الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"البوابة" تنشر خريطة تجارة المخدرات في مصر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
26 مليار جنيه ميزانية مزاج المصريين سنويًا
7 مليارات جنيه قيمة استيراد «البفرة».. و200 طن حشيش و153 مليون قرص مخدر يتم ضبطها سنويًا
«الشبكة السوداء» للترويج تضم باعة وشحاذين وسائقى «توك توك» والتغيير مستمر فى مناطق التمركز
القاهرة الأكثر تعاطيًا والإسكندرية الأعلى فى الاتجار.. و30% من حوادث العنف سببها المخدرات 
لم يفق «مصطفى» الشاب الثلاثينى من حالته التى كان عليها، إلا وهو ينظر مشدوهًا إلى يديه وقد خضبتهما الدماء، بينما ترقد تحت قدميه جثة لشخص كان أعز الناس لديه، تزاحمت الأفكار فى ذهنه، ومر شريط ذكرياته أمام عينيه فى لحظات، سأل نفسه مستنكرا: هل حقا قتلت السيدة التى كانت سببا فى مجيئى للحياة؟.. لم يجد من يجيبه، إذ غلف المكان غطاء من الصمت المقيت، بينما دماء والدته غطت الأريكة التى طالما احتضنته عليها صغيرًا. 
لا يختلف حال مصطفى كثيرا عن العديد من الشباب – للأسف– بل إن ظروفه الاجتماعية والأسرية أتاحت له ما لم تتحه الظروف لكثير من أبناء جيله، فهو ينتمى لأسرة متوسطة الحال، ومنذ وفاة والده الذى كان يعمل مستشارا فى إحدى المحاكم، وهو الابن الأثير لدى أمه، فلم تكن تدخر وسعًا فى تلبية احتياجاته، حتى تخرج من الكلية الفرنسية، ولكنه ككثير من الشباب المصرى، خرج لينضم إلى طابور العاطلين المزعج، دفعه اليأس وفقدان الثقة إلى إدمان المخدرات. 
«مصطفى. م» واحد من المدمنين الذين يقدر عددهم فى مصر بنحو ٣. ٥ ملايين شخص، وفق إحصائيات وتقارير الأمن العام، نفس الإحصائيات أكدت أن حجم المضبوطات من مخدر الحشيش بلغ نحو ٢٠٠ طن سنويًا، وقرابة الـ١٠٠ كيلو جرام من الأفيون، و٢٦٠ كيلو جراما من الهيروين، وقرابة ١٥٣.٥ مليون من الأقراص المخدرة، وأخيرًا ١٧١.٥ كيلو جرام من مساحيق الأقراص المخدرة، هذا هو المعلوم وما خفى كان أعظم، فالقاعدة الشهيرة تقول إن ما يتم ضبطه لا يزيد عن ١٠٪ من إجمالى المهرب. 
تؤكد دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن نسبة الإنفاق على المخدرات فى مصر تتجاوز ٢٦ مليار جنيه سنويًا، بينما تصل النسبة العالمية إلى نحو ٨٠٠ مليار دولار سنويًا، وتؤكد هذا كله الإحصائيات الرسمية الصادرة من جهاز التعبئة العامة والإحصاء، فهى تكشف أن حجم استيراد ورق اللفائف «البفرة» وصل خلال ثمانية أشهر فقط إلى نحو «مليار جنيه»، نصفها يذهب لشركات صناعة السجائر، أما النصف الآخر فيتم تداولها فى السوق بصورة عادية، باعتبارها واحدة من أهم الطرق المستخدمة فى تعاطى المخدرات، خاصة «الحشيش – البانجو». 
مصطفى قال فى التحقيقات إنه أدمن المخدرات منذ ١٠ سنوات، ولم يستطع التوقف عنها، بدأها بتدخين سيجارة حشيش مع أحد رفقائه، ثم بدأ فى تعاطى حبوب الترامادول، وانتهى إلى تعاطى بودرة الهيروين، وبينما مضى رئيس مباحث قسم حدائق القبة المقدم سمير مجدى فى توجيه أسئلته افترش مصطفى الأرض، يبكى مثل طفل فقد دميته، يتمتم بكلمات غير مفهومة، لم يتضح منها غير رغبته فى مفارقة الحياة. 
