رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بين العدل والمساواة "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل من يقول بأن هنالك تفوقا عقليا ووظيفيا عمليا بين الذكر والأنثى هو كمن يحط من قدر الفقراء والقول بأن الأغنياء أذكى وأرقى بطبيعة الحال لا لأنّهم حصلوا على الفرص التى تؤهلهم لذلك أو كما حدث قديما عندما وضعوا العبيد فى موضع الدونية العقلية وكسقراط قائلًا «الأنثى والعبد طبقة واحدة، وبسبب ذلك أنهم خالون من المؤهلات الطبيعية للرئاسة» وها هم العبيد قد حكموا عندما حصلوا على الفرص العادلة، وها هى النساء قد حكمت بلدانًا يفوق اقتصادها اقتصاد خمسة وعشرين بلدًا ترفض حكم المرأة مجتمعين، والفقراء قد حصلوا على المركز الأول فى الألعاب الرياضية متفوقين على الأغنياء، أمّا نحن فما زلنا لا نعرف الفرق بين المساواة والعدل ولا نعرف كيف نفرق بنى الإنسان بوضعهم فى قالب مخصص لنوع نحمل بداخلنا تجاهه شعورا بالامتلاك.
عندما وضع الله للإنسان عقلًا يفرّق به بين الإنسان والحيوان، لم يعد هناك وجود للأنواع فيما بيننا، لم يعد هنالك فصيل أقوى وآخر أضعف، فصيل ذكى متطور وآخر بدائى ساذج، فصيل مفترس وفصيل فريسة. عندما جمّع العقل الإنسان على اختلاف ألوانه وأشكاله وأنواعه، أبى الإنسان إلا أن يزيح العقل جانبًا لكى يفرض سيطرته الواهمة «الحيوانية بطبيعة الحال» ويضع بنى جنسه العاقل الوحيد فى طبقاتٍ عقلية، واجتماعية مختلفة تتحدد على مدى تسلطه على «النوع الآخر». لا أتحدث هنا عن الرجال فقط، بل النساء ممن يمتلكن نفس السلطة التى تسمح لهّن بتصنيف الناس، منّهن من تعتبر الفقير فى مرتبة أقل وملكية خاصة، ويمارسن هذا الشعور الحيوانى فى التسلط على الأنواع الأخرى حتى على أبنائهن فى محاولة لكسب الحرب الضارية التى لم يتخّل عنها الإنسان «البقاء للأقوى» «يا أنا يا أنت» ومن يغلب فى النهاية يستطيع بكل بساطة أن يُعلن أن الخاسر قدراته العقلية أقل، وقدراته الجسدية أدنى، وأن «كما فى عالم الحيوان» هنالك نوعين، أنا «الأفضل» وهو «الأسوأ» بفعل الخلق لا فعلى أنا وعلى الجميع تقبّل الوضع كما هو.
المساواة، مثل أم لولدين، أحدهما بالغ فى الجامعة يسكن مع أصحابه ويلعب الرياضة اليومية، والآخر فى عمره العاشرة، مريض فى سريره، فتقسّم الأم وقتها بين كليهما بالتساوي. أما العدل فهو أن تعطى للأكبر ساعة كل يوم أو اثنتين إذا استطاعت، وتطمئن عليه هاتفيًا، وأن تدخّر كل ما تبقى من وقتها للمريض الصغير.
المساواة هى أن يتعلم كل الأطفال نفس المناهج بنفس الطريقة، ثمّ نحدد على أساس ذلك من منهم ناجح ومن فاشل، بينما العدل هو أن نستوضح ميول كل طفل ونقسّمهم لمناهج وطرق تعليم مختلفة لتصل إنتاجيتهم إلى أعلى مستوى. نحن البشر لسنا فصائل، وليس كل شكل ونوع ولون لديه قدرات وصفات محددة، بل إننا جميعًا بلا استثناء نختلف عن بعضنا حدّ التطابق. لا يمكن أن نطلب من سمكة وقرد تسلّق شجرة، ثم نقيّم على أساسه من منهم ناجح أو لا، لأن هذه هى المساواة. لكن العدّل يقتضى أن نترك القرد يتسلق الشجرة، وندع السمكة تسبح فى الماء. كل ما علينا هو اكتشاف من منّا قرد ومن السمكة!
العدل، هو أن لا يكون هُناك مهيمن واحد مضطرب النفس البشرية، فيفرض على الآخرين قيوده الخاصة ويكبلهم بها حتى يقتنعوا هم أنفسهم بأن الحرية لا تليق بهم وبأنها إرادة الله لهم أن يولدوا مكبّلين مسلوبى الإرادة. ليس من بيننا عبيد وأسياد، ولا فرق بين غنى وفقير، أسود وأبيض، أنثى وذكر، عندما يأتى الأمر لتقييم القدرات العقلية والجسدية التى وهبها الله لكل فرد على حدة، لينعم بها بتنفيذ الدور الذى خلق له على هذه الأرض.