعدها.

وخلال السطور التالية نلقى الضوء على إحدى المشاكل التى شغلت الرأى العام المسرحى بقصور الثقافة، حيث أثارت الأزمة التى تعرض لها خمسة من المخرجين الشباب بقصر ثقافة الشاطبى التابع لإقليم غرب ووسط الدلتا بمحافظة الإسكندرية، أسئلة كثيرة حول المعوقات التى يجدونها، وفتحت الباب لإلقاء الضوء على الإشكاليات التى يتعرض لها هؤلاء المخرجون الذين يتقدمون بتجاربهم النوعية بنوادى المسرح لقصور الثقافة.

وكانت الأزمة الأخيرة تتعلق بإلغاء العروض المسرحية بقصر ثقافة الشاطبي، بسبب عدم توافر موظف لصرف المخصص المالى للبدء فى تنفيذ وإنتاج تلك العروض المسرحية، التى تقدم لها ما يقرب من ١٨٠ عرضًا مسرحيًا وتم الموافقة على ١٠٢ عرض مسرحى فى مختلف أقاليم الجمهورية.

«البوابة» التقت عددا من المخرجين المهددين بإلغاء تجاربهم التى استغرق تحضيرها وتجهيزها أكثر من خمسة أشهر، من البروفات والتجهيزات.

حلقة مفرغة

بدأت القصة عندما ذهب المخرج السكندرى محمود فيشر صاحب عرض «مولوتوف» لقصر ثقافة الأنفوشى للمطالبة بصرف المخصص المالى الخاص بالعرض الخاص به، خاصة أن موعد التسابق أوشك على الاقتراب، ليفاجأ بأن المسئول المالى لا يستطيع صرف المخصص المالى لأن لديه عُهده قيد التسوية، ليجد نفسه أمام بيروقراطية الموظفين واللوائح والقوانين، فعروض نوادى المسرح ذات الدعم المادى الهزيل وهو مبلغ ٢٠٠٠ جنيه يصل فى النهاية إلى ١٥٤٠ جنيهًا بعد خصم الضرائب والمصروفات.

ويقول محمود فيشر، أحد مخرجى النوادى وصاحب العرض المسرحى «مولوتوف» لفرقة مصطفى كامل، إن هذه المشكلة تتكرر فى كل عام، وإنه على الرغم من أن العروض جاءت لها الموافقة على صرف الميزانية، إلا أن قصر ثقافة الأنفوشى تعنت معهم، بحجة عدم وجود موظف يصرف تلك المخصصات، وأن المسئول المالى لديه عهدة سابقة لم يتم تسويتها حتى الآن، وأنه لا يحق له صرف أى مخصصات مالية أخرى إلا بعد أن تتم تسوية العهد القديمة.

وأضاف فيشر: «عندما ذهبنا إلى مديرة القصر، قالت، إنها لا يمكنها إجبار أحد موظفى القصر على القيام بهذا الدور، وأن أقصى عقوبة له هو خصم ٥٠ جنيها من راتب الموظف».

ويتابع فيشر، أنهم تقدموا بالفعل لحل المشكلة وتوجهوا إلى هانى حسن مدير فرع ثقافة الإسكندرية، الذى أبلغهم أن الموضوع خارج اختصاصه، وأنه يقع فى دائرة اختصاص القصر، كما هدد بأنه حالة عدم إنهاء الإجراءات الخاصة بإنهاء أوراق المقايسات، وعدم تعيين مندوب الصرف من داخل القصر سيلغى العروض نهائيًّا، متسائلًا: «فماذا سنفعل الآن بعد كل هذا التعب من بروفات استغرقت أكثر من خمسة أشهر؟ فنحن نعمل منذ شهر أكتوبر الماضى، كما كنا نؤجر بعض الاستوديوهات لعمل البروفات بها، وكنا نتحمل نفقتها بالكامل، وما يقدمه قصر الثقافة هو إتاحة عمل البروفات لمدة يومين فقط فى الأسبوع، لمدة ثلاث ساعات».

