الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معجزة شقيقي "البروفيسور"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هو شقيقى «أيمن عبدالمؤمن» الذى حلم بالمستحيل، واستطاع أن يصنعه، والذى يثبت لى كل يوم أن القادم أسعد وأجمل رغم أى شىء، ورغم أنه أصغر منى بعام واحد، إلا أننى أشعر دومًا أنه الأكبر فى كل شىء.
يعيش بالولايات المتحدة منذ حوالى عشرين عامًا بعد ترشحه لمنحة دراسية فى مجال الطب هناك، مر فى بدايتها بأقسى خمس سنوات فى عمره، استطاع خلالها اجتياز امتحانين، وحينما حان موعد الامتحان العملى الثالث -الأصعب والأهم- اضطرت الدكتورة الأمريكية المشرفة عليه لظروف ما - أن تلغى عملها بالجامعة.
لم يكن أمامه سوى خيارين، إما دخوله هذا الامتحان الذى لم يجتزه أغلبية الأطباء المتفوقين بعد شهرين، وهى مدة أقصر بكثير جدًا من المخصصة للاستعداد له، أو العودة إلى مصر مرة أخرى، على أن يكرر المحاولة ثانية فى السنة التالية، وكان هذا شبه مستحيل.
واختار الأول مضطرًا، ودخل الامتحان الشفهى فى موعده، إلا أنه وقع فى خطأ غير هين رغم حرصه الشديد أثناء أدائه الامتحان العملى، فانهار أمامه كل تعبه ومجهوده فى لحظة واحدة، ومع ذلك لم تنهر أحلامه الأقوى، ولم ينقطع يقينه وثقته فى الله.
ظل شهرين كاملين، يعتصره القلق، والانتظار، والترقب، حتى ظهرت النتيجة أخيرًا، واستلمها فى خطاب مغلق، لكنه لم يقو على فتحه، فجلس بأحد المساجد الموجودة بالولاية التى يسكن فيها، ووضع الخطاب أمامه، ثم صلى ركعتين، والدموع تنهمر من عينيه دون توقف ثم تشجع، وفتح الخطاب، ولم يصدق نفسه، فكانت النتيجة «ناجح».
بهتت الطبيبة الأمريكية المشرفة بالمعجزة التى أحرزها فى هذه المدة الوجيزة جدًا، وأدهشها أكثر صبره الشديد، وإصراره غير العادى، فقررت ترشيح طبيب زميل آخر لها بإحدى الجامعات الأمريكية، ليشرف عليه بدلاً منها.
كان وما زال يعشق مجال «البحث العلمى»، لكنه لم يكن يرغب من البداية فى دراسة تخصص معتاد، فاختار أخطر وأندر تخصص طبى، يتم اختيار الأطباء فيه بدقة وعناية فائقة، ويكون العدد المقبول محدودًا للغاية، لكنه أحبه، وآمن به.
أرسل للعديد من الجامعات الأمريكية لاستكمال دراساته فى هذا التخصص الصعب، ولكن لم تستجب أى جامعة، وفى اللحظة التى تسرب فيها اليأس التام إلى نفسه، وأيقن أنه لا فائدة، ولا مفر من قبوله أى تخصص عادى، حدثت المعجزة، فقد أرسلت إليه إحدى الجامعات الأمريكية خطابًا بالموافقة.
حصل «أيمن» على شهادتى «الزمالة» ثم «البورد» الأمريكية بامتياز مع مرتبة الشرف، وهو يعمل حاليًا «Associate Professor of Medicine Blood and Marrow Transplantation and Cell Therapy Program in Alabama University أو «أستاذ أمراض الدم وزرع النخاع بجامعة «ألباما» فى جنوب أمريكا».
يقسم وقته بالكاد بين دراساته المتعددة فى مجال البحث العلمى -عشقه الأول- ومشاركته فى العديد من المؤتمرات الطبية المهمة بجميع أنحاء العالم، والإشراف على دراسات العديد من الأطباء الأكْفَاء من مختلف الجنسيات، وعمله كطبيب وأستاذ مساعد فى جامعة «ألباما» فى تخصصه، وأفراد أسرته الرائعة، ومكالماته التليفونية شبه اليومية للاطمئنان علينا وعلى أحوال مِصر.
لم أنس أبدًا مشهد مناقشته للدكتوراه بكلية الطب -جامعة عين شمس- والتفاف المشرفين وكبار الأساتذة وصغار الأطباء حوله، وانبهار الجميع بأدائه المدهش، وتفوقه العلمى، وتواضعه الشديد، وبساطته الحلوة، وابتسامته المشرقة.
ما زلت أذكر تركه عمله وأبحاثه وأسرته وكل ارتباطاته المهمة بأمريكا، وحضوره فورًا إلى مصر، لإنقاذ والدنا الحبيب من قبضة موت مؤكد بعد تدهور صحته فجأة منذ عدة سنوات، ليظل ماكثًا بجانبه فى سيارة الإسعاف يومًا كاملاً، يجوب كل مستشفيات القاهرة، وهو بحالة حرجة جدًا، ثم سهره، وعنايته الفائقة، ومتابعته جميع التفاصيل الطبية الدقيقة، والمستمرة له، ثم سفره بعد اطمئنانه التام على استقرار حالته، ليكتب له ولنا شهادة ميلاد وفرح جديدة. 
يرى ببساطة ودون تعقيد أن كل شخص بإمكانه تحقيق حلمه، إذا استطاع من البداية تحديد هدفه بوضوح، والإصرار عليه بلا يأس، والإيمان به وبنفسه، ثم اختيار الطريق الخاص به، الذى يحب أن يكمل فيه حتى النهاية، بعد اجتيازه العديد من التجارب، واكتسابه الخبرات الكافية فى الحياة.
أجمل ما قاله لى أثناء زيارته الأخيرة لمصر: «اجتهدى قدر استطاعتك، واطمئنى جدًا جدًا، ولا تخافى، فستنجحين إذا كنت تستحقين النجاح»، «لست من هواة الارتفاع أو الارتقاء فوق الآخرين»، «السعادة نسبية، تختلف بين شخص وآخر، لكنها تغمرنى بشدة حينما ألمس مشاعر البهجة والراحة والطمأنينة فى عيون كل المرضى»، «من المؤكد أن السعادة مقرها القلب والضمير وليس البنك أو دفتر الشيكات»، «الحياة الحقيقية هى أن نفعل ما نؤمن به، وليس ما يؤمن به الآخرون».