الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خزينة أسرار الدولة "2"

أميرة ملش
أميرة ملش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • مصر أمرها عجيب حقًا، وهو ليس جديدًا عليها فهى هكذا دائمًا، بلد العجايب، ومن الصعب أن تجد أى مواطن يفهم ما يحدث فيها على وجه الدقة، بل إن المواطن ينساق وراء الأحداث بشكل دائم يهلل ويكبر ويتعاطف ويغضب أو يفرح، وينتهى الحدث دون معرفة ما وراءه، والناس تقريبا اعتادوا هذا الدور، والمصريون شعب روتينى إلى حد كبير رغم أنهم يلعنون الروتين كل يوم، ويسبونه كل لحظة، لذلك يتحركون إلى التغيير بعد حين، ولكن الحمد لله أنهم يتحركون.
  • من الأشياء العجيبة فى مصر هو مسألة تحريك قضايا الرأى العام، يعنى مثلا تجد قضية بسيطة تتحول فجأة إلى قضية رأى عام كبري، وتصبح حديث الساعة يتحدث عنها الجميع فى برامج «التوك شو» وتقرأ عنها يوميا فى الصحف، كما أن أحاديث الناس لا تخلو من تناولها، وفى نفس التوقيت يصرف النظر مع سبق الإصرار والتعمد عن قضية كبرى من حق المجتمع التعرف على تفاصيلها وسير التحقيقات فيها.
  • وطبعًا غياب الشفافية يفتح الباب أمام التوقعات والتكهنات والمزيد من الشائعات، ومثال حى على ذلك قضية الراقصتين «شاكيرا وبرديس » التى حكم فيها أخيرًا بالحبس ستة أشهر بتهمة التحريض على الفسق وخدش الحياء العام، بسبب تصوير أغانى فيديو كليب ورأت الدولة أنهما رقصتا فى هذه الأغانى بشكل مبتذل وملابس فاضحة مما يضر مشاعر الناس ويخدش حياءهم، رغم أن كل شخص لديه حرية تامة فى مشاهدة أى شيء يعرض أو يقلب المحطة، لكن الدولة التى تتحرك بناء على ما تحتويه «خزينة الأسرار » رأت فى كليبات الراقصات خطرًا
  • داهمًا على الشعب، وتم تناول القضايا بشكل علنى لنشاهد جميعًا صور الراقصتين بعد القبض عليهما، سواء فى القسم أو فى قفص الاتهام أثناء المحاكمة بمابس الحبس، فى كل الجرائد والمحطات التليفزيونية، مع نشر التحقيقات وتفاصيل القضية بمنتهى الوضوح، وينشغل المجتمع كله بـ«شاكيرا وبرديس»، وتنقسم الآراء بين موافق ومؤيد لحبس الراقصتين وكل من على شاكلتهما، وهم يرددون «أحسن يستاهلوا « » أيوه كدا خلى البلد تنضف بلا قلة أدب»، وغالبا هؤلاء يسعدون جدا بمشاهدة هذه الكليبات، ويوجد فريق آخر رافض وغاضب من اتجاه الدولة العجيب فى مطاردة الراقصات والمغنيات وكأننا أصبحنا فجأة دولة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تاركين كل مشاكلنا ومصائبنا وفقرنا ومرضنا ونركز فقط مع الرقص والمغنى والملابس العارية، وطبعًا لم يصدر قرار بحظر النشر رغم أن القضية متعلقة بالآداب العامة بل على العكس كان هناك تشجيع على النشر.