وأشار فيشر إلى أن مهرجان النوادى هو المتنفس الوحيد للشباب، لأنهم يقدمون من خلاله تجاربهم المسرحية، سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج، وأن المشاكل المالية والمادية تعوق الشباب بشكل كبير عن تقديم مواهبهم، قائلا: «الميزانية لا تكفى لتغطية احتياجات التجارب النوعية للشباب، نظرًا لارتفاع الخامات، بالإضافة إلى وجود فنيين يحتاجون إلى مبالغ مالية أخرى لخروج العرض، كمصمم الديكور والملابس ومصمم الإضاءة، ومنفذى الديكور ومنفذى الإضاءة، كما نقوم أيضًا بدفع مبالغ مالية من مالنا الخاص لاستكمال العروض وخروجها بالشكل الذى نريده».

وأكد المخرج محمود فيشر على أنه قد تم إيجاز ٧ تجارب بقصر ثقافة الشاطبي، وقد قام اثنان من المخرجين بالاعتذار عن تجاربهما، بعد اشتعال أزمة صرف المخصص المالي، وعندما توجهوا إلى إدارة المسرح بالقاهرة أجابوا بأن دور الإدارة انتهى بمجرد اختيار العرض والموافقة على إصدار شيك المخصص المالي، وأن مهمة صرف هذه المخصصات تعود لقصر الثقافة التابعين له، مشيرًا إلى أن شباب نوادى المسرح يدورون فى دائرة مغلقة بين الروتين والمخصص المالى والموظفين.

الشغف بالمسرح يذهب مع وجود البيروقراطية

فيما عبر المخرج الشاب حازم فتحى مخرج عرض «خزان الموتى» عن حزنه الشديد بما حدث بالقصر مؤخرًا، مؤكدًا على أن مثل هذه الإشكاليات تجعل الشباب يفقد شغفه وحبه للمسرح، فدور المخرج وفريق العمل هو الاهتمام بالتجربة المسرحية، أما الدخول فى دوامة البيروقراطية والموظفين، والمخصصات واللوائح والقوانين كل هذا يصيبهم بالإحباط الكبير، على الرغم من المعاملة الجيدة.

وأوضح فتحى أنه لم يجد الاهتمام الكامل بالتجارب النوعية أو حرصهم على خروج التجارب بأفضل شكل ممكن، كما أن تأجيل موعد المهرجان لأكثر من مرة وعدم وضوح الرؤية يثير حالة من التراخى بين الشباب، مشيرًا إلى أن معظم المشاركين بالعرض من طلبة الجامعات، وعدم تحديد وقت واضح لتوقيت وموعد المهرجان قد يصطدم بموعد الامتحانات لهم، ومن ثم قد نتعرض لإشكالية أخرى وهى عدم قدرة الممثلين على المواظبة على حضور البروفات أو حتى تقديم العرض، خاصة أنهم لا يتقاضون أيَّة أجور، بل على العكس يقومون بالصرف على التجربة من مصروفهم الشخصي، بدءًا من توفير نفقات لحجز بعض الاستوديوهات لعمل البروفات بالإضافة لتحمل نفقات الانتقال وغيرها، حيث قال: «إننا نقوم بكل هذا من أجل الفن وللفن وحبًا فى إظهار موهبتنا».

كما أشار إلى أن دخول المخرجين والفنانين فى دائرة الموظفين والإداريين هى مشكلة أخرى تواجه أصحاب العمل الفني، فليس منوطًا أن يقوم المخرج أو الممثل بعمل الإداريين، والذى يعوق بشكل كبير العمل الفني، مثلما يحدث من انشغال المخرجين بموعد صرف المخصص أو مشكلة فى تنفيذ الديكور، أو اللف على مكاتب الموظفين لتخليص أوراق العرض ومقايسة الميزانية والديكور حتى يخرج العرض للنور، فكل هذه الأشياء تبعد الفنان بشكل كبير عن التجربة، فيجب أن يتفرغ المخرج للعمل المسرحى المراد خروجه، وليس الانغماس فى المشاكل البيروقراطية والإداريات المعطلة والخروج عن القضية الأساسية وهى الإبداع.

