الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

رحلة المسيح والعذراء على أرض "طيبة"

باحث مسلم تتبع الرحلة الربانية واقتحم حدود التاريخ

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ العائلة المقدسة دخلت محافظة الشرقية.. وأنبع السيد المسيح عين ماء في الزقازيق.. والبتول أحمت المسيح وغسلت ملابسه في مسطرد ■
هربت بطفلها من جبروت هيرودس على حمار.. ورافقها يوسف النجار
■ بلبيس حملت «ماجور» خبز العذراء.. وعين شمس باركتها بشجرة مريم ونبع المسيح المبارك
بلغة جميلة شيقة وأسلوب سلس استطاع الدكتور ياسر مصطفى، أن يقدم وصفا تفصيليا لرحلة العذراء مريم والعائلة المقدسة إلى مصر لتخرج الرحلة من الإطار الكنسى الدينى إلى الشأن المصرى العام.
كتاب «رحلة العائلة المقدسة»، طرح جديد بسيط لرحلة العائلة المقدسة لباحث أكاديمى وكاتب متعمق متأن لدراسة هذه الرحلة الشاقة، يشق فيها الكاتب أحيانًا كبد السماء محدثك عما هو إلهى ربانى ويعود بك أحيانًا إلى الأرض ومقتحمًا بك التاريخ فى حضاراته المتعددة الزائل منها والقائم حتى وقتنا الحاضر.
دراسة رحلة العائلة المقدسة، ليست تاريخًا يسجل ولكن لإعلان خطة الله الحكيمة الواعية التى يقود بها خلائقه على مر التاريخ ليحقق لهم الأفضل من خلال إعلاناته الإلهية المكتوبة والمتحدث بها على فم رسله وأنبيائه.
والجديد أن الباحث الذى يتتبع خطوات العذراء مريم على أرض مصر هذه المرة هو باحث مسلم، وكتابه حصل على موافقة مجمع البحوث الإسلامية.
يعرض الكتاب كثيرا من تفاصيل هذه الرحلة، حسب ما ورد فى نصوص التوراة والإنجيل، التى بين أيدينا، مستأنسًا بإشارات القرآن الكريم حول مقام العائلة المقدسة ورحلتها مع الصبر والتحمل، إذ يسرد الكاتب حياة مريم ابنة عمران ونسبها وأمها وأبيها، وأن «حنة» أمها كانت عاقرًا فتمنت من الله مولودا يملأ عليها حياتها، فحقق الله أمنيتها إذ كانت تنوى أن تهب المولود للبيت المقدس، لكنها وضعت أنثى وليس ذكرا، فشبت مريم على خير ما تنشأ عليه النساء، عابدة ناسكة تتضرع إلى الله وتسبحه بخشوع وطمأنينة ويأتى لها الملاك بالبشارة «يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» (آل عمران ٤١).
القرآن الكريم، رفع العذراء البتول فى مقام عظيم، فلم نجد تقديرًا أعظم من تقدير الله لمكانتها فهى أشرف وخير نساء العالمين، بما اصطفاها المولى وطهرها، إذ كرمها الله بأن رفع ذكرها فى أمة الإسلام كرمز وقدوة، وسيدة لنساء العالمين.
الهروب من هيرودس الجبار
ويتتبع الدكتور ياسر رحلة العائلة المقدسة إلى مصر المكونة من السيدة مريم ابنة عمران وابنها المسيح ويوسف النجار، ثم لحقه بالرحلة أثناء وجوده فى الدير المحرق يوسى وسالومى وكان الدافع لهذه الرحلة أن الملك هيرودس الجبار يريد هلاك الصبى.
خرج يوسف النجار من أرض فلسطين كما أمره الملاك، وخرجت معه السيدة العذراء القديسة مريم راكبة على حمار وتحمل على ذراعيها ابنها، لم تكن رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر بالأمر الهين، بل جاءت رحلة شاقة مليئة بالآلام والمتاعب، وسارت خلالها السيدة العذراء حاملة طفلها ومعها يوسف عبر برية قاسية عابرة الصحارى والهضاب والوديان متنقلة من مكان إلى مكان، وكانت هناك مخاطر كثيرة فقضت العائلة المقدسة فى بعض المدن أسبوعًا أو بضعة أيام، وكانت أطول مدة فى جبل قسقام حيث الدير المحرق، وبدأت الرحلة تنتقل من مكان لآخر؛ من بيت لحم بفلسطين إلى أرض مصر.
مسطرد «محمة المسيح»
دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى، وفيها أنبع السيد المسيح عين ماء، وغادرت العائلة المقدسة المدينة متجهة نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد (المحمة)، وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠ كم تقريبًا وكلمة «المحمة» معناها مكان الاستحمام، وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه، وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضًا على مسطرد، وأنبع السيد المسيح له المجد نبع ماء لا يزال موجودًا إلى اليوم.
ومن مسطرد انتقلت العائلة المقدسة شمالًا نحو الشرق إلى مدينة بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية، وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى ٥٥ كم تقريبًا واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة، عرفت باسم «شجرة العذراء مريم» ومرت العائلة المقدسة على بلبيس أيضًا فى رجوعها.
ومن بلبيس رحلت العائلة المقدسة شمالًا إلى بلدة منية سمنود - منية جناح، ومن منية سمنود عبرت نهر النيل إلى مدينة سمنود (جمنوتى - ذبة نشر) داخل الدلتا، واستقبلهم شعبها استقبالًا حسنًا فباركهم السيد المسيح له المجد ويوجد بها «ماجور» كبير من حجر الجرانيت، يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها، ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد بنفسه.
وقد ظهر قدم المسيح على حجر، ومنه أخذت المدينة اسمها بالقبطية، وقد أخفى هذا الحجر زمنًا طويلًا خوفًا من سرقته فى بعض العصور - واكتشف هذا الحجر ثانية من حوالى ١٣ عامًا فقط.
وإذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعى أثناء سيرها من ناحية سمنود إلى مدينة سخا، فلابد أنها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ، ويقول البعض أنها عبرت فى طريقها فى برارى بلقاس.
ومن مدينة سخا عبرت العائلة المقدسة نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا، وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون (الاسقيط)، وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان.
عين شمس مدينة اليهود
