الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

برلمان ٢٥/٣٠

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن أحد قبل ثورة ٢٥ يناير يضع انتخابات مجلس الشعب فى الحسبان.. لأن الشعب المصرى باختصار كان فاقدًا للثقة تماما فى عهد مبارك.. وكان حدث الانتخابات يمر على البلاد مرور الكرام.. لا أحد يشعر به أو يعيره اهتماما.. فالمصريين كان لديهم شعور تمكن منهم بقوة أثناء حكم المخلوع.. بأن البلد ليس بلدهم هو بلده هو وعائلته وحاشيته.. كما أنهم كانوا على يقين من أن الانتخابات يتم تزويرها بنسبة ١٠٠٪، وهو ما كان سببا مباشرا فى إحجامهم عن المشاركة.
وبعد خلع نظام مبارك بثورة ٢٥ يناير العظيمة.. والتى ستظل عظيمة للأبد ولو كرهه الكارهون.. شعر المصريون أن وطنهم ملكهم والبلد أصبح لهم، وكانت أول انتخابات برلمانية عام «٢٠١١» شارك وترشح فيها كل الأطراف، ولكن التيارات الإسلامية كالعادة وعلى رأسها الإخوان، أتلفت الحدث خاصة بعد نجاحهم واستحواذهم على الأغلبية فى البرلمان، ولكن الشعب المصرى شارك بقوة كبيرة فى هذه الانتخابات وخرجوا بالملايين، ووقفوا فى الطوابير فى عز البرد والمطر، وقد يكون الحس الثورى فى هذا الوقت هو السبب، ولكنى أعتقد أن شعورهم بأن البلد بلدهم كان السبب الرئيسى والأهم.. وهو ما نتج عنه أنهم تأكدوا أن عصر التزوير انتهى، وأن كلمتهم هى العليا وأن مصر أصبحت دولة محترمة بالفعل مثل الدول العظمى تشهد انتخابات نزيهة لا تشوبها شائبة وبالتالى فإن أصواتهم غالية ولها قيمة.
وفى انتخابات البرلمان التى تجرى الآن وهى الأولى بعد ثورة ٣٠ يونيو والاستحقاق الثالث والأخير فى خارطة الطريق.. فإن المصريين أحجموا عن المشاركة فيها بالمقارنة بالانتخابات السابقة.. وعموما أيا كان السبب الذى جعل الناس يحجمون عن المشاركة بقوة.. لأن الأسباب عديدة سوف يقوم بكشفها وتناولها المحللون السياسيون بعد انتهاء الانتخابات.. ولكن الحقيقة فإن النغمة السائدة بأن هذه الانتخابات هى انتخابات ٣٠ يونيو وليست ٢٥ يناير وأنها مواجهة بين الثورتين، هو كلام يعود بالتأثير السلبى على البلد بأكمله، فإن الثورتين ملك للشعب المصرى شارك فيهما، بروحه ودمائه وشبابه ورجاله ونسائه، والثورتين سقط فيهما شهداء هم أبناء هذا الوطن ومن أجله ضحوا بأنفسهم، إذن هو وطن واحد وثورتان والتفرقة بينهما ليس فى صالح أحد، وبصراحة لا أفهم هذه النغمة التى تقول إن الانتخابات مواجهة بين رجال يناير ورجال يونيو، إن من قام بثورة يناير هو أيضًا من دعى وشارك فى حملة «تمرد» وقاد المسيرات فى ثورة يونيو، وواجه الإخوان وحاربهم طيلة عامهم الأسود فى الشوارع وأمام مكتب الإرشاد وقصر الاتحادية وسقط من بينهم العديد من الشهداء برصاص الإخوان تارة ورصاص داخلية الإخوان تارة أخرى.. وأعتقد أن هناك مشاهد ستظل شاهدة على نضالهم الحقيقى والشريف ضد قوى الشر والظلام لن يمحوها الزمان.
وإن كان هناك فارق بين الثورتين لمن يريد أن يتكلم فى الفارق.. فبمنتهى الوضوح لا يخفى على أحد أن أجهزة الدولة كانت تقف خلف ثورة ٣٠ يونيو بكل قوة تدعمها وتحميها.. ونفس الأجهزة كانت ضد ثورة ٢٥ يناير بكل قوة أيضا، لأنها فى ذلك الوقت كانت لا تزال أجهزة دولة مبارك وليس أجهزة الدولة المصرية، وكانت تحارب قيام الثورة وتحاول جاهدة القضاء عليها وإجهاضها.. وهذا هو الفارق الذى ليس فى مصلحة أحد التحدث عنه الآن.
وعلينا أن نتجاوز ذلك من أجل المصلحة العامة.. ونقول إن الثورتين هما أعظم وأشرف وأطهر ما حدث فى مصر بعد حرب أكتوبر المجيدة، الشعب المصرى شارك فيهما بغرض وطنى بحت من أجل تخليص الوطن من أنظمة فاسدة وقاتلة كانت تقود البلد وشعبها إلى الهلاك.. وهذه المصلحة العامة أيضا هى التى تستوجب التوقف عن صنع الفرقة التى تحطم دائما أى تقدم قد يحدث على الأرض.. كما أن لغة التشوية أصبحت تمزق الوطن وتذهب به إلى الجحيم، أصبحنا نمارس التشوية على أنفسنا حتى أصبحنا جميعا مشوهين، كل منا يرى أن المختلف معه فى الرأى خائن وعميل.. وقد غابت الموضوعية تماما وسط هذا المناخ الملوث بالتخوين والتشوية، ونحن للأسف قد أصبحنا الآن ضد أنفسنا، ولن يخرج أحد منتصرًا من هذا السباق غير الشريف على الإطلاق.. وقد يكون ذلك سببا من أسباب عدم مشاركة المصريين بقوة فى الانتخابات، خاصة بعد أن أصبح حزب الكنبة الذى يتحرك دوما دونًا عن كل أحزاب مصر كلها.. مشتتًا لا يعرف المخلص من الخائن.. الشريف من العميل.. تاه المصريون وسط حملات التشوية والانقسامات والتفرقة.. وعزلوا أنفسهم عن مناخ الانتخابات وكأنها تجرى فى دولة أخرى.
وفى النهاية فإن الشيء الوحيد الإيجابى الذى نخرج به من الانتخابات التى تجرى الآن هو أنها تكتب نهاية عصر الحزب الوطنى ومبارك وتسدل الستار عن فترة الإخوان السوداء.. الانتخابات تغلق باب الماضى إلى الأبد وهى أحد إنجازات الثورات المباركة بكل ما فيها وما حدث بعدها، لأن ما حدث بعد الثورتين من فوضى ومحاولات تشبث فلول كل نظام بمكانه ومصلحته هو طبيعى وحدث فى كل مكان على الأرض حدثت فيه ثورة.. ولكن كل هذا لا ينفى أن الثورة حدث عظيم تجلب التغيير وتصلح من حال الوطن مهما تأخر ظهور الإيجابيات.
miramalash@gmail.com