وعن أهم المطالب التى يريدها شباب المسرحيين من قصور الثقافة، قال: «إحنا بندن فى مالطا»، موضحًا أن التجارب النوعية لنوادى المسرح من الممكن أن تكون بها أفكار رائعة، ولكن يصعب تنفيذها نظرًا لضعف المخصص المالي، وعلى الرغم من الغلاء الذى لحق بكل أسعار الخامات، إلا أن الميزانيات ضئيلة بشكل كبير، والتى تُسهم بنسبة ضئيلة فى تنفيذ العرض، ويقوم الشباب باستكمال العمل على حسابهم الخاص، من حيث أجور المنفذين وحجز وحدات الإضاءة والفنيين والإعداد الموسيقى، مؤكدًا على أن قصر الثقافة لا يقوم بتوفير كل هذه التقنيات، ما يدفعهم للاستعانة بمتخصصين من خارج القصور لتنفيذ العرض.

ويتحدث العرض المسرحى «خزان الموتى» عن مشروع علمى فى عام ٢٠٩١ فى المستقبل، وهو مشروع نسخ الذاكرة للحفاظ على أدمغة العلماء، ويسرد من خلاله قصة حياة العالم ويليام جريسون مع المشروع والعقبات التى تواجهه. فيما يتعرض وفى الوقت نفسه العاملون فى قصور الثقافة لضغوط أخرى لا يعلم عنها المخرجون والشباب، فقلة عدد الموظفين الذين يتمتعون بخبرات فنية فى بعض المجالات كالحسابات والأعمال التقنية يُسهم بشكل كبير فى إعاقة عروض شباب المخرجين، وكان حديث «البوابة» مع أحد موظفى قصر ثقافة الشاطبى، والذى كان سببًا غير مباشر لتفجير أزمة العروض الخمسة، فقد فجر إشكالية من نوع آخر، وهى هل موظفو قصور الثقافة مؤهلون بشكل كاف لتحمل هذه المهمة القومية؟ فمهمة قصور الثقافة لا تقتصر على عمل الأنشطة الترفيهية أو الثقافية أو الفنية فقط، فهى تعتبر موجهًا للأمة، وهى الوجهة الأولى لمحاربة الأفكار المتطرفة والتغلب عليها بالفن، فوجود قصور الثقافة فى مختلف أقاليم الجمهورية ومحافظاتها لتكون منبرًا منيرًا ومضيئًا لشباب الوطن، وحلقة الوصل والتفريغ للطاقات الإبداعية. من جانبه قال عبد الهادى وصال، المسئول المالى بقصر ثقافة الشاطبي، إن مشكلة المخصص المالى ليست فى يده، لأن لديه سلفة سابقة لم يقم بتسديدها حتى الآن، وأن اللائحة تمنعه من أخذ سلفة أخرى للصرف على التجارب النوعية. وأشار عبد الهادى إلى أنه يريد مساعدة الشباب، ولكن اللوائح والقوانين تحول دون ذلك قائلًا: «طلبت من الإدارة أن أقوم بدور مندوب الصرف لإنهاء الأزمة، إلا أن الإدارة أبلغتنى أنه لا يجوز أن يكون موظف واحد مسئولا عن سلفتين للأنشطة داخل القصر، منوهًا أنه قد تعرض للتحقيق أمام النيابة الإدارية بسبب مبلغ ١٥٠ جنيهًا، كما أوضح أن وظيفة مندوب الصرف هو من يشترى الخامات الخاصة بالعروض، وتسوية الفواتير من المخرجين وبعد ذلك تسويتها مع الفرع».

كما أكد أن اللوائح المُلزمة للمخرجين والخاصة بالميزانية مُقيدة له، والتى تلزمه بضرورة تحديد الأماكن التى يتم الصرف عليها، مثل تخصيص مبلغ معين لشراء الأقمشة، ومبلغ معين لشراء الأخشاب، ويجد المخرج نفسه أمام عائق آخر، أى أنه من الممكن ألا يكون فى حاجة لشراء ألواح خشبية أو غيرها من المخصصات الخاصة بمقايسة العمل، مشددًا يجب أن يكون المسئولون بالقاهرة لديهم مرونة فى عملية شراء الاحتياجات الفعلية للعروض، ومن ثم يستطيع المخرج صرف المخصص له بما يخدم العمل الفنى، وألا يكون مقيدًا بضرورة شراء خامات معينة، وفقًا لمقايسة الديكور، كما عملية إلزام مندوب الصرف بمتابعة كل المشتريات مع جميع المشاريع المقدمة هو عمل مرهق، ومن الممكن أن تحدث أيَّ أخطاء، خاصة أن المخرج هو الوحيد القادر على تحديد أولويات العرض المسرحى الخاص به.

