الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

الصلاة والترتيل في حياة فيروز من القرآن إلى الإنجيل

«اركع تحت أحلى سما وصلِّ»

فيروز
فيروز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بثوب أسود وخطوات ثابت، تجثو على ركبتيها أمام الصليب لتبدأ صلواتها، هكذا عهدناها كل عام فى طقس أصبح ينتظره كل محبيها مسيحيين كانوا أو مسلمين ليرددوا معها صلواتها، وبات الجميع يسأل: من أين أتت فيروز بتلك الفصاحة التى باتت ترتل بها صلواتها العربية؟ الإجابة عن هذا السؤال كانت فى لقاء نادر للحاج محمد فليفل فى عام ١٩٨٠، والذى قال فيه: «قدمتها فى دار الأيتام الإسلامية (المقاصد) لتنشد «يا محمد ارفع اللواء» فى ذكرى تأسيس الدار، كما أنى علمتها قراءة القرآن الكريم، ومن خلاله ضبطت مخارج الكلمات عندها، ولأننى درستها فن الإلقاء عبر قراءة القرآن الكريم أصبح صوتها جميلا، فأنا لم أكن أُعلمها فقط الموسيقى، بل كنت أدرّبها على النطق السليم، مؤكدا أن فيروز أداؤها إسلامى مئة فى المئة.

فقد تعلمت فيروز على يد الأخوين محمد وأحمد فليفل أصول الإنشاد والتجويد القرآنى وهى لا تزال طالبة فى مدرسة «حوض الولاية» فى منطقة «زقاق البلاط»، ومن هنا بدأت انطلاقة فيروز الغنائية بعدما استطاع محمد فليفل إقناع والدها بأن تلتحق بالكونسرفتوار لمدة أربع سنوات.
وقد ذكرت تقارير صحفية عدة، نقلا عن أشخاص عاصروا تلك الفترة، أنها كانت تنفذ تعليمات أستاذها محمد فليفل بانضباط شديد، كما كانوا يجدونها تصلى دائما فى الإذاعة بانتظار دورها فى الغناء بالقرب من غرفة التسجيل.
بدأت فيروز رحلتها الكنسية وصلواتها بعد إتقانها التجويد فى الخمسينيات، حيث رنمت بمناسبة عيد الميلاد «تلج تلج» و«أؤمن» و«المجد لله فى الأعالي»، ومن ثم كان أول ظهور لها فى عيد القيامة فى كنيسة مار إلياس وساحتها فى أنطلياس. 
لم تقتصر صلوات فيروز فقط على أعياد القيامة، ولكن رافقتها فى العديد من مسرحياتها، فكان منها أغنية «ساعدنى»، التى أعادت غناءها وتصويرها مرة أخرى فى دير «النورية» بلبنان، وأيضا أغنية «يا ساكن العالى»، ولعل أشهرها تلك التى غنتها فى مسرحية «ناطورة المفاتيح»، التى كانت بعنوان: «بيتى أنا بيتك». ولعل من أعظم المشاهد التى كانت دائما تصلى فيها فيروز أمام جمهورها فى حفلاتها حين كانت تغنى أغنيتها المشهورة «خدنى»، والتى تنتهى دائما بجملة «اركع تحت أحلى سما وصلي»، فكانت تتوقف الموسيقى ويصمت الجمهور وتغمض فيروز عينها لتصلى أمام الجمهور، وهو ما حدث جليا فى حفلات الولايات المتحدة، وانجلترا، وفرنسا واستراليا، والبرازيل، والإمارات، والبحرين، ومصر، وكذلك فى بعلبك. أما فى مهرجانات البعلبكية عام ١٩٦١، فقد ركعت فيروز على أدراج بعلبك أمام أكثر من خمسة آلاف مشاهد، ورفعت يداها للصلاة منشدة «اركع تحت أحلى سما وصلي». 

«أنا الأم الحزينة وما من يعزيها فليكن موت ابنك حياة لطالبيها»، هكذا رتلت فيروز فى قداس القيامة بعد وفاة ابنتها ليالى تلك الترتيلة التى لم ترافقها كل عام منذ أن بدأت الحرب بلبنان وحتى منتصف التسعينيات، وكأنها ترسل كل عام للبنان رسالة الأم الموجوعة على موت ابنتها، حيث بدأت تلك الرسالة من حريصا عام ١٩٨١م، لتكون أول من شهدت صوتها وهو ينوح على الابن المصلوب، قائلة: «أنا الأم الحزينة وما من يعزيها فليكن موت ابنك حياة لطالبيها»، ومن ثم كانت كنيسة الوردية الحمرا ببيروت عام ١٩٩٠، ودير البلمند شهدا أشهر تراتيلها عام ١٩٩٢م.
واستمرت هذه الحال إلى أن انتهت الحرب بلبنان، وكانت كل عام تختار الكنائس التى هدمتها الحرب قبلة لصلواتها وتضرعها بأن تعود لبنان لمجدها، كما كانت وتعلو كلمة الحق، لتحل علينا فى آخر إطلالة لها أمام الجمهور فى عام ٢٠٠٨ بكنيسة مار إلياس فى المصيطبة. كما قامت فيروز عام ١٩٨٦، بالإنشاد فى كنيسة سانت مارجريت فى لندن، مع أوركسترا إنجليزية ترانيم ميلادية سريانية، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من الترانيم والأغانى الميلادية باللغات العربية واللاتينية والإنجليزية.

بعد عام 2008 انتقلت فيروز لمرحلة جديدة وهى الإطلال كل عام بتراتيل جديدة مسجلة فيديو يتم بثها صبيحة أحد القيامة، وتناثرت الأقوال عن سبب عدم ظهورها أمام الجمهور ليكون القول الأرجح أن عددا من الكهنة رأوا أن فى التصفيق الحاد الذى يصفقه الحاضرون شيئًا من امتهان لقداسة وحزن هذا اليوم وهو «الجمعة العظيمة» التى صلب فيها المسيح فامتثلت لذاك الرأي واحترمته وبدأت تظهر كل عام بترتيل مسجل تختار ترانيمه بعناية لتوصف المشهد الحالي. 
ولم تتوقف فيروز عن إطلالاتها سوى فى العام الماضي، وهو ما أصاب الكثير من جمهورها بالاستياء بعد انتظارها ولا أحد يعلم السبب، لتكمل مسيرتها العام الماضي فى إطلالة جديدة وعلى غير العادة كانت إطلالتها بمناسبة أحد الزعف لتحكي قصة الميت الذى أقامه السيد المسيح وفرحة أهله بتلك القيامة، ورتلت قائلة: «افرحي يا بيت عنيا»، هكذا فيروز صلة كل عام وهكذا تضرعت للبنان الموجوع، الذى لا يزال يحتاج الكثير من الصلوات لعودته لمجده من جديد، ومن ثم فى نفس العام أصدرت ترتيلتها " مديحة يا ميم ري ميم " وهي ترنيمة قبطية دير سيّدة الناطور.
وأخيرا وليس آخرا وقفت السيدة فيروز هذا العام فى كنيسة القديس جاورجيوس - دير الحرف لترتل " اذكرني يا رب أتيت فى ملكوتك " لتقول فى المنتصف " طوبي للمطهدين من اجل البر فان لهم ملكوت السماوات.. طوبى لكم إذا عايروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كل كلمة سوء من أجل كاذبي" وكأنها أرادت أن تخفف أوجاع مسيحي الشرق هذا العام.