الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب القطري في سوريا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الانكسار الحاصل فى سوريا اليوم محزن وتبعاته المستقبلية خطيرة، ويأتى فى ظل خلاف قطرى - سعودي؛ البلدين الشريكين فى مساندة الشعب السورى فى وجه مذابح النظام وحلفائه. الحقيقة أن سوريا جزء من مسببات الخلاف؛ ففى الوقت الذى كانت تدعم فيه السعودية القوى الوطنية السورية مثل «الجيش الحر»، اختارت قطر دعم جماعات مسلحة؛ دوليًا مصنفة إرهابية، امتدادًا لما تفعله قطر فى ساحات حرب أخرى، مثل ليبيا.
تباين الرياض والدوحة فى سوريا بدأ مبكرًا، منذ بدايات الانتفاضة هناك، لكنه كان أزمة صامتة، فقد كان البلدان مقتنعيْن بأن استقرار سوريا والمنطقة ليس ممكنًا بوجود نظام بشار الأسد المتآكل، ولا بعد المجازر المريعة بحق المدنيين، وفوق هذا مكّن إيران من السيطرة على بلاده عسكريًا بما يهدد إقليميًا أمن دول؛ مثل الخليج والعراق وتركيا.
ومع تدمير النظام للمدن تشرد ملايين الناس، وازداد خوف العالم من تحول سوريا إلى مركز للإرهاب، إلا أن قطر استمرت تدعم «داعش»، و«جبهة النصرة»، و«أحرار الشام» وغيرها. أما السعودية، فقد كان خيارها الأساسى الجيش السورى الحر. واتسعت شقة الخلاف بين البلدين الخليجيين فى إدارة المعارضة داخل «هيئة الائتلاف»، وعلى الأرض كانت «داعش» والنصرة «القطرية» تهاجمان الجيش الحر «السعودي»، وتسلبان أراضيه المحررة من النظام.
الخلافات رفعت الستار عن نشاطات قطر التى كانت تتخفى وراء التحالف، بعد أن تكاثرت أجهزة التجسس الدولية ترصد خيارات البلدين فى جنوب تركيا، وشمال الأردن.
والخلاف أعمق مما تراه العين، فالسبب الحقيقى أن السعودية ترتاب فى نوايا قطر بسبب حرصها على جذب ودعم «الجهاديين»، خصوصًا السعوديين... تشك منذ التسعينيات، أى منذ الانقلاب فى الدوحة، بأن حكومة حمد بن خليفة كانت تعمل على استهداف المملكة بدعم معارضيها ماليًا وإعلاميًا، بمن فيهم أسامة بن لادن، زعيم «القاعدة» حينها، الذى كان يدعو لإسقاط النظام السعودى من على شاشة التليفزيون القطري. وبعد الغزو الأمريكى للعراق، لعبت قطر دورًا خطيرًا فى تمويل ما سمى بالمقاومة، خصوصًا المقاتلين الأجانب، وبينهم سعوديون. كانوا يتجمعون فى سوريا ويرسلون مع المقاتلين الأجانب الآخرين، إلى المحافظات العراقية الثائرة مثل الأنبار. جرى ذلك خلال فترة تحالف نظامى حمد والأسد لنحو عشر سنوات فى لبنان والعراق وغزة، واختلفا قبيل ثورات الربيع العربى بعام.
فى ثورة سوريا تكررت شكوك السعودية، حيث استمرت قطر تدعم مسلحين سعوديين ضمن تبنيها تنظيمات إرهابية، مثل «النصرة»، التى وضعتها السعودية على قائمتها السوداء. وردًا على قطر، أصدرت وزارة الداخلية السعودية إنذارات علنية للمواطنين تحذرهم من الانخراط فى الحرب السورية، وطلبت من تركيا عدم مرورهم من أراضيها. ومن أبرز السعوديين الهاربين عبدالله المحيسني، الذى تولت قطر رعايته ضمن تمويلها لـ«جبهة النصرة» الإرهابية. والمحيسني، مثل بن لادن، ينحدر من أسرة ثرية، وفر إلى سوريا فى عام ٢٠١٣ متحديًا الحظر السعودي.
وقد يبدو من التناقض أن يدعم السعوديون، من جهة، الثورة السورية، وفى الوقت نفسه يعترضون على دعم المقاتلين الأجانب لها، وذلك لأنها تخشى من ارتداداتهم عليها. كانت ضدهم فى أفغانستان، بعد خروج السوفيت، وضدهم فى حروب البوسنة والصومال والعراق. إلا أن حرب سوريا كانت الكابوس الإرهابي؛ فيها إيران وميليشياتها، و«داعش» وشقيقاتها.
بالنسبة للرياض، ما وقع للشعب السورى من ذبح لم يكن مقبولًا، ولا هيمنة إيران على سوريا، لما تشكله من خطر على المنطقة. أما قطر فقد كانت تعدّ سوريا مجرد ساحة عبث أخرى، تربى فيها حيواناتها المتوحشة من الحركات المتطرفة. فهى تعدّ الإسلاميين المتطرفين حصانها الرابح، متوهمة أنها قادرة على ركوبه فى مصر وليبيا وتونس، وبالطبع فى سوريا.
قطر دمرت المنطقة، بتفضيلها المتطرفين؛ مثل الإخوان المسلمين فى مصر، والجماعات المتطرفة فى ليبيا وسوريا، وورطت السنّة فى العراق. وتنظيماتها المتطرفة هى التى ألحقت الضرر بمجاميع الثورة السورية، أكثر مما فعلته قوات الأسد وميليشيات إيران. كما تسببت قطر فى تشويه صورة الشعب السورى وأحلامه، الذى ثار على البطش، لتستورد له قطر جماعات تؤمن بالذبح والسبى وتكفر نصف الشعب وتحل دمه!
كنا نعتقد فى البداية أن هناك بارانويا سعودية من قطر، وأنها تبالغ فى ارتيابها، لكن تكرار ممارسات الدوحة، بإصرار واستمرارية عجيبين على دعم المتطرفين، أثبت أنها سياسة، وليست مجرد ردود فعل أو تخيلات!
نقلًا عن «الشرق الأوسط»