أضاف مصطفى: «استدنت من كل أصدقائى ومعارفى، بعد أن رفضت أمى إعطائى المال اللازم لشراء «المزاج» قبل يومين، وطردتنى من المنزل، بسبب إدمانى، وليومين متتالين توقفت بغير إرادتى عن تعاطى جرعة الهيروين، حتى جن جنونى، فأمسكت مقصًا حادًا وتوجهت إلى البيت فى منطقة حمامات القبة، لأهددها كى تعطينى ما أريد، ولما رفضت ونهرتنى بدافع الخوف على ما كان منى إلا أن احتضنتها وطعنتها فى ذلك المكان الذى دأبت على تقبيله فى رقبتها».
بشاعة تلك الجريمة دفعتنا إلى البحث حول هذه القضية التى تدفع أهم ثروة يمتلكها هذا البلد «الشباب» إلى الهلاك والموت البطيء، فبحثنا عن خرائط انتشار المخدرات، وكيفية دخولها إلى مصر، وأماكن بيعها، وأشهر أسواقها المعروفة وتلك المجهولة، عن كيفية وصول السم إلى المصريين، وكلما ظننا أننا اقتربنا أكثر من امتلاك الحقيقة كاملة فاجأتنا التفاصيل، التى لم نكن نتوقعها، هل نبدأ القصة من أولها؟
خريطة إحصائيات المخدرات
تتبعنا فى البداية إحصائيات الأمن العام، وتقارير هيئة الرقابة على المخدرات العالمية، وهى إحدى أجهزة هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، وكشفت الإحصائيات عن احتلال مصر المرتبة الثالثة بين دول العالم العربى فى انتشار المخدرات، حيث تم ضبط ٣٧ ألفا و٥٠٨ قضايا مخدرات، شملت ٤٠ ألفا و٨٦١ متهمًا، فى حين بلغت زراعات القنب الهندى، نحو ٤٧ فدانا بعدد ١٠ آلاف شجيرة، وقرابة الـ ٧. ٥ فدان من نبات الخشاش بنحو ٣ آلاف شجرة، خلال عام ٢٠١٥. 
تقول الإحصائيات، إنه خلال شهر واحد فقط، فى يونيو قبل الماضى، تم ضبط ١٠٠٠ تاجر مخدرات، و٤٥ فدانا من نبات البانجو، و١٠ آلاف طربة حشيش، ومليون قرص مخدر، كما وصل عدد الكميات المضبوطة من المخدرات ووفقًا لإحصائيات الأمن العام إلى ٧ آلاف و١٣٩ كيلو جراما من مخدر الحشيش، ونحو ٥٢ طنا و٢٩٧ كيلو جراما من البانجو، فى حين وصل عدد جرائم المخدرات إلى ٢٣ ألفا و٥٦٠ جريمة، بنسبة ١٩٪ تعاطيا واتجارا. 
وتُظَهر الأرقام والإحصائيات أدلة كثيرة، إذ سجلت معظم إحصائيات الأمن العام، بدءًا من ٢٠١٠، وحتى ٢٠١٥، أن معدل ارتكاب جرائم المخدرات، يكون فى أعلى مستوياته فى شهر سبتمبر بنسبة ١٣٪، يليه أكتوبر بنسبة ١١٪، ثم مارس بنسبة ١٠٪، فيما يكون أقل الشهور هو يونيو بنسبة ٥٪ فقط. 
ويفسر اللواء عبد السلام شحاتة، الخبير الأمنى، كثافة قضايا المخدرات خلال أشهر سبتمبر وأكتوبر، قائلا: فى شهور الصيف يزداد دخول المخدرات إلى مصر عبر المنافذ الحدودية وبصفة خاصة «الإسكندرية – سيناء – مرسى مطروح»، ويقول شحاتة إن حجم المضبوطات والنسب تكشف عن الحجم المُبَلغ به فقط، إلا أن هناك أضعاف هذه النسب وكميات المخدرات، وذلك لأنها تجارة غير مشروعة، وبالتالى فالتقديرات دائمًا نسبية، أو من خلال الحجم الذى تم ضبطه فقط، ويضيف إذا تم ضبط قضية مخدرات فإن أضعاف هذه الكمية قد وجد سبيله إلى عقول الشعب المصرى. 
القاهرة الأعلى في "التعاطي"
لم تختلف خريطة توزيع وانتشار المخدرات بين محافظات مصر قبل ثورة ٢٥ يناير عنها بعد ٢٥ يناير، إذ لا تزال القاهرة تستحوذ على النسبة الأعلى فى عدد جرائم المخدرات «التعاطي» بـ٣ آلاف و٦١٣ جريمة بنسبة ١٥٪، تليها الإسكندرية بـ٣ آلاف و١١٩ جريمة، وكانت الشرقية الأعلى بين محافظات الدلتا بـ١٨٥٥ جريمة، فى حين بلغ عدد الجرائم فى بنى سويف ١٠٣٩ جريمة، كأعلى محافظات الصعيد، وفقًا لتقارير الأمن العام ٢٠١٥، بلغ عدد قضايا المخدرات عام ٢٠١٠ فى القاهرة ٤ آلاف و٤٨٧ جريمة، تلتها الإسكندرية بـ٢٦٤٩، ثم الشرقية بـ٢٢٧٠ جريمة، ثم بنى سويف بـ١٥٥٥ جريمة. 
