الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كي لا يتكرر التكرار! (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إن من يستقرأ التاريخ الحديث لوطننا الغالي مصر ويستنطقه، وخاصة فيما يتعلق بموجات الإرهاب التي ضربت ولا زالت تضر مصر على مدار القرن العشرين المنصرم، ومنذ مطالع القرن الحادي والعشرين الحالي، يجد أن لهذه الموجات الإرهابية المتعاقبة متوالية عددية يمكن حصرها وعدها وإحصائها، بل ويمكن التنبؤ من خلال هذا التسلل المنتظم بالموعد الذي سوف تثور فيه موجة بركان الإرهاب من جديد، ومتى سوف يعود الإرهاب لكي يضرب ضربته الخسيسة مرة أخرى!
فبالنظر في تاريخ الإرهاب في مصر ومع مصر، نجد أن أول موجات الإرهاب في مصر كانت في نهاية الأربعينات من القرن الماضي وبداية الخمسينات، وذلك بسلسة اغتيالات إرهابية، طالت بعض الرموز في السياسة والقضاء، ثم ثارت ثائرة التفجيرات الإرهابية في أماكن شتى ومتفرقة، وكذلك الحرائق التي طالت القاهرة الكبرى كلها من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، حيث تم حرق عدة أقسام للشرطة، وبعض المحلات التجارية وغيرها، في العاصمة في توقيت واحد وفي ساعة محددة، في حدث اصطلح على تسميته فيما بعد بــ "حريق القاهرة"!
ولعل العجب العجاب في "حريق القاهرة" هذا أن أحدًا- و إلى يومنا هذا- لم يحدد الجاني والمتسبب في هذه الحرائق، ومشعلها، أو حتى يوجه له اتهامًا صريحًا، مع كون هنالك من اعترف اعترافًا رسميًا بأنه الجاني!
و هو أمر يبعث الشك ويثير الريبة في النفوس أيما إثارة، وكأن هناك من يريد أن يبرئ الجاني الحقيقي، وأن تلصق التهمة بغيره، أو حتى لا تلصق بأحد بالأساس ومن ثم تقيد ضد مجهول!
تمامًا كما حدث في مصر في الفترة فيما بين يناير 2011 م ويونيو 2013 م والتي راح ضحية الأعمال الإجرامية والإرهابية التي حدثت تحت جنح تلك الفوضى التي سادت البلاد في هذه الأعوام، ثم أُلصقت التهمة بفاعل مجهول اصطلح على تسميته "الطرف الثالث"!
مع كون الفاعل معروف ومكشوف للكافة، في الحالتين ولكن كان المراد هو التعمية عليه وعدم توجيه التهمة إليه!
هذا الفاعل الأصلي في الحالتين المتشابهتين في الواقع والملابسات، وفي فترة الفوضى التي تسبق على الاستقرار، في بداية الخمسينات من القرن الماضي، والتي أحرقت فيه جماعة الإخوان الإرهابية! مصر كلها فيما تم تسميته بــ "حريق القاهرة" وأُلصقت التهمة بمجهول، وكذلك في أحداث الفوضى التي سبقت الاستقرار الذي حل عقب يوليو 2013 م، حيث ذبحت تلك الجماعة الإرهابية الفاجرة، المصريين من الوريد إلى الوريد، في الشوارع والأزقة والميادين، وألصقت التهمة أيضًا بفعل مجهول سمي "الطرف الثالث"!
فقيضت قضية حريق القاهرة تاريخيًا! ضد مجهول مع أن الفاعل الأصلي لها قد اعترف، بما خططته أيدي الإخوان أنفسهم في كتبهم، أنهم هم من قاموا بذلك، وإن لم يسموه بــ "حريق القاهرة"، كما سماه الناس، ولكنهم أكدوا أنهم هم من فعلوها!
الحاصل، أن حرق القاهرة وما زامنه من عمليات إرهابية، واغتيالات سياسية، كانت هي الموجة الإرهابية الأولى التي ضربت مصر في تاريخها المعاصر، مع نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي، أي بعد مرور "عشر سنوات" كاملات، على تأسيس "النظام الخاص السري" للإخوان، على يد المجرم الأكبر والإرهابي الأعظم في التاريخ المعاصر "حسن البنا" وزبانيته، وظلوا خلال تلك السنين العشر، يعدون العدة من أجل انطلاق الإرهاب الذي يستهدف الدولة المصرية للقضاء علي مؤسساتها، ومن ثم السيطرة على ما يتبقى منها!
لقد أسس "البنا" ما أسماه هو "النظام الخاص" أو "الجهاز السري"!، ليكون من وجهة نظره الآثمة بديلًا عن جيش مصر العظيم، وليحل محله في المستقبل (وهو ما يفسر لك لماذا يكره هؤلاء الخونة المجرمين جيش مصر ويتمنون له السوء، لأنه يقف حجر عثرة وعقبة كئود أمام تحقيق مآربهم الدنيئة).
