الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"خلصني من روحي.. شكرًا".. شعار المكتئبين في مصر..157 حالة انتحار خلال 7 أشهر.. وإحصائيات: 3000 حالة سنويًا.. وخبراء: "فتشوا عن الظروف الاقتصادية والعامل النفسي والبطالة والتعليم"

خلصني من روحي..شكرا..شعار
"خلصني من روحي..شكرا"..شعار المكتئبون في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قليل من التعجب، كثير من الدهشة والتساؤل عند سماع خبر انتحار فتاة أو شاب في مقتبل العمر لـ"أتفه الأسباب"، القضية مزعجة، والإحصائيات في هذا الملف أكثر إزعاجًا.
الإحصائيات تقول إن 157 مواطنًا لقوا حتفهم انتحارًا خلال الشهور السبعة الماضية من العام الجاري بحسب تقرير صادر من التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والأرقام تؤكد أن ما يقرب من 3000 محاولة انتحار تقع في مصر سنويًا لمن هم أقل من 40 عامًا بحسب تقرير سابق لمنظمة الصحة العالمية.
اللافت أن الوضع في مصر مقارنة بالوضع في الخارج "مطمئن"، ففي اليمن وصل معدل الانتحار إلى 251 حالة خلال العام الجاري، وارتفع المعدل إلى وقوع حالة انتحار يوميًا في بعض الأشهر، كما تشير الإحصائيات إلى أن هناك 3 ملايين مغربى يريدون الموت، وذلك لانتشار حالات الاكتئاب والبطالة، أما في تونس فسجلت عدد محاولات الانتحار أرقامًا مخيفة، يقدر الأمر بواحد في الألف أي نحو 10 آلاف تونسى يحاولون الانتحار سنويًا، وعن إحصائيات الجزائر لعام 2016، تؤكد أنه تواجد 1108 حالات انتحار أغلبها لشباب ومراهقين خاصة من الإناث، كما يحاول 3 أشخاص جزائريون الانتحار يوميًا، أما عن ظاهرة الانتحار التي بدأت تظهر لدى اللاجئين السوريين، فتذكر دراسة دولية قدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن نحو 41% من الشباب السورى في لبنان قد سبق وفكروا بالانتحار، ضمنهم 17% تملكتهم الفكرة لفترة طويلة، وتشير الدراسات إلى أن بعض حالات الانتحار في البلاد العربية أصبحت تمثل رسالة خاصة عن الألم الذي يعيشه الشباب من الحالة الاقتصادية والظروف السياسية.. وأسفل الترتيب كل من سلطنة عمان، بنسبة 1 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، يليها لبنان بـ0.9 حالة، وتتساوى السعودية مع سوريا في معدلات الانتحار، بنسبة 0.4 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، وصنفت في أسفل قائمة الدول العربية لأعلى معدلات الانتحار.



في مصر، سبب الانتحار هو تقريبًا نفس السبب في البلاد الأخرى، يتعلق بالمرور بحالة من الاكتئاب والضوائق النفسية لاسيما بالنسبة للطلبة والطالبات خلال مراحل التعليم خلال موسم الامتحانات، حيث أصبحت تسجل الحالات بالعشرات عن ذي قبل.
هذه واقعة انتحار أمين شرطة في الإسماعيلية بعدما أطلق الرصاص على رأسه عن طريق سلاحه الميري قبيل العمل داخل الاستراحة الخاصة به بعد شعوره بالاكتئاب، وها هي معلمة أقبلت على الانتحار بإلقاء نفسها من الدور الثالث بمدرسة إهناسيا الابتدائية بنات ببنى سويف، لمرورها بحالة نفسية سيئة، وها هي الطالبة هدير من محافظة الشرقية تسطر قصتها نهاية مأساوية لحياتها بعد ضياع حلمها في الالتحاق بكلية الطب، والحصول على لقب "دكتورة" الذي كانت عائلتها تطمح إليه وتناديها به أسرتها منذ وقت طويل، وهذا طالب بالصف الثالث الثانوى الأزهرى، بمحافظة الشرقية لا يتعدى 17 عامًا يتخلص من حياته، بعد أن تناول مادة سامة وتخلص من حياته شنقًا، ونجد طالبًا جامعيًا في السويس قرر الانتحار لتعثره في الدراسة وعدم تمكنه من اجتياز السنة النهائية بكلية التجارة، بشنق نفسه داخل شقة تحت الإنشاء بمنزل أسرته في مدينة السلام، وغيرها من الحالات الأخرى، الحالات كثيرة ومتشابهة وعندما يضيق بهم الحال لا حل أمامهم إلا الانتحار تحت شعار "خلصني من روحي.. شكرًا".