كان هذا عن خريطة التعاطى، بينما كانت المحافظات الأعلى من حيث قضايا الاتجار، فسجلت الإسكندرية النسبة الأعلى بـ٢٠٪ من إجمالى القضايا البالغة ١٣ ألفا و٢٠٧، بنسبة ٥٦٪ من قضايا المخدرات بشكل عام، تلتها القليوبية بنسبة ١٠٪، ثم شمال سيناء ومرسى مطروح والقاهرة بنسبة تراوحت بين ٦- ٥٪. 
ويفسر عبد الرحمن حماد، رئيس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية، انتشار المخدرات سواء كان تعاطيًا أو اتجارا فى محافظات «القاهرة – شمال سيناء – بنى سويف – الشرقية» بأن المخدرات تنتشر فى المحافظات الحدودية شمال سيناء والوادى الجديد لأنهما المنفذ لدخول المخدرات إلى مصر سواء من فلسطين أو إسرائيل أو ليبيا، وبالنسبة للشرقية فإنها المعبر للتوزيع سواء فى الدلتا أو القاهرة، إذ يتم استخدام صحراء بلبيس فى تخزين المخدرات. 
كما يرجع الخبير الأمنى عبد السلام شحاتة، انتشار قضايا المخدرات فى محافظة الإسكندرية إلى كونها معبرًا لدخول المخدرات القادمة من ليبيا إلى مصر، مضيفًا، بالنسبة للشرقية فهى تعتبر «ترانزيت» لكميات المخدرات خاصة الهيروين والحشيش القادمة عبر إسرائيل ولبنان، وبالنسبة لبنى سويف، فإن ذلك يرتبط بالواقع الاجتماعى والاقتصادى الذى تعيشه المحافظة، إذ أنها الأفقر بين المحافظات المصرية، فلا وجود لفرص عمل أو فرص معيشية جيدة، وبالتالى يكثر عدد العاطلين بها، ومن هنا تجد المخدرات طريقها إلى الانتشار والشيوع داخل أراضيها، يتابع الخبير الأمنى. 
العاطلون الأكثر ارتكابا للجرائم
كفكف مصطفى دموعه، وأجلسه عسكرى على كرسى قبّالة مكتب رئيس قسم القبة، كى يجيب عن بقية الأسئلة، مأخوذًا ومذهولًا من المشهد الذى أوقع نفسه فيه، لم يجد الجانى حيلة سوى الاعتراف بأن عدم توافر المال، كونه عاطلًا عن العمل، دفعه إلى قتل والدته بغية سرقة مصوغاتها الذهبية، والاستيلاء على أموالها. 
فى ثنايا كل رقم وإحصائية، دليل ومعنى، لا بد من الاسترشاد بهما، إذ تبرز إحصائيات الأمن العام أن العاطلين هم الفئة الأكبر من مرتكبى جرائم المخدرات بنسبة ٣٨٪ من إجمالى عدد الجرائم البالغة ٢٥ ألف جريمة، يليهم الطلبة بنسبة ٢٢٪، ثم الحرفيين بـ١٧٪. 
وعلق اللواء رفعت عبد الحميد، خبير العلوم الجنائية، على انتشار المخدرات بين هذه الفئات والطبقات، بأن وزارة الداخلية اعترفت بوجود ظاهرتين إجراميتين فى مصر هما «الاتجار والتعاطى وجلب المخدرات» والاتجار فى السلاح، مشيرًا إلى شيوع المخدرات بين صفوف العاطلين بسبب سهولة تهريب المخدرات إلى مصر، وشعور العاطل باليأس لفقدانه معنى الحياة، فضلًا عن الإحساس بالاضطهاد من جانب المجتمع. ويضيف عبد الحميد، أن انتشار المخدرات بين الطلبة بسبب مرورهم بمرحلة انتقال من الطفولة إلى الصبا والمراهقة، لافتًا إلى زيادة تعاطى الحشيش والترامادول بين صفوف الحرفيين لاعتقادهم بأن الحشيش منشط جنسى وليس مخدرا، والترامادول كونه منبهًا قويًا. 
