الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من بيرم وصدقي إلى هبة مجدي ومحمد محسن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه هى مصر بحق.. معطاءة «ولادة»، ودومًا زاخرة بالمواهب والقدرات الرائعة لأبنائها، فى كل المجالات، ومن بينها وفى مقدمتها الفن.. وهذا هو الفن بحق: كما رأيته هذا الأسبوع فى مسرحية غنائية من عيون تراثنا البديع، فى مسرحنا القومى العريق الذى يعود ، إنها (ليلة من ألف ليلة)، تأليف مؤسس وعبقرى شعر العامية المصرية، بيرم التونسى، وتلحين الموسيقار العملاق، أحمد صدقى.
وسبق أن قدمها فى إحداها عملاق آخر لدينا لكن فى فن الأداء التمثيلى هو يحيى الفخرانى (منذ نحو عشرين سنة مع المطربين القديرين، على الحجار وأنغام).. وها هو الفخرانى، بكل تميزه وحضوره الاستثنائى، يعود لتقديمها مع موهبتين جديدتين رائعتين فى فن الطرب الحق، وأيضًا فى فن التمثيل، هما هبة مجدى، ومحمد محسن. بل إن «هبة» عرفت أولًا كممثلة مرهفة تتمتع بالحضور والإجادة فى مسلسلات المخرجة الكبيرة إنعام محمد على وغيرها، لكنها فنانة أداء شاملة درست الباليه ثم درست الغناء وحاليًا تُدرسه لتحصل فيه على الماجستير، فى نفس الوقت الذى تقف فيه على خشبة المسرح لأول مرة، فتقدم فى «ليلة من ألف ليلة»، وبرقى فنى، أول خلاصة لهذه الخبرات والمواهب المتنوعة فى آن معاً.. إنها تذكرنى بالمطربة الكبيرة عفاف راضى، من حيث عمق وصدق الموهبة، والجمع بين الفن والعلم، وأيضًا التألق الواضح فى المسرح الغنائى بل من حيث أيضًا مدى الرقى الإنسانى.
ومن يتابع كذلك الموهوب الشاب محمد محسن، يجده امتدادًا صادقًا أصيلًا لأفضل ما فى فن الغناء الحقيقى لدينا، وفى نبرته ما يذكرنا بشذى أو شىء جميل فى صوت وروح المطرب الكبير كارم محمود، الذى للمصادفة سبق أن قدم يومًا نفس الدور (الخليفة الطيب العاشق لابنة الشحاذ)، فى نفس المسرحية «ليلة من ألف ليلة».. لكن تظل لمحسن روحه وشخصيته الفنية المبدعة الخاصة، ومن يعرفه، أو حتى مثلى لا يعرفه شخصيًا، وإن كنت استمعت إليه، يلمس بوضوح فيه أنه من الطراز الذى يأخذ نفسه وفنه بجدية، ولديه طموح حقيقى أن يساهم بكل ما يستطيع من عطاء فى تطوير مجتمعه وفنونه.
لقد بادرت بالتوقف أمام أحدث المواهب.. وهذا ما يحدث لى أيضًا أمام كل المواهب الجديدة الرائعة التى أراها توعد وتبشر، (كما يحدث مثلًا كلما رأيت دفعات المسرح التى يرعاها المسرحى الكبير خالد جلال فى دار الأوبرا، مبكرًا ومنذ عرض «قهوة سادة»..)، فبقدر ما أفرح بالجديد الجميل الطالع، أشعر بغصة وأسى لما أعرفه من ظروف معقدة وبائسة فى مناخنا العام، الذى بدلًا من أن يساعد على أن تتفتح كل الزهور فى كل المجالات، فإنه منذ حوالى أربعة عقود يحاصر ويمسك بالخناق، ولا يتاح التقدم وسط كل هذه العوائق والخضم القاسى إلا بشق الأنفس.. لكن كم من مواهب جميلة تتعثر ولا تستطيع أن تتنفس على الطريق الطويل الصعب!
إننا نحيى مخرج مسرحية «ليلة من ألف ليلة» محسن حلمى، على تقديمه البارع المتقن لهذا العرض الكبير، ونحيى مدير المسرح القومى الجديد، وهو الفنان الممثل القدير يوسف إسماعيل، للدأب والمثابرة من أجل تقديم أجمل الإبداعات فى أصعب الظروف، بل فى مرحلة انحسار للمسرح لم يعرف هذا الفن العظيم مثيلًا لها فى كل مراحله لدينا!.. ونحيى كل جهود الذين أسهموا فى العرض خاصة محمد الغرباوى فى الديكور، ونعيمة عجمى فى تصميم الأزياء، ويحيى الموجى فى التوزيع الموسيقى، وكل المؤدين إلى جانب هبة مجدى ومحمد محسن، خاصة المخضرم القدير لطفى لبيب والمتميزين سلمى غريب وضياء عبدالخالق وخالد جمال، وفى ظل (المايسترو) وسط فريق المؤدين يحيى الفخرانى بكل اقتداره وإشعاعه الخاص (فى دور «الشحات» الذى به روح جحا أحيانًا ونموذج اللص الظريف أحياناً، ووالد بطلتنا التى بها روح سندريلا التى يحبها الأمير أو الخليفة).
وإذا كان ما يعود فيضىء مسارحنا هو اجتهاد إبداعى جديد فى تقديم قطعة ثمينة من تراث مسرحنا الغنائى (ليلة من ألف ليلة).. فإن فرحتنا أكبر، لأننا توقفنا عن إبداع هذا اللون الخلاب منذ عقود طويلة، ضمن كثير توقفنا عن إبداعه!.. ويكفى أن المسرحية أحد إبداعات الشاعر الثورى «بيرم التونسى» الذى كافح طويلًا ومريرًا، ونفى مرارًا من أجل مصر واستقلالها وتقدمها.. (إلى أن منحه جمال عبدالناصر الجنسية المصرية فى ١٩٥٤ ووسام الفنون والآداب فى ١٩٦٠)، ويكفى أنها للموسيقار الخالد «أحمد صدقى» الذى فى صدارة من قدموا العروض و«الصور» الغنائية كيفا وكما.. ونتمنى أن تلتفت الأجيال الحديثة لمدى تميزه وقيمته، إن صدقى موسيقار رائد قدم الموسيقى والألحان المصرية والطرب العربى الأصيل.. كأعظم ما تكون الأصالة وأشجى ما يكون الطرب وأرفع ما تكون الموسيقى والألحان.