الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

القصة الكاملة لـ"نسطور".. ألد أعداء السيدة العذراء

حارب جميع الهرطقات ليمهد السبيل إلى هرطقته

السيدة العذراء
السيدة العذراء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولد نسطوريوس فى سوريا بمدينة مرعش وتربى فى أنطاكية، وهناك ترهب بدير إيروبيوس وتتلمذ على يد تيودورس المبسوستى، واختير بعدما تم تعليمه ليكون شماسًا ثم قسًا فى كاتدرائية أنطاكية واشتهر بفصاحته وقوة عظاته.
اختاره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ليكون بطريركًا على القسطنطينية وعند ارتقائه لهذا المنصب الرفيع، لم يحتمل عظمة المكانة التى اختير لها فسلك بالكبرياء والعظمة، وأعجب بذاته حتى أنه فى إحدى عظاته فى الكنيسة وجه خطابه للإمبراطور قائلًا له: «استأصل أيها الملك معى جميع الهراطقة وأنا أستأصل معك جنود الفرس الأردياء وبعد أن تقضى على الأرض حياتك السعيدة أضمن لك أخيرًا جند الخلد فى السماء».
وكان نسطور قبل جلوسه على كرسى القسطنطينية يملك غيرة شديدة فى الدفاع عن الإيمان المستقيم ضد الهراطقة، لكن للأسف كانت هذه الغيرة مثل سحابة صيف سرعان ما تبخرت بعد قليل، نتيجة سقوطه فى بدعته الشنيعة وقد كان سقوطه عظيمًا حتى أن بعض المؤرخين قال عنه: «إن نسطور حارب جميع الهرطقات ليمهد السبيل إلى هرطقته».
مفهوم النسطورية
قال نسطوريوس «حيث إن الله تعالى لا يمكن أن يموت أو يتألم لذلك كان المسيح أقنومين متباينين.. ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية وذات إنسانية عرضة للآلام والموت، ومن ثم كانت الذات المتألمة هى الذات الإنسانية وحدها منفصلة عن الذات الإلهية».
وهكذا نادى نسطور بأن فى السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين، فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله، وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصاب ويموت يكون ابن مريم.
ونتيجة لفصل نسطور طبيعة السيد المسيح اللاهوتية عن طبيعته الناسوتية ترتب على ذلك الآتي: عدم تسمية السيدة العذراء مريم qeotokoc ثيؤتوكوس Theotokos أى والدة الإله وأنها أم يسوع فقط، وعليها بنى هرطقته فى أن الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تولد أو تصير جسدًا بشريًا، وعلى هذا فالسيدة العذراء لم تلد الله الكلمة الأزلى، وإنما ولدت يسوع الإنسانى، ولهذا فإننا يجب أن ندعوها أم يسوع «الجسداني» وليس أم الله.
وقد هتف نسطور فى إحدى خطبه فى يوم عيد البشارة «بشارة العذراء» مجاهرًا على مسمع ومرأى من الجميع أنه لا يمكن أن يسجد لطفل ابن ثلاثة شهور كما سجد له المجوس. 
وقد كان لهذا الكلام أكبر الأثر فى إحداث اضطراب فى بيعة الله المقدسة.
وبحكم منصبه كبطريرك للقسطنطينية، وبما له من نفوذ وجبروت بدأ ينشر بدعته الفاسدة المفسدة فى كل مكان مستعينًا ببعض الآباء الكهنة والأساقفة أيضًا.
أما عن الشعب المسيحى للقسطنطينية فلما سمع أقوال نسطوريوس رفضها رفضًا تامًا لعدم اتفاقها مع كلمة الله المقدسة، وبدأوا يثورون ضد نسطور الذى ازداد فى عناده وصلفه، كما حضر إليه جمع من الرهبان وبينوا له خطأ هذه التعاليم وانحرافها عن الإيمان المستقيم، فغضب عليهم وأمر بحبسهم فى الكنيسة كما أمر اتباعه بنزع ملابسهم وضربهم وإهانتهم ثم أوثقوهم بعمود وراحوا يضربونهم على بطونهم.
ولما اشتد الجدال بين شعب القسطنطينية بسبب هذا الأمر انتشر أيضا بين البلاد المجاورة. وما هى إلا أيام قليلة حتى نما هذا الأمر إلى مسامع البابا العظيم كيرلس الكبير والغيور على الإيمان المستقيم.