سرعة الرد والاستجابة

أرسل المخرجون الخمسة مذكرة للدكتور أحمد عواض، رئيس هيئة قصور الثقافة، شرحوا فيها جميع ملابسات الموضوع، والذى استجاب على الفور لحل مشكلة المخرجين بالتحدث إلى أحمد درويش رئيس الإقليم، والذى سيقوم بمتابعة المشكلة وحلها.

وقال الدكتور أحمد عواض فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» بأنه على علم بالمشكلة وعلى الرغم من تأخر الوقت الذى وصلت فيه المذكرة، إلا أنه أوصى بحل المشكلة على وجه السرعة وأوصاهم بضرورة التواصل مع رئيس الإقليم.

لجنة «كفر شكر» دون صلاحيات

وفى سياق آخر تعانى بعض الأفرع من مشاكل أخرى، والتى تؤثر بالسلب على مخرجى وفنانى الثقافة الجماهيرية، والذين لا يتقاضون أجورًا، وكل أحلامهم تتعلق بخروج أعمالهم الفنية إلى النور وأن يشاهد كل مخرج عمله الذى طالما حلم به متجسدًا فى صورة الشخصيات، إلا أن البيروقراطية واللوائح والقوانين تقف لهم بالمرصاد حيث تعانى الممثلة والمخرجة «مها بدر» مع بيت ثقافة «كفر شكر» بالقليوبية، حيث إن مسرحية «الشطار» من إخراج على سرحان، وتأليف السيد محمد على لم يتم صرف المخصص المالى والسبب عدم وجود لجنة فنية لمشاهدة وتقييم العرض. وتقول مها بدر فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، إن البروفات المسرحية بدأت منذ شهر أكتوبر الماضى وحتى الآن، مشيرة إلى أنه قد تم تقديم مستندات المقايسة لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد فى ١٢ فبراير الماضي، وبالرغم من ذلك لم يتم إصدار شيك الإنتاج حتى الآن. وتضيف بدر أن المشكلة التى يعانى منها فنانو الثقافة الجماهيرية هى البيروقراطية والروتين، مؤكدة أن مديرة القصر حاولت مرارًا التمرد على سيطرة الإدارة بمدينة بنها على بيت الثقافة بكفر شكر، مشيرة إلى أن مسئول القصر ليس من حقه أى شيء حتى إعطاء شهادات تقدير للفرق المتميزة دون تصديق المدير العام ببنها. وأوضحت أن مديرة القصر هبة عبدالرؤوف هى شخصية مجتهدة، لكنها تخشى أن يحدث معها مثلما حدث مع من سبقوها من مديرين، وأشارت إلى أن هذا العبث الذى يعانى منه فنانو الثقافة الجماهيرية بكفر شكر، على الرغم من وجود مكتب فنى ببيت الثقافة، إلا أنه دون صلاحيات حقيقية، فلا يستطيع أن يشاهد عرضًا مسرحيًا أو تجربة، ولابد أن يقوم الإقليم ببنها بإرسال لجنة فنية لمشاهدة العروض، فأصبح المكتب الفنى الذى تم انتخابه دون صلاحيات ولا قيمة له. كما أكدت بدر أن هناك ثلاثة أعضاء تم تعيينهم فى المكتب الفني، دون أن يعرفوا ما هى الضوابط الخاصة بهذا التعيين؟ مشيرة إلى أنهم يقومون بعرقلة عمليات الإنتاج وإخراج العروض، حيث قالت: «حينما تريد الفرق المسرحية الاجتماع لبحث المشكلات لا يكتمل النصاب القانونى لعدم تواجدهم، وأنهم يحضرون إلى القصر فى أوقات فراغهم»، مُؤكدًة أنها قد تقدمت بشكوى لرئيس الهيئة ولم يتم الرد عليها حتى الآن. وتضيف مها أن مثل هذه المشكلات واللوائح التى من المفترض أن يكون دورها هو التسهيل على الفنانين للقيام بعملهم، إلا أن التخبط الحاصل يُعرقل العملية الفنية ككل، لاسيما أن العمل فى قصور الثقافة هو لحب الفن والمسرح ودون أى أجر.