رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رقابة على الرقابة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عام ٨٦ عرض عليه الأستاذ صلاح أبوسيف كتابة فيلم باسم (البداية) وطلب من الأستاذ لطفى الخولى كتابته، لكنه اعتذر لضيق وقته ورشح له اسمى لكتابة العمل، وأخذت فكرة الفيلم ولما قرأته لم يعجبنى وفكرت كيف أرفض العمل بينما الأستاذ صلاح أبو سيف أول من وثق بى لكى أكتب له فيلما وهو هذا الهرم الكبير. ثم قررت أن أقول له إن الفيلم مباشر للغاية بشكل كبير. لكنه قال لى بهدوء إنه ليس قصة كما أريدها ولكى يدرك من يقرؤها مغزى العمل الذى أريده، أما كتابة السيناريو نفسه فهى أمر آخر، وهنا تغير رأيى وعزمت أن أكتبه. وبالفعل بدأنا العمل وكان يحضر إلى منزلى من حين إلى آخر ليناقشنى فيما كتبته وبعد أيام طويلة استقرينا على السيناريو والحوار. 
وكان عن طائرة سقطت فى الصحراء وبها عدد قليل من الركاب، فعاشوا لأيام وكان لابد أن يعيشوا فى هذه الصحراء أن يأكلوا ويشربوا بل يضعوا القوانين الخاصة بهذا الوضع وتقسيم العمل بينهم حتى أصغرهم، لكن أحد الأثرياء استطاع بطرق مختلفة أن يصبح هو الكل فى الكل، عدا رسام وفتاة راحا يقاومانه وبعد صراع ينجحان أن يقاوماه ويكسبا الجميع لهما. ثم تأتيهم طائرة تبحث عنهم فيمشوا جميعهم ما عدا الرجل الثرى الذى يتركونه وحده لمصيره. وبعد العرض وقف أحد الصحفيين يسأل لماذا استخدم الأستاذ صلاح طائرة حربية لتنقذ الجماعة فرد بهدوء لأنه لا توجد طائرات خاصة فى مصر!. 
ثم شارك الأستاذ صلاح فى مسابقة تقام كل عام لحصد أفضل فيلم من أنحاء العالم على طريقة شارلى شابلن، ولما عاد حكى لى أنه شاهد كل الأفلام المعروضة ومعه زوجته وكان «البداية» هو الذى انتزع أغلبية التصفيق حتى كان الفيلم الأخير وكان أمريكى وأخذ أيضا تصفيق الجماهير. فقال إن هذا الفيلم سيأخذ الجائزة. لكن زوجته قالت بل إنه فيلمك الذى سيفوز وكان هناك جائزة لأفضل فيلم فى رأى الجمهور وكان عن طريق أكبر عدد منهم غير جائزة أخرى فى رأى هيئة التحكيم.
وفاز فيلمنا بجائزة الجمهور كما تنبأت زوجته. ولما عدنا رأى الأستاذ أن يهدى الجائزة للرئيس مبارك وأخذنا جميعا لنتركها له فى أحد قصور الرئاسة. وفى هذا الوقت كان هناك ثورة فى أوساط الفنانين لشأن آخر فاقترح أحدهم أن على الرئيس أن يجتمع بكل الفنانين لأنه كان يستعد لإعادة انتخابه. ورحت متأخرا فجاء جلوسى فى الصف الأخير. ونزل مبارك ليسلم علينا جميعا فراح يسلم على الجميع فردا.. فردا. وكان هناك من يقول له اسم كل واحد حتى المشاهير جدا فلما جاء دورى مد يده علىّ بالسلام وهو ينظر للشخص الذى يقف بعدى فلم أتضايق، لكنه ترك غيره يرحب بى بصوت عال، ثم استقبل الرئيس العاملين بالفيلم وحدهم فقط. ولما قابلت الأستاذ صلاح سألته عن التمثال الذى أخذه من الجائزة وتركناه فى أحد قصور الرئاسة فقال إنه لم يأخذه ثانية!
لكن بما أن الشيء بالشيء يذكر يجب أن أقول إننى طيلة عهد مبارك لم يحدث أن تصدى لى أحد قيما كتبته أو حذف سطرا منه (بخلاف الصحفيين) وحدث أنه عرض لى فيلم (بخيت وعديلة) وفات من الرقابة ولكن البعض فى البرلمان كتبوا ينادون ضد الفيلم لأن به سخرية من الحزب الوطنى بجوار الرأسماليين والاشتراكيين والإخوان وباقى الأحزاب. وقرأت فى أخبار اليوم أنهم سوف يوقفون الفيلم وكان قد ظهر فى دور السينما بالفعل ثم اتصلت الرئاسة وقالوا بأنه سيأتى ثلاثة منهم لرؤية الفيلم لا بغرض إيقاف الفيلم وإنما ليخبرونا أن مبارك رفض أن يمس الفيلم بأى شيء وبالفعل جاءوا وشاهدوا العمل وخرجوا دون أى تعليق سوى تحيات مبارك، وقبلها كان بعض رؤساء الوزارة قد جاءوا لمشاهدة مسرحياتى وتمنوا لى المزيد على أن ما أضحكنى بشدة أن رئيس الوزراء شد على يدى مهنئا وقال لى بطيبة حقيقية (خد بالك من نفسك). وكانوا قد حاولوا قتله هو من قبل.
لكن عندما صورت مسرحيتى (زكى فى الوزارة) لتعرض على التليفزيون فوجئت بأن المسئول عن الإعلام وكنت أعرفه لمدة طويلة قبل منصبه يأمر بحذف مشهد كامل رغم أن الرقابة على المصنفات الفنية كانت قد إجازتها بالكامل، ثم وقعت الواقعة وذهب صاحبها مع غيره إلى الظلام الحالك.