ويوضح خبير العلوم الجنائية، أن التشريعات العقابية فى قوانين المخدرات، لا تعُالج الظواهر الاجتماعية، لذا لا بد من تكاتف المجتمع للقضاء على الظاهرة، مؤكدًا ضرورة التركيز على دور الأسرة والتعليم فى رفع مستوى الوعى بخطورة المخدرات، كما أنه من الأمور التى تجعل التعاطى شائعًا بين هذه الفئات هو اعتبار المنظومة التشريعية «المدمن» ليس مجرمًا ومن الحالات المعفاة من العقاب، خاصة أن المَشّرع اعتبرها حالة مرضية تدمر الفرد والمجتمع، يتابع اللواء عبد الحميد. 
وطالب عبد الحميد بضرورة وجود تشريع دولى يحد من مكافحة المخدرات عالميًا، وذلك إما بتوفير موارد بديلة للدول التى تتعايش على تجارة المخدرات، خاصة الدول الفقيرة مثل أفغانستان وكولومبيا وبعض دول شرق وجنوب شرق أسيا مثل لاو وميانمار. 
"البقرة" الباب الخلفي للإدمان
فى منزل صديقه بحى مصر القديمة، وعلى طاولة قذرة، وَضع عليها بعضا من نبات البانجو والحشيش، جلس مصطفى شارد الذهن، غير مبال بما يجرى حوله، بعد يوم مر من حياته دون أى شيء؛ بينما كان صديقه يفتت «صباع حشيش» ثم وضعه بين طيات ورقة البفرة بعناية، ثم مسها بشفيته و«برمها»، ثم ناوله إياها. 
يسرد مصطفى حكاية سيجارة حشيش تعاطاها، بينما يستمع رئيس المباحث بعناية، وهنا وكما يؤكد خبراء معالجة الإدمان، أن أول طرق الإدمان هو الحشيش المغلف داخل طيات ورق البفرة، وأنها الباب الخلفى التى يدخل منها الشخص إلى عالم الإدمان. 
لذا تتبعت «البوابة» رحلة دخول ورق الدخان أو البفرة إلى مصر، حيث توثق إحصائيات جهاز التعبئة العامة والإحصاء حجم استيراد ورق البفرة بنحو مليار جنيه، بينما يؤكد جمال إمبابى، رئيس شعبة صناعة الدخان ونائب رئيس غرفة الصناعات الغذائية، أن الشركة الشرقية «إيسترن كومباني» لا تستورد ورق البفرة إطلاقًا، إنما تقوم به شركات أخرى، أو أشخاص. 
ويقول إمبابى، إن هناك فرقا بين ورق الدخان الذى يدخل فى صناعة السجائر وورق البفرة الذى يسَتخدم فى تدخين سجائر اللف، مشيرًا إلى أن حجم استيراد التبغ المفروم ومستلزماته بلغت نحو ٣٣ مليار جنيه، ويوضح إمبابى، أن حجم صناعة «الدخان الشعر» لا يتعدى الـ٢٪ من حجم إنتاج مصانع الدخان البالغة ٨٠ مليار سيجارة سنويًا، تتقاضى عليها الدولة ضرائب وجمارك بما حصيلته نحو ٣٣ مليار جنيه، بما يعنى أن حجم استخدام دفتر البفرة يتعدى الـ١. ٧ مليار جنيه سنويًا. 
خريطة تجارة المخدرات في مصر
سأل رئيس المباحث مصطفى عن مكان جلب المخدرات، فـأجاب، بأنه كان يشتريها من دولاب «اسم يطلق على مروجى المخدرات» من منطقة إمبابة، الذى كان بدوره يعمل لصالح تجار مخدرات من محافظة القليوبية.
ويقول اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية السابق، وله دراسة عن تجارة المخدرات فى مصر: «من الصعب تحديد خريطة لتجارة المخدرات فى مصر»، واصفًا تجَار المخدرات بالفئران التى إذا ما اكتُشَفْ جحرها، بحثت عن جحر آخر، إلا أن هناك بؤرا اكتسبت السمعة والصفة بتجارة المخدرات، ولعل أبرزها «إمبابة – الصف – كوم السمن – القليوبية- الجزيرة بأسيوط – شمال سيناء – المرج – مناطق متفرقة بالإسكندرية – صحراء الفيوم»، لافتًا إلى أن هناك تجمعات فى المناطق النائية والعشوائية يصعب تحديدها، معللًا ذلك بأن استراتيجية تجَار المخدرات تقوم على تغيير أماكن تواجدهم باستمرار، إذ أصبح التنقل هو وسيلتهم لعدم الكشف عن هويتهم، يتابع البسيونى. 