ومن وادى النطرون ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا ناحية مدينة القاهرة، وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس (هليوبوليس - أون ) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠ كم.
وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى معبد أونياس وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم - بشجرة مريم وأنبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه.
ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الأرض فنبت قى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم أو البلسان يضيفونه إلى أنواع العطور والأطياب التى يصنع منها الميرون المقدس.
ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهة ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى فى طريقها لمصر القديمة.
ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة، وتعتبر منطقة مصر القديمة من أهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى أرض مصر، ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أيامًا قلائل، نظرًا لتحطم الأوثان فأثار ذلك والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع. ويوجد بكنيسة القديس سرجيوس (أبو سرجة) الكهف أو المغارة التى لجأت إليها العائلة، وتعتبر من أهم المعالم المقدسة بمصر القديمة.
ارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب، حيث وصلت إلى منطقة المعادى - إحدى ضواحى منف - عاصمة مصر القديمة.
«العدوية.. المعادى» حكاية اسم
وقد أقلعت العائلة المقدسة فى مركب شراعى بالنيل متجهة نحو الجنوب، بلاد الصعيد، من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية، لآن منها «عدت» العائلة المقدسة إلى النيل فى رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادى. وما زال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودًا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
ومن الأحداث العجيبة التى حدثت عند هذه الكنيسة، أنه فى يوم الجمعة ٣ برمهات الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦، وجد الكتاب المقدس مفتوحًا على سفر أشعياء النبى الإصحاح ١٩: ٢٥ : «مبارك شعبى مصر». طافيًا على سطح الماء فى المنطقة المواجهة للكنيسة من مياه النيل.
وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس، على مسافة ١٠ كم غرب اشنين النصارى، مركز مغاغة وبجوار الحائط الغربى لكنيسة السيدة العذراء يوجد بئر عميق، يقول التقليد إن العائلة المقدسة شربت منه.
مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس «بيت يسوع»، شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا - بنى مزار، وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.
ارتحلت العائلة المقدسة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق، حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير «اكورس» شرق سمالوط، ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالى ٢ كم، حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية.
وسمى جبل الطير بهذا الاسم لأن ألوفا من طير «البوقيرس» تجتمع فيه، ويسمى أيضا بجبل الكف، حيث يذكر التقليد القبطى أن العائلة المقدسة، وهى بجوار الجبل، كاد أن تسقط عليهم صخرة كبيرة من الجبل، فمد الرب يسوع يده، ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت، وانطبعت كفه على الصخر.
شجرة الغار تسجد للمسيح فى المنيا
وفى الطريق مرت العائلة المقدسة على شجرة لبخ عالية «شجرة غار»، على مسافة ٢كم جنوب جبل الطير، بجوار الطريق المجاور للنيل، والجبل الواصل من جبل الطير إلى نزلة عبيد إلى كوبرى المنيا الجديد. ويقال إن هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد، وتجد أن جميع فروعها نازلة على الأرض ثم صاعدة ثانية بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.
غادرت العائلة المقدسة منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية، واتجهت نحو الاشمونين الثانية وحدثت فى هذه البلدة كثير من العجائب، وسقطت أوثانها، وباركت العائلة المقدسة الاشمونين.
ارتحلت العائلة المقدسة من الاشمونين واتجهت جنوبا حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف - فيليس.
وارتحلت العائلة المقدسة من ديروط الشريف إلى قسقام (قوست قوصيا) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم، فطردهم أهلها خارج المدينة وأصبحت هذه المدينة خرابا.
ثم هربت من قرية قسقام واتجهت نحو بلدة مير «ميره»، تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية، وقد أكرم أهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة، وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.
ويقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام. نسبة إلى المدينة التى خربت، على بعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية، التابعة لمحافظة أسيوط، ٣٢٧ كم جنوب القاهرة.
مكثت العائلة المقدسة نحو حوالى ستة أشهر وعشرة أيام، فى المغارة التى أصبحت فيما بعد هيكلا لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهة الغربية من الدير. ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح.
ملاك الرب يأمرهم بالعودة
وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف الشيخ فى حلم قائلا: «قم وخذ الصبى وأمة واذهب إلى أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى»، (مت).
فعادوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ففلسطين حيث يسكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل. بعد مشقة وعناء وترحال وغربة، رجعت العائلة المقدسة إلى الناصرة فى فلسطين، حيث أنهم عادوا إلى بابليون فأقاموا ليلة فى