الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«ترامب» والمثقفون الأمريكيون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حكم الولايات المتحدة الأمريكية، خلال العقود الأخيرة عدد لا بأس به من رؤساء أتوا دائمًا من الحزبين الرئيسيين فى البلاد، وانتُخبوا بانتظام فى أغلب الأحيان عبر عملية ديمقراطية، حيث لم تتعلق الاستثناءات إلا بحالتين: ليندون جونسون الذى خلف الرئيس كنيدى بصفته نائبه إثر اغتيال هذا الأخير، وجيرالد فورد الذى خلف ريتشارد نيكسون إثر استقالته تحت وطأة فضيحة ووترغيت. ونعرف أن هذين النائبين اللذين تحولا رئيسين، سرعان ما انتخبا ديمقراطيًا ما أعطاهما شرعية شعبية لاحقة.
نعرف أن البيت الأبيض منذ زمن بعيد يحاول على الدوام، ومهما كان من شأن الهوية السياسية لشاغله، أن يقيم علاقات طيبة، إن لم يكن مع المثقفين الأمريكيين جميعًا، فعلى الأقل مع أنماط تناسبه من المثقفين محاولاً فى بعض المناسبات أن يقوم بإطلالات على الأنماط الأخرى، وصحيح، تاريخيًا، أن الرؤساء الديمقراطيين يبدون بشكل إجمالى، أكثر قدرة على التعاطى مع الغالبية العظمى من كبار المثقفين الأمريكيين، وذلك تحديدًا على خطى الرئيس روزفلت الذى سبقهم حين مارس سياسته الاقتصادية المسماة «نيو ديل» والتى أنقذت بلاده من الكساد والجوع فى سنوات الثلاثين، فالتف حوله المبدعون يناصرونه ويكتبون عنه ويحققون أفلامهم فى استيحاء من سياساته وأفكاره.
جون كنيدى، بكاريزمته وثقافته، اكتسب المبدعون بدوره حتى فى أوساط تعاديه سياسيًا، وكذلك سوف يفعل بيل كلينتون ثم لاحقًا باراك أوباما حتى وإن خيّب كثيرًا من الآمال فى مجال سياساته الخارجية، ومهما يكن، عرف كنيدى وكلينتون وأوباما كيف يكسبون رضا المبدعين. وكيف يحولون علاقتهم بهم إلى نوع من العلاقة مع ما سماه كلينتون يومًا «ضمير الأمة الأمريكية».
لكن الرؤساء الديمقراطيين لم يكونوا الوحيدين الذين اكتسبوا تأييد المثقفين، فالرؤساء الجمهوريون فعلوا ذلك أيضًا، ولكن مع فارق أساسي: هؤلاء اجتذبوا تلك الكتلة المثقفة التى تعتبر عادة يمينية، ونادرًا ما تمكنوا من اجتذاب الكتلة المثقفة الأكبر المنحازة بالأحرى إلى اليسار والتطلعات الليبرالية والديمقراطية سواء أكان ذلك فى الجامعات أم هوليوود أم نيويورك.... إلخ. ونتذكر على أى حال الحظوة التى كانت لرونالد ريجان خاصة فى هوليوود التى أتى منها أصلًا وأملت فى مجيئه خيرًا، قبل أن تنفّرها سياساته.
يعنى هذا وإن بشكل خطّى، أن كل واحد من ساكنى البيت الأبيض فى الحقبة التى نشير إليها هنا، كان له حصته من الحياة الثقافية الأمريكية. وهذه الحصة كانت تتقلص أو تتضخم تبعًا للظروف والسياسات، لكنها أبدًا ما كانت تصل إلى حد العدم. فهل حان الوقت اليوم كى يحدث انقلاب هائل فى الصورة؟
لقد لاحظنا خلال المعركة الانتخابية التى تواصلت قرابة العام قبل أن تُختتم بفوز المرشح – الرئيس الآن – دونالد ترامب، أن الغالبية الساحقة من القوى الفاعلة فى الحياة الإبداعية الأمريكية لم تتوان عن مناصبة المرشح الجمهورى – اليمينى، العداء.
وحتى حين كان المثقفون الأمريكيون لا يتورعون عن إعلان معارضتهم لسياسات المرشحة كلينتون، ويعلنون أنهم لن يصوتوا لها، كانوا يؤكدون فى السياق نفسه أن هذا لا يعنى تأييدهم ترامب... قال كثر منهم إنهم لئن كانوا يعارضون سياسات المرشحة الديمقراطية، فإنهم فى المقابل يقفون موقف النقيض من كل ما يمثله خصمها ترامب، سياسيًا واجتماعيًا وذكوريًا وفلسفة حكم واقتصاديًا.
تسلم الرئيس الجديد منصبه، وها هم المثقفون الأمريكيون عن بكرة أبيهم يقررون إعلان غضبهم من وجوده على رأس أمة لطالما حلموا، كما يقول واحد منهم، بأن تكون «على العكس تمامًا مما يبشرها به هذا الملياردير الذى لا يعرف سوى لغة الأرقام»....
ولعل آخر مظاهر هذا الاعتراض الفصيح الذى يجابه به «ضمير الأمة الأمريكية»، على طريقته الخاصة، ما أعلنه مصممو الأزياء من أنهم لن يتعاونوا مع «السيدة الأولى» رغم أنها تنتمى أصلا إلى عالمهم، وهم بهذا ينضمون إلى السينمائيين – كان فصيحًا وقاسيًا ما قالته ميريل ستريب فى حفلة «الجولدن جلوب»، وأفصح منه وأمرّ التصفيق التى قوبل به كلامها – والجامعيون – الذين يسهمون إسهامًا كبيرًا فى «اعتراضات اليوم»، وغيرهم.
صحيح أنه سيكون فى وسع السيدة ترامب أن تصمم أزياءها فى الخارج، فى روسيا بوتين مثلًا، وصحيح أن الرئيس ترامب سيجد مثقفين يقفون إلى جانبه فى نهاية المطاف، وصحيح أنه قد يبدى نوعًا من اللامبالاة بكل هذا، ولكن صحيح أيضًا أن ما من رئيس أو ملك أو مسئول يمكنه أن يحكم بشكل جيّد إن هو حوصر بضمير أمته يعلن معارضته له فى إبداعاته وأفلامه وكتاباته وأغانيه وجامعاته، وفى اعتقادنا أن هذا سيكون واحداً من أكبر التحديات فى وجه هذا السيد الذى يطل على العالم بوصفه الشاغل الجديد للبيت الأبيض.
نقلا عن البيان الإماراتية