الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التقدم الحضاري.. عربيًا وغربًيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وامتاز «السيد أمير على» بثقافته الشرقية والغربية الواسعة، فقد تعلم اللغة العربية والفارسية، واتصل فى شبابه بأدباء الإنجليز فى الهند، فدرس الآداب الإنجليزية دراسة عميقة، وقرأ بإمعان أكثر روايات «شكسبير- Shakespeare» (١٥٦٤– ١٦١٦)، والفردوس المفقود «لجون ميلتون- Milton» (١٦٠٨– ١٦٧٤)، وقرأ «بيرون- Pyrrhon» (٢٧٠– ٣٦٠ B.C ) و«توماس مور- Thomas More» (١٤٧٨– ١٥٣٥)، وكل روايات السير «ولترسكوت- Walter Scott» (١٧٧١– ١٨٣٢)، وكتاب «إدوارد جيبون- Edward Gibbon» (١٧٣٧– ١٧٩٤) عن انحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، (من أشهر الكتب التى شاعت أثناء الثورة الفرنسية)، قاد الحركة السياسية الإسلامية فى الهند، وسار فى طريق الإصلاح والعمل، يؤلف الجمعيات المختلفة لترقية الشعور الطيب بين الهنود على اختلاف طبقاتهم وعقائدهم، وفى الوقت نفسه يسعى لحماية مصالح المسلمين ويدعوهم للمحافظة على حقوقهم السياسية. يقول: «إن المسلمين فى الهند لهم حقوق سياسية واضحة أمام الحكومة وأمام الهندوكيين... إن مطالبهم حقة وهم لا يطلبون غير ما فيه العدل والإنصاف، إنهم يطالبون بتمثليهم السياسى تمثيلًا يتفق وعددَهم وأهميتهم وتاريخهم، تمثيلًا عادلًا، إن المسلمين يأبون أن يمتاز عليهم الهندوكيون فى أى حق من الحقوق السياسية، فإذا سوُىِ بين الجميع، فالمسلمون يرحبون بالإصلاح». 
ويعُد «شبلى شميل» من أبرز الشخصيات الفكرية فى تاريخ النهضة العربية، لما بشر به من أفكار ساهمت فى إرساء دعائم «الاتجاه العلمي» فى الفكر الحديث. كان ينتمى إلى تلك الحركة الكبرى التى ظهرت فى أواخر القرن التاسع عشر، والتى تعتبر العلم أكثر من مجرد طريقة لاكتشاف النظام فى ترابط الأشياء، إذ كان مفتاحًا لحل لغز الكون، بل نوعًا من العبادة، وكان العلم يعنى عند «شميل» النظام الميتافيزيقى الذى بناه «هكسلى- Huxley» (١٨٣٤– ١٨٩٥) و«سبنسر- Spencer» (١٨٢٠– ١٩٠٣) فى إنجلترا، و«أرنست هكل- Haeckel» (١٨٢٥– ١٩١٩) و«لودفيج بختر- Buchner» (١٨٢٤– ١٨٩٩) فى ألمانيا، على فرضيات نظرية التطور عند «تشارلز داروين- Darwin» (١٨٠٩– ١٨٨٢)، ويشتمل كتابه «فلسفة النشوء والارتقاء» على مقالات فى مذهب «داروين» عن أصل الأنواع، كما يشتمل على كتاب «الحقيقة»، وفيه تأييد لهذا المذهب، ردًا على الذين تعرضوا لنفيه، كذلك يشتمل على مباحث ومناقشات علمية عديدة عن الحياة المادية، أيضًا يشتمل على مقدمتين إضافيتين لشرح «بختر»، وعلى خاتمة يوضح فيها خلاصة نظرته إلى علوم الإنسان وفلسفته من حيث نشوئها وتحولها وحقيقتها وتأثيرها على أفعاله وميوله وأخلاقه وسائر أحواله الاجتماعية. والواقع أننا يمكن أن نستشف من كل كتابات «شميل» -بجانب نظرته العلمية- إحساسه العميق بالهوة الحضارية التى تفصل الشرق عن الغرب، ففى الوقت الذى أخذ فيه الغرب يجنى ثمار التغيرات التى بدأت بذورها فى عصر النهضة، والتى من جملتها الخطوات الواسعة التى خطاها العلم فى الكشف عن أسرار الطبيعة وتسخيرها لخدمة الإنسانية، كان الشرق نائمًا فى سبات عميق، غافلًا عما حققه الغرب من تطور وتقدم، باستثناء اليابان التى استطاعت أن تحقق نهضة حضارية واضحة كادت أن تردم الهوة التى كانت تفصل بينها وبين الغرب، وكانت الوسيلة التى مكنت اليابان من تحقيق ذلك هى «العلم»، ولم يتخلف الشرق عن ركب الحضارة إلا بافتقاره إلى العلم كمنهج فى التفكير، وكأداة لكشف أسرار الطبيعة وتسخيرها لخدمة الإنسان. 
وطالع «فرح أنطون» أبرز مؤلفات مفكرى عصر «التنوير»، وفى مقدمتهم «ﭬولتير» خاصة دعوته للإيمان بالعقل والحرية، ومحاولة التصدى لسلطة رجال الدين وإدانة تعصبهم وإثارتهم الخلاف والشقاق بين الناس، وأيضًا دعوته إلى محاربة التعصب المقرون بالجهل والخرافات والتقاليد البالية الدخيلة على الدين؛ كذلك دعوته إلى التسامح الدينى بين أتباع المذاهب المختلفة، كل ذلك جعل «أنطون» يعتبر «ﭬولتير» من أعظم الفلاسفة الذين ساهموا فى تحرير أوروبا، كما كتب عن «روسو» و«مونتسكيو» كما تأثر بـ«جول سيمون- Simon» (١٨١٤– ١٨٩٦)، والدور الذى قام به فى سبيل إصلاح مجتمعه، والذى لفت انتباهه إلى أهمية دور التربية الأدبية وإقامة الأخلاق الفاضلة، وحثه على أن يخطو نحو تحقيق حلمه، وهو إصلاح مجتمعه الشرقي. وقد عبر فى مجلة «الجامعة» التى كان رئيس تحريرها عن الفكر الأوروبى المتقدم فى عصره، كما كتب عن «ابن رشد وفلسفته». والواقع أن «أنطون» قد اعترف بأنه لم يقُدم على نشر فلسفته عن «ابن رشد» إلا سعيًا وراء غرض معين هو -على حد قوله- تقريب الأبعاد بين عناصر الشرق وغسل القلوب وجمع الكلمة.
نخلص من ذلك كله، إلى أن الموضوع الأساسى الذى استأثر باهتمام المفكرين العرب -لا سيما فى مرحلة توهجهم الفكرى- هو البحث عن السبيل الصحيح لإصلاح المجتمع، وتمكينهم من التصدى لتوسعات الغرب الاستعمارية، لقد وعوا، بحكم البيئة التى نشئوا فيها وطبيعة الثقافة التى تلقوها، ما يعانيه الشرق من جهل وتأخر وتخلف حضارى، وما يهدد كيانه من أخطار سواء خطر التصدع بسبب شيوع روح الشقاق والتناحر والفرقة بين عناصره، أو خطر العدوان أو الاحتلال من جانب دول الغرب، لقد قادهم وعيهم إلى الاعتقاد بأن الشرق فى حاجة ماسة إلى عقد اجتماعى أو عهد يستقطب سائر عناصره، يرسخ فيهم الشعور بوحدة الأصل والمصير، الأصل المشترك فى الماضي، والمعاناة المشتركة فى الحاضر؛ والأمل المشترك فى المستقبل.