الدكتورة رحاب العوضي، استشاري الصحة النفسية، ترى أن الشخصية التي تلجأ إلى الانتحار شخصية في الأصل مريضة نفسيًا وتعاني من الضغوط التي تنتج من التعرض للاكتئاب، لافتة إلى وجود العديد من العوامل التي تدق ناقوس الخطر حول الانتحار داخل مجتمعنا المصري.
وتابعت العوضي، أن أحد أبرز تلك العوامل هي مسألة النجاح والفشل، فهناك ظاهرة مخيفة خلال الأعوام الأخيرة تتعلق بالإقدام على الانتحار بسبب الامتحانات ونظام التعليم المصري، لافتة إلى أن تلك الظاهرة تنمو بسبب الضغط النفسي الذي يتعرض له الطالب أو الطالبة من الأسرة وهو ما يؤدي إلى إصابته بحالة من الخوف الشديد حال الفشل في تحقيق الدرجة العلمية المطلوبة ومن ثم الاكتئاب الذي يجعله يتخذ قرار الانتحار بصورة مفاجئة بلا تفكير، حيث يشعر بأن حياته بلا قيمة ويجب عليه الابتعاد عن أسرته وعن العقاب الذي ينتظره.
وأضافت: للأسف لا يتم النظر داخل مجتمعنا إلى باقي العوامل المتصلة بعقلية والمستوى العلمي للطالب وظروفه النفسية والاجتماعية، إضافة إلى أن النظرة المجتمعية تلعب دورًا في الضغط على الطالب وإصابته بالاكتئاب، حيث إن هناك ترسيخًا لفكرة أهمية التعليم الثانوي العام عن التعليم الفني، وهو ما يمثل ضغطًا بالنسبة للطالب الذي تختلف قدراته العقلية وميوله الشخصية.



وشددت العوضي، على المسئولية التي تتحملها الأسرة والنظام التعليمي السيئ الموجود حاليًا، متابعة أن العامل الثاني الذي يتصل بمسببات الاكتئاب المؤدي للانتحار هو الظروف المادية الصعبة التي تحيط بالبعض بسبب الظروف الاقتصادية التي تجعل الحياة أصعب، هذا إضافة إلى المشاكل الزوجية المنتشرة داخل مصر.


وأضاف الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن انتشار ظاهرة الانتحار يعكس الضغوط والمشاكل التي تواجهنا في الحياة، حيث إن الحياة تكون مليئة بالكثير بها في ظل الأوضاع القائمة التي نعيشها حاليًا، لافتًا إلى أنه من الطبيعي وجود المشاكل في حياة أي فرد مهما كانت صفته سواء ناجح أو فاشل ولكن الاختلاف يكون في طريقة تعامل كل منا مع مشكلته.
وأضاف: يوجد نوعان من البشر النوع الأول هو مَن يستطيع مواجهة تلك الضغوط ويحولها من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية، ونوع آخر من البشر لا يحول طاقته السلبية وإنما تظل تتراكم عليه الضغوط النفسية حتى يصل إلى مستوى يجعله يقوم بالانتحار، لافتًا إلى أن ذلك النوع من البشر لا يكون لديه أمل أو حلم يسعى إليه وبعيدًا عن الثقة بالله تعالى وبنفسه كما يكون معزولًا عمن حوله، فلا يتحدث معهم ويفقد الثقة في المجتمع ويعيش حالة من اللاوعي تجعله يقبل على الانتحار.
وأشار هاني، إلى أن الظاهرة تنتشر لعدم وجود تدين وإيمان وثقة بالله تعالى، إضافة إلى غياب التواصل المجتمعي بين المكتئب وبين مَن حوله، الأمر الذي يؤثر على نفسيته ويؤثر على ثقافته العامة تجاه مجريات الأمور.