«عتاولة المخدرات الكبار»، هكذا وصفهم مساعد وزير الداخلية، يقومون بتوظيف صبية أو نساء أو رجال غير معروفين لترويج المخدرات، وذلك تفاديَا لأعين رجال المباحث، مشيرًا إلى تربص تجَار المخدرات بالأمن، ويضيف البسيونى، أن تجار المخدرات يستخدمون تجار الخضروات، أو الشحاذين فى ترويج المخدرات، وقديمًا كان النقل يتم فى سيارات نقل صغيرة، أما الآن فبدأ استخدام التوك توك بشكل شائع أكثر. تتعدد أساليب ترويج المخدرات ولعل أشهر هذه الطرق، كانت النقل فى ألعاب الأطفال أو داخل حمولات الأخشاب، أو حشوها داخل الأسماك، أو عبر الأطعمة الباردة، لذا على الأمن أن يغير من استراتيجيته لمعرفة الطرق الجديدة، لذا تقوم أجهزة الأمن بزرع بعض عناصرها بين هؤلاء التجار. 
فى حين يرى اللواء عبد اللطيف البدينى، الخبير الأمنى ومساعد وزير الداخلية الأسبق، أن دروب نقل المخدرات إلى مصر عن طريق منطقة الصحراء الغربية خلال الأدلاء والجمال، وذلك لتلك الشحنات القادمة من السودان ومن ليبيا. 
ويقول البدينى، إن شمال سيناء معبر لشحنات المخدرات القادمة من لبنان، مشيرًا إلى أن النقل باستخدام البحر هو الشائع فى عالم مافيا المخدرات لسهولة الاختفاء والتخفى من عيون الأمن وهيئة مكافحة المخدرات العالمية، وبالنسبة للنقل بالطيران فلا يسُتخدم إلا لنقل شحنات قليلة من الهيروين والكوكايين.
وتعد مناطق «الجعافرة بالقليوبية» من أهم المناطق التى ينتشر فيها الاتجار بالمخدرات، ولا يتوقف نشاطها على نوع واحد، إذ ينتشر بها «الحشيش والبانجو والهيروين والمواد والأقراص المخدرة»، أما الكوكايين فتتم زراعته فى سلسلة جبال الأنديز فى أمريكا الجنوبية، وتشتهر دول «بيرو- كولومبيا- بوليفيا»، أما العقاقير فيتم تصنيعها فى الدول الأوروبية، والكبتاجون يتم تصنيعه فى لبنان والأردن ومصر. وعن كيفية دخول المخدرات إلى مصر، يوثق تقرير هيئة الرقابة على المخدرات العالمى، أن مصر يحيط بها عدد من الدول المنتجة لمخدر القنب الهندى، وهى نفسها معبر لتجارة المخدرات القادمة من الهند لأوروبا أو من أفغانستان إلى شمال وغرب إفريقيا. 
ويفسر تقرير هيئة الرقابة على المخدرات، وقوع مصر ضمن حزام المخدرات، بسبب حدودها الطويلة مع دولة ليبيا، وهى من أهم دول الترانزيت فى عالم مافيا المخدرات، إذ وصل حجم تجارة المخدرات العابرة فوق أراضيها لأوروبا لنحو ٧٠٠ مليون دولار خلال ٢٠١٥، بينما يعد المغرب من أولى الدول التى تزرع عشبة القنب المنتجة للحشيش والبانجو، فضلاً عن مجاورته لدولة السودان، الذى هو دولة ترانزيت لتجارة المخدرات العابرة إلى شرق وغرب إفريقيا. 
ويقول تقرير هيئة الرقابة على المخدرات، إن نقل المخدرات يتم عن طريق ثلاثة طرق، عن طريق البحر الذى يسُتخدم فى نقل المخدرات بنسبة ٣٥٪، و٥٩٪ عن طريق النقل البرى بالسيارات والقطارات ووسائل أخرى، وأخيرا باستخدام الطائرات بنسبة ٦٪ فقط. 
مافيا تجارة المخدرات العالمية
بحسب تقرير هيئة الرقابة على المخدرات، فإن إنتاج الحشيش أو عشبة القنب الهندى، لا يزال حكرا على بضعة بلدان فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا، ولا تزال أمريكا الجنوبية تشكل كل الزراعة العالمية تقريبًا لشجيرة الكوكا، وما زال جنوب غرب آسيا «أفغانستان» وجنوب شرق آسيا (أساسا جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وميانمار) يستأثران بالغالبية العظمى من زراعة خشخاش الأفيون غير المشروعة، وعلى الرغم من صعوبة تقييم صنع المنشِّطات الأمفيتامينية «المخدرات الاصطناعية» فإن هناك تقارير تفيد بصنعها فى جميع المناطق. 