  • وفى توقيت متزامن تصعد على السطح قضية فساد خطيرة، قضية تتعلق بسرقة ونهب قوت الشعب، بالاستياء على أراضيه وسلب حقوقه، وأبطال القضية من فصيلة «الكبار » هؤلاء الذين يصبح غالبية المجتمع بسبب فسادهم وموت ضمائرهم، فقيرًا ومريضًا وجاهلً، لا يجد عملً ولا علاجًا ولا تعليمًا ولا حتى لقمة العيش غير المسرطنة، والقلة أغنياء يستحوذون على نصيبهم ونصيب غيرهم من كل شيء، كما تنتشر بسببهم الجريمة التى تزيد تدريجيًا مع الفقر كما يقول علماء الاجتماع، وفى مصر القلة تسكن القصور والغالبية تسكن القبور.
  • ولكن فجأة ونحن جميعًا فى طور الحديث عن القضية والجميع لديه الرغبة فى معرفة التفاصيل يصدر قرار «بحظر النشر .»
  • حظر النشر، أحيانا يحدث بشكل رسمى أى بقرار من النائب العام بذلك، وأحيانا أخرى يتم بشكل غير رسمى بتجاهل الإعلام لما يحدث تمامًا وظهور قضية أخرى مثيرة مع الاهتمام الزائد بها، والنفخ فيها لتصبح أهم مما هى عليه، ويهتم الناس بها متناسين القضية الأخرى التى تريد السلطة صرف المجتمع عنها وإلهاءهم عن الحقيقة.
  • وفى قضية الفساد الأخيرة، والتى صدر بشأنها «حظر النشر » مع احترامنا الكامل لأحكام القضاء ولخزينة أسرار الدولة، فإن المجتمع الذى يجلس ليل نهار على مواقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك وتويتر » يتكهن ويتوقع ويسمع أخبارا من هنا وهناك عن الكبار المتهمين أو المتورطين فى القضية، وكل من لديه معلومة يكتبها لتنتشر بعد دقائق، ثم يفتح باب الشائعات، والتى أظن أن هناك من يفرح بالشائعات ويدعم وجودها بقوة من السلطة، ولا يوجد مانع من المساهمة فيها بتسريب اسم أو أكثر من المتهمين فى القضية، ولكن أحدهما صحيح والآخر غير صحيح، بتسريب خبر كاذب عن شخص مشهور ألقى القبض عليه وأصبح قيد التحقيق، ويظهر الشخص بعد ساعات قليلة معلنًا كذب الخبر، ويضع صورة له فى التو واللحظة، وهو يدير ندوة فى مكتبه، وذلك يحدث حتى تصبح الحقيقة تائهة ولا يعرفها أحد، وبذلك يشعر الناس بأن القضية فشنك، لأن بعض الشخصيات تنفى صلتها بالقضية مما يسفه من الحقيقة ومن القضية نفسها.
  • هكذا تدار الأمور فى مصر عن طريقة خزينة أسرار الدولة، يتم توجيه الرأى العام لقضية «شاكيرا وبرديس » بعد تناولها على طريقة «فضيحة بجلاجل وجرسة بحناجل »، ويتم صرف المواطنين عن قضايا الفساد الكبرى على طريقة «حظر النشر » من ناحية وإطلاق الشائعات للتسفيه من القضية وإشباع فضول الناس من ناحية أخري.
  • وعمومًا هذا ما كان يحدث دائمًا فى مصر، وهو ما يسمى فى الإعام «الالتفات » وهو أن تقوم السلطة بصرف الرأى العام عن حدث بحدث آخر، فقد أرادت صرف الناس عن نكسة 1967 عن طريق استغلال ظهور «العذراء مريم » فى كنيسة الزيتون، والتغطية على قضية الإرهاب فى الأقصر عام 1997 والتى أطلق عليها «مذبحة الأقصر » بقضية دعارة ضمت فنانات مشهورات ونجمات من العيار الثقيل، وهكذا مازال السيناريو مستمرًا، ويتم صرف الناس عن قضية فساد كبرى متورط فيها كبار القوم من رجال أعمال ووزراء على طريقة حاميها حراميها، إلى قضايا الراقصات والعرى والكليبات الخليعة، ومازال فى الجراب يا حاوي.