رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رقابة على نفسي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم المسرحيات الكثيرة التى عرضت لى فى القطاع العام والخاص، بجانب أعمالى فى الشركة التى كونتها مع صبحى، فلم أكن قد تعاملت من قبل مع القطاع العام. ولم يطلب منى أحد منهم أى عمل مسرحى، ولم أطرق أى باب لعرض مسرحيات عليهم. ولكن صديقى ممدوح وافى الذى اشترك معى فى عدة أعمال طلب منى أن أعطى مسرحية لزميله محمد أبو داود الذى تخرج حديثا من معهدنا، وترددت كثيرا لأنى لا أعرفه لكن ممدوح ألح علىّ مرات أن أعطيه عملا من أعمالى حتى وافقت فى النهاية. واخترت زميلى وصديقى نبيل الحلفاوى ليكون بطلا للمسرحية، لأنى أثق فيه ومعه نادية فهمى الذى رشحتها فى مسلسل شرارة وأعطيتها مفتاح الشخصية التى أعجبت الجمهور فغارت منها نبيلة السيد وتركت العمل، كما شرحت من قبل ظنا أنى قد أستمع لزيادة دورها. وبدأت البروفات لكنى وجدت بعض الممثلين القدامى الذين يخرجون عن النص مثل أبو لمعة وغيره، كما فوجئت بأن نادية طلبت أن يكون دور البطل لزوجها (فى ذلك الوقت)!، بدلا من الحلفاوى وذهلت لأنها ظنت أنها وصلت للنجومية. وفورا اجتمعت مع أبوداود وطلبت أن نؤجل العمل للموسم التالى ورغم تردده خوفا من أن يتوقف العمل لكنى طمأنته.
وفى الموسم التالى جئت بعبلة كامل الممثلة الرائعة لتلعب أمام الحلفاوى دور البطولة. وتخلصت من بعض الممثلين الذين كان يمثلون على الطريقة القديمة والسقيمة، فقد تعاملوا مع كتاب أغلبهم يهتم بكتابة اسمه على الأفيشات بغض النظر عن الطريقة التى تظهر بها. كأنهم لا يعرفون أن الكاتب يمكن أن يسحب نصه فى أى لحظة. لأن هذا من حقه طالما لم يأخذ حق التأليف، وكانت الهيئة لا تدفع هذا إلا بعد ظهور العمل على المسرح وغالبا بعدها بوقت طويل!. مش حكومة بقى؟!.
وبالفعل قدمنا المسرحية فى الموسم الثانى باسم (عفريت لكل مواطن) ونجح بقوة. 
بعدها طلب منى شاكر عبداللطيف مسرحية لسيد زيان. وبعد تردد أعطيته مسرحية (أبو زيد) وكانت بمثابة مخاطرة بالنسبة لى، فلم يسبق أن عمل معى. لكن فى يوم الافتتاح فاجأنى سيد زيان بأنه كان أفضل ممثل فى العمل وربما لأول مرة. وعرضت المسرحية لمرات بالقاهرة والإسكندرية لكن الحلو لا يكتمل فبعد قليل اهتز العمل فى القاهرة بسبب زيان نفسه!، عندما اتهم فى قضية تعاطى مخدرات. وتوقف العمل، واقترح شاكر أن يأخذ محمد هنيدى دور البطولة وكان يلعب فيها دورا قصيرا ولكنى لم أوافق، ليس لأى سبب إلا لأنه لم يكن ملائما للدور، فالبطل كان فحلا قويا صعيديا مثل زيان وكان من غير المعقول أن يظهر بقامته الصغيرة كبطل مغوار لكنه يقهر تحت وطأة الحوادث التى يمر بها.
ولذلك منعت المسرحية حتى من مجرد التمثيل ولو يوما واحدا لتسجل للتليفزيون.
وفيما بعد سيعمل معى هنيدى فى عدة أفلام لعب فيها دور الساذج والمقهور دائما ونجح فيها باقتدار. وقبل أن أتحدث عن العمل الذى تلا ذلك أريد أن أقول إنه كان واحدًا من أهم مسرحياتى. مازلت أذكر تلك اللحظة كأنها أمس. كانت التيارات السلفية قد اغتالت الرئيس السادات منذ أقل من عام وكانت توقعات البعض أن هذه مجرد البداية، وكنت أقيم لثلاثة شهور بالإسكندرية أقيم وحيدا فى شقه مرتفعة تطل على شاطئ البحر. حيث تعرض مسرحيتى « أنت حر» والوقت غروب، وكنت مكتئبا، ولا عجب فاليوم كان يوم ميلادي!، وهكذا تضافرت كل الأسباب لكى تدفع بسحب الهواجس أن تمطر فجأة، وفى دقيقتين تحولت إلى فكرة واضحة كسطوع الشمس يلتهب بها رأسى، محملة بإحساس قوى يجيش به صدرى فأكاد ألهث من شدة وطأته. قفزت إلى مائدة الطعام وكتبت أعلى الصفحة كعادتى تاريخ 
اليوم (١٨ أغسطس ١٩٨٢).
وفى دقيقتين دونت الفكرة عن شخص يجد نفسه بطريقة غير مفهومة وقد سقط فى بئر الماضى ويضطر فى البداية أن يخفى حقيقته ثم ما يلبث أن يجد نفسه مدفوعا إلى نقل ما يعرفه عن المستقبل للناس لكى يعملوا على تغييره إلى الأفضل لكنهم لا يفهمونه أو يصدقونه، وسرعان ما سجلت بعد سطور (بئر الماضي)، هذا هو اسم المسرحية.. هل الكتابة وسيلة لمقاومة الاكتئاب والوحدة؟. 
هل هى محاولة لمحاربة شيطان العبث الذى يوسوس فى صدور البعض من أمثالى؟، هل حاولت أن أؤكد لنفسى وقد انقضت سنة من عمرى أننى مازلت قادرا على كتابة مسرحية جديدة ورأيت فى نفسى ذلك الشخص الذى سقط فى بئر الماضي؟، ولكى أرضى غروري، وأقاوم خوفى جعلت من شخصى بطلا وتظاهرت بالشجاعة فهزمته على الورق وكأنى أستخف حتى بالهزيمة؟!.