يوثق التقرير، أسواق المخدرات غير المشروعة، ودروب التهريب، حيث إن سوق المخدرات متقلبة، و«الشبكة السوداء» وهى السوق الإلكترونية المجهولة للهوية المستخدمة فى البيع غير المشروع لطائفة واسعة من المنتجات، بما فيها المخدرات، مثال رئيسى للوضع الدائم التغير. 
إذ أصبحت إفريقيا منطقة عبور للهيروين الأفغانى المتجه لأوروبا، وبخاصة مناطق شرق إفريقيا، وذلك حيث تزايد حجم الضبطيات من شحنات الهيروين الأفغانى عبر المحيط الهندى إلى شرق إفريقيا وجنوب إفريقيا، بحسب تقرير هيئة رقابة المخدرات. 
هذا علاوة على استمرار استخدام دول إفريقيا منطقة إعادة شحن لتهريب الكوكايين عبر المحيط الأطلنطى لأوروبا، وأخذت أوروبا الشرقية كمعبر، كما أصبحت منطقة غرب إفريقيا مصدرا كبيرا للأقراص المخدرة من الميثامفيتامين المهرب إلى شرق وجنوب شرق آسيا، عبر جنوب إفريقيا، التى أصبحت سوقا ضخما، وأصبح «الدرب الجنوبى» باكستان وإيران، مسار تهريب لتجارة الأفيون الأفغانى إلى أوروبا وجنوب شرق آسيا، وفقا لتقرير هيئة الرقابة على المخدرات. 
ويوضح التقرير أيضا، تغير مافيا المخدرات العالمية، حيث كانت تقتصر فى الماضى كل جماعة إجرامية على التجارة فى نوع واحد من المخدرات مثل الهيروين أو الأفيون، إذ أخذت تتنوع فى التجارة بمواد مخدرة أخرى. 
شرائح وطبقات الفئات المدمنة 
لم يكن مصطفى أميا أو جاهلا، بل هو خريج الكلية الفرنسية وهو مستوى تعليمى غير متاح لكثير من أبناء المجتمع، وهذا يبرز أن الفئات المدمنة أو التى تتعاطى المخدرات ليست جاهلة فقط، بل تنتشر فلسفة الإدمان بين قطاعات عريضة من الشعب المصرى، وقد أجرى المركز القومى للبحوث الجنائية بحثا ميدانيا على عينة من طلاب المدارس الثانوية «٩٢ ألف و٣٩١» فى القاهرة الكبرى، وتبين من خلال الدراسة أن نسبة من يتعاطون المخدرات وصل لـ١١. ٦٪، بنسبة ٩٠٪ من مخدر الحشيش و٧٪ من مخدر الأفيون. بلغ سن الأطفال خلال الدراسة «١٢- ١٨ سنة».
وكشفت الدراسة عن أن أسباب تعاطى الأطفال، بأن ٧٣. ٦٪ سمعوا بها، بينما ٢٩. ٥٪ لديهم أصدقاء يتعاطونها، و١٥٪ لديهم أقارب يتعاطون المخدرات، كما توضح دراسة تم إجراؤها على عدد «٢٣٤٥ من طلبة جامعة القاهرة» و«٢٧٣٥ من طلبة جامعة عين شمس» تكشف انتشار المخدرات بينهم، حيث أكدت الدراسة أن نسبة ٩٪ يتعاطون المخدرات، و١٥٪ يدخنون السجائر. 
وتوثق الدراسة، هبوط سن المدخنين إلى سن «٩ سنوات»، فى حين كانت الفئات الأكثر تعاطيًا ما بين «١٤ - ٢٠ سنة»، فى حين تذهب الدراسة إلى أن نسبة انتشار المخدرات بين طلبة الجامعات تصل لـ ٦٠٪، وأن نسبة المدمنين فى المرحلة الإعدادية ٢٢٪. وعلق الدكتور عبدالرحمن حماد، رئيس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية، على انتشار المخدرات فى هذه الفئات، بأن هذه السن هى بداية السن الخطرة ومرحلة المراهقة، ففى العادة يبدأ الأطفال فى تجربة التدخين من سن ١١ سنة، ثم يبدأون فى تجربة المخدرات من سن ١٤ سنة. 
ويضيف أنه يسود فى الثقافة الشعبية الكثير من الأمثال على أن تعاطى المخدرات ليس إدمانا، مع العلم أنه البوابة الأولى للإدمان.