و كانت مهمة هذا الجيش الخبيث المسمى بــ "الجهاز السري أو النظام الخاص" منذ تأسيسه هي القيام بالعمليات الإرهابية القذرة والتي من شأنها إضعاف الوطن وإنهاك الجيش!
وبالفعل أعدوا العدة لذلك وقاموا بشراء السلاح من تجار السلاح في الصحاري المصرية، وبدأوا في التدرب على مهامهم القذرة من استعمال السلاح، وتصنيع المتفجرات وتدبير الاغتيالات وما شابه ذلك، وكان هذا كله يتم بعيدًا عن الأعين في الصحاري والمناطق النائية، ولمدة عشر سنوات كاملات، فلما أحسوا بأنهم قد تأهلوا لمواجهة الدولة، وأن قوتهم قد قويت، خرجوا من جحورهم ونابذوا الدولة العداء، وبدءوا في استخدام العنف ضد مصر وأهلها الطيبين .
فلما واجهوا الدولة، واجهتهم هي الأخرى بدورها، فهزمتهم هزيمة نكراء وتم القبض على قياداتهم ورجالاتهم، فلما أحسوا بالهزيمة وتيقنوا من خسارتهم، وأن الغلبة للدولة لا محالة، وأن المقاومة غير مجدية، بل إن آثارها ستكون كارثية على وجدهم، تراجعوا وعادوا خطوتين للخلف، ودخلوا جحورهم، فسكنوا وسكتوا، فاستكانت الدولة –مع الأسف- لسكونهم، وحسبت أنهم قد قضت عليهم وقطعت قرنهم، وأتت عليهم .
و لكن الحقيقة المرة أن هذا السكون، لم يكن سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة، وأن هدوء الإخوان، كان كتجمد الحية الرقطاء قبل أن تنقض على فريستها لتلتهما، فكان الواقع المرير، أن عاد الإخوان إلى جحورهم لا ليسكنوا، وإنما لينشطوا أشد النشاط بعد حين، ولكي يجتهدوا في تلافي آثار الضربة القوية التي تلقوها، ولكي يعملوا على تجاوز الأزمة، فيعيدوا تجميع ما تشتت متهم مرة أخرى، وترميم ما تصدع من جدران بنيانهم تارة أخرى، بل والاستفادة القصوى من التجربة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، ليعظموا الإيجابي ويتلاشوا السلبي في المرة القادمة، كل ذلك كان يتم في صمت مطبق، وفي غفلة تامة من الدولة والناس، والذين حسبوا أن الإرهاب قد قضي عليه وأنه قد ذهب وبلا رجعة!
ولكن الأخير كان فقط قد قرر أن يأخذ هدنة محارب ليعيد ترتيب صفوفه، وليعود كي ينتقم وليكون أقوى من سابق عهده وأعنف وأكثر خبرة وحنكة، فيضرب ضربته القاضية في أشد لحظات اطمئنان خصمه وغفلته عنه.
استغرق ذلك هذه المرة أيضًا "عشر سنوات" كاملات، قام الإخوان خلالها بتجميع صفوفهم، وعادوا أقوى من سابق عهدهم، فضربوا مصر بموجة إرهابية ثانية أعتى من سابقتها .
لتبقى الملاحظة الاستقرائية التي سوف تتكرر معنا في كل مرة –مع الأسف- أن الإرهاب كان يضرب ضربته، وتثور فورته، مرة كل عشر سنين!
ثم تقاومه الدولة عامًا أو عامين أو يزيد قليلًا، فتنطفئ حدته، وتخور قواه، ويفقد قوته، وتظن الدولة أنها انتصرت عليه، لتصدمها المفاجأة بعد عشر سنوات أخرى بأنه قد عاد مرة أخرى أقوى مما عليه كان، فتقاومه بالطريقة ذاتها، حتى إذا ذهب عاد مرة أخرى، ونظل هكذا في حلقة مفرغة، بين إرهاب ومقاومة، ولكننا ولكي نكسر هذه الحلقة ولكي نخرج منها، ولكي لا يتكرر التكرار في كل مرة، علينا أن نغير الطريقة الخاطئة في تعاملنا مع الإرهاب، وذلك بأن نقتلعه اقتلاعًا من جذوره، بدلًا عما نفعله في كل مرة من اجتثاث شجرته، من فوق الأرض ونترك الجذور ضاربة في العمق، فتنمو بذلك شجرته مرة أخرى، بل وتخرج أشد فتوة وأعتى قوة من المرة الأولى، ثم تلقى علينا بظلال التكفير ومن ثم التفجير والقتل وسفك الدم.
و في المقال القادم -إن شاء الله- نبينُ لماذا يتكرر التكرار في كل مرة، وما ينبغي علينا فعله: كي لا يتكرر التكرار .