عقيدة الأرثوذكس الصحيحة
تقوم عقيدة الأرثوذكس الصحيحة على عدة أسس:
أولًا: أن الرب يسوع كامل فى لاهوته وكامل أيضًا فى ناسوته، وأن اللاهوت والناسوت متحدان اتحادًا حقيقيًا تامًا فى الجوهر وفى الأقنوم وفى الطبيعة بغير انفصال وبدون امتزاج أو تغيير.
ثانيًا: إن الأقنوم الثانى فى الثالوث الأقدس اتخذ من السيدة العذراء جسدًا بشريًا ونفسًا إنسانية ناطقة عاقلة، وأن المولود منها هو الإله الذى له طبيعة واحدة متجسدة لها جميع صفات وخصائص الطبيعتين معًا.وقد أيَّد القديس كيرلس الكبير عقيدة الطبيعة الواحدة بأدلة كتابية منها:
قول البشير يوحنا «والكلمة Logos صار جسدًا» (يو١٤:١) وقوله صار دلالة قوية على الإيمان الحقيقى فى الطبيعة الواحدة.
ومن قول رب المجد «ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء» (يو١٣:٣) فالذى فى السماء هو بعينه الذى على الأرض وهو ابن الله وهو ابن الإنسان... جوهر واحد وأقنوم واحد وطبيعة واحدة.
وأيضًا من قول رب المجد عن نفسه «أنا هو الأول والآخر وإنى كنت ميتًا وها أنا حى إلى دهر الدهور ولى مفاتيح الموت والجحيم» (رؤيا١٧:١، ١٨) فالضمير (أنا) يدل على الاتحاد الحقيقى والطبيعة الواحدة فهو الأول والآخر، وهو هو بعينه الحى الذى كان ميتًا، الحى إلى دهر الدهور.
وقد أعلن الرسول بولس صراحة أن السيد المسيح هو الله بقوله «كنيسة الله التى اقتناها بدمه» (أع١٨:٢٠) فالدم المسفوك على الصليب هو دم الله نفسه الذى به اقتنى كنيسة الله المقدسة.
ليس هذا فقط بل يمكننا أن نرى حقيقة التجسد الإلهى واضحة تمامًا فى قول الكتاب «عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد» (١تيمو١٦:٣).وحتى يقرب القديس كيرلس الإسكندرى سر التجسد الإلهى الفائق الإدراك الأذهان المحدودة، صار ينتقل من المحسوس إلى المعقول مستخدمًا تشبيهات متعددة. فقد شبه ذلك الاتحاد الحقيقى والجوهرى بالاتحاد القائم بين النفس والجسد فى الطبيعة البشرية وباتحاد النار بالحديد وبجمرة أشعياء (أش٦:٦، ٧). ونلاحظ فى معظم هذه التشبيهات أن الجوهر الإلهى ممثل فيها بواسطة النار المتأججة التى هى أقوى من كل شيء سواها لأنها رمز مناسب لجوهر الله «إلهنا نار آكلة» (عب٢٩:١٢) والله محبة «ومحبته متأججة كالنار قوية كالموت لهيبها نار لظى الرب» (نش٦:٨).
الإيمان الصحيح بشأن السيدة العذراء
أولًا: إذا كانت أى أم بشرية هى أم لمولودها لكل من النفس والجسد مع أنها لم تلد نفسه التى خلقها الله.. وإذا كنا نرفض القول بأن أى أم ليست أمًا للجسد فقط بل هى أم للإنسان كله.. فلماذا لا ينطبق هذا الأمر على العذراء مريم!؟
ثانيًا: وما دمنا نؤمن أن السيد المسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد الكلمة الذى تجسد وتأنس من أجل خلاصنا..فلابد لنا من أن نؤمن أن أمه هى من غير شك أم الله التى ولدت لنا عمانوئيل أى الله معنا كما أعلن الملاك المبشر إتمامًا لسائر النبوات.
ثالثًا: هناك ضرورة لاهوتية تحتملها طبيعة التجسد الإلهى المجيد.. فإنه ما دامت العذراء مريم قد ولدت الإله المتجسد وجب أن تلقب بوالدة الإله.
رابعًا: من الحقائق المهمة التى غابت عن أذهان أولئك المبتدعين... أنه لا يمكن أن يتم خلاصنا إن لم يكن ناسوته متحدًا بلاهوته.
خامسًا: يؤكد القديس غريغوريوس النزينزى هذه الحقيقة الإيمانية بقوله: «إذا لم يؤمن أحد بأن مريم هى ثيؤتوكوس qeotokoc فهو غريب عن الله». ولهذا يعلن الأب الكاهن فى نهاية صلاة القداس بكل خشوع عند الاعتراف فى الأمانة «أؤمن أن هذا هو الجسد المحيى الذى أخذه ربنا وإلهنا ومخلصنا.. من سيدتنا... والدة الإله».