وتشير الدراسة إلى أن نسب تعاطى المخدرات بين الأصدقاء وصلت إلى ٨٢٪، وفى السيارة ٤٩٪، فى الحفلات ٤٠٪، وفى الحمامات ٢٥٪، وأخيرا فى النوادى الليلية بنسبة ١٥٪، وتقول الدارسة: إن مخدر الحشيش والبانجو هما الأكثر رواجا بين الفئات العمرية، وخاصة الشباب. وبخصوص انتشار تعاطى الحشيش وشيوع البانجو، يقول الدكتور حماد «المصريين يحبون الحشيش» ولا يعتبرونه إدمانا، مشيرًا إلى تعاطى فئات وطبقات متعددة من المجتمع المصرى الحشيش، ثم يأتى البانجو والترامادول، من حيث الانتشار، وذلك لرخص ثمن البانجو، وشيوع ثقافة تعاطيها بين فئات العاطلين والحرفيين، وخاصة فى المناطق الشعبية، مشيرا إلى خطورة البانجو على المتعاطى، حيث يحتوى على نحو ٤٠٠ مركب كيميائى.
ولاحظت الدراسة، عودة عدد كبير من المدمنين المُعَالجين إلى التعاطى مرة أخرى وخاصة من مخدرات «الكوكايين والأفيون» رغم غلو سعره، وارتفاع جنونى فى أسعار المواد المخدرة مثل البيتادين، والتامول، والتالون. 
وطبقا لتقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، يتراوح عدد مدمنى الهيروين فى مصر من ٢٠ إلى ٣٠ ألف شخص، و٩٦٪ من المدمنين هم شباب، ونسبة المدمنين بين سن ٢٠ إلى ٤٠ سنة تتعدى ٧٦٪، وما يقرب من نصف المدمنين لم يسبق لهم الزواج.
وبلغ عدد المدمنين فى مصر نحو ٣. ٥ ملايين حالة، وهى أرقام تقريبية، إذ تشير دراسات أخرى إلى وصول حجم المدمنين إلى ٦. ٥ ملايين مدمن، بينما تراوح حجم الإنفاق على المخدرات بين ١٩ و٢٦ مليار جنيه سنويا. ولعل ما يبرز حجم التضارب، هو أن المؤسسات العلاجية لم تستقبل خلال العام الماضى، إلا ٤٢ ألف حالة إدمان.
ويكشف تقرير هيئة الرقابة على المخدرات، بلوغ حجم متعاطى المخدرات حول العالم لـ٢٤٦ مليون متعاط، أو ١ من كل ٢٠ شخصا فى الفئة العمرية من ١٥ إلى ٦٤ سنة، ويصل المتعاطون من المواد الأفيونية حول العالم إلى ٣٢. ٤ مليون شخص، بنسبة ٠. ٧٪ من سكان العالم. ويصل حجم الإنفاق على المخدرات حول العالم إلى ٨٠٠ مليار دولار سنويا، وأولى الدول تعاطيا هى بريطانيا ثم إسبانيا، تليه الولايات المتحدة، ثم إيطاليا وهولندا، وتأتى مصر ضمن المنطقة البنفسجية ذات الخطر الأقل فى تقرير هيئة الرقابة على المخدرات. 
ويعَّرف الإدمان بأنه حالة من التسمم المزمن، سببه الاستعمال المتكرر للعقار المخدر، يُحَدث رغبة لا يمكن مقاومتها بعد الاستمرار فى التعاطى، وخطورة الإدمان هى تغييب العقل والسيطرة على الإنسان المدمن، بحيث تجعله أسير العقار، إذ يبذل كل غال فى سبيل الحصول عليه، حتى ولو بالقتل. لا يتوقف عند حد معين، ولا يسمح بالنقصان فى الجرعات، بل يميل إلى الزيادة دائما. 
ويقول اللواء مجدى البسيونى، إن الإدمان يجعل الشخص ضعيف الإرادة، إذ لا يقبل تقليل جرعات المخدر، وعند الامتناع عن تعاطى الجرعات، تظَهْر عليه أعراض الحرمان وهى «كثرة التثاؤب- انهمار الدموع- رشح- عطس- عرق- فقدان شهية- اتساع حدقتى العين- رعشة وقشعريرة»، وتزداد إلى الحمى ثم ارتفاع ضغط الدم، وانخفاض الوزن، وتزول هذه الأعراض إذ ما تعاطى جرعات المخدر، مشيرا إلى أن التجربة هى باب الإدمان، حيث يليها تعاط جماعى، ثم تعاط منظم، وأخيرا الاعتماد الكلى على المخدر. 
انتشار المخدرات بين النساء
توثق دراسة حول انتشار المخدرات بين النساء فى المجتمع المصرى صادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية، أن ٣١٪ من النساء المسجونات فى قضايا المخدرات «١٥١٤» متهمات فى قضايا اتجار وتعاط، بنسبة ٣٨٥ متعاطيا، و٤٩٠ بتهمة الاتجار. 
وحول الطبيعة العائلية للنساء المسجونات، توضح الدارسة، أن ٥٧٪ منهن من محافظة القاهرة «٣٢٨ امرأة»، والجيزة بنسبة ٢٨٪، وبالنسبة لنوعية التُهم، فإن ٢٣٪ منهن محبوسات ٦ سنوات، و١٨٪ منهن بالمؤبد. 
وعن انتشار المخدرات بين صفوف النساء فى المجتمع المصرى، يقول الدكتور حماد، انتشر التعاطى بسبب مخدر الترامادول، إذ تعتبره الكثير من النساء منشطا جنسيا أثناء العلاقات الحميمية، أو منبه أثناء ساعات العمل، فضلاً عن تعاطيه للتخلص من ألم الدورة الشهرية. 
بينما يرجع اللواء رفعت عبد الحميد، سبب انتشار المخدرات بين النساء المصريات، إلى الانفلات العائلى الذى تعانى منه مصر، وشيوع روح الفردية، وغياب الترابط الاجتماعى والمجتمعى. 
المخدرات.. طبيعية وتخليقية
يقول اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية، إن المخدرات تنقسم إلى أنواع ثلاث «طبيعية- تخليقية- نصف تخليقية»، والأولى هى مجموعة من النباتات يتم تعاطيها مباشرة مثل البانجو والحشيش والخشاش، والكوكا والكراك، والقات، أما التخليقية فهى التى خلقها الإنسان، وعادة ما تكون كبسولات أو مساحيق أو سوائل، مثل السيكونال وأبو صليبة، والأتيفان، والتاليوم، والبيتادين، و«إل إس دى» المهلوسة، أما نصف التخليقية فهى المورفين والهيروين، وفقا للبسيونى. 
ويقول البسيونى: هناك أنواع من المخدرات المُستحدثة مثل الكراك، ويتم استنشاقه عن طريق استعمال آلة تشبه الـ«بيب، ثم الآيس، والإكستازى»، وتم تخليق أصناف منه «الجنس- الرقص طول اليوم- الحب»، ويتم تسمية الكبتاجون «أبوملف- أبوقوس- عيون بيجو»، كما يتم تعاطى مخدر «إل إس دى» عن طريق تذويبه فى مادة صمغية من مواد طوابع البريد. 
منظومة علاج الإدمان "متعثرة"
تعانى منظومة علاج الإدمان من التعثر، وعدم توافر الإمكانيات التى تساعد الأطباء أو طواقم التمريض على أداء مهامهم، هذا فضلاً عن نقص التدريب والخبرة الذى تعانى منه هذه الأطقم. ويقول الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، إن الوزارة قامت بتطوير وزيادة عدد أسرة علاج الإدمان بمستشفى العباسية، لتصل إلى ١٥٠ سريرا، وفى مستشفى مصر الجديدة ٧٢ سريرا، ومستشفى الخانكة ١٣٢ سريرا، ومستشفى المعمورة ٩٢ سريرا، ومستشفى بورسعيد ٥٠ سريرا، ومستشفى شبين الكوم ٢٤ سريرا، ومستشفى المنيا ١٦ سريرا، ومستشفى بنها ١٨ سريرا، ومستشفى أسيوط ١٢ سريرا، ومستشفى أسوان ١٨ سريرا، ومستشفى شبرا قاص ٢٤ سريرا. ويضيف مجاهد، أنه تم إنشاء المرصد الوطنى للمخدرات بهدف جمع البيانات من أقسام الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية، وتكوين قاعدة بيانات تسمح بوضع استراتيجيات لعلاج الإدمان على أمر الواقع. 
30 % من حالات العنف بسبب المخدرات
يقول مجدى البسيونى، إن إدمان المخدرات يتسبب فى ٣٠٪ من حوادث العنف فى مصر، ونحو ٦٥٪ من الجرائم الأسرية، و٢٣٪ من النزاعات العنيفة، و٥٥٪ طلاق، فى حين بلغت حالات العنف ضد الأطفال ٣٠٪، ونحو ٢٥٪ من جرائم القتل، و١٠٪ من الجرائم المالية، و٣٠٪ من الجرائم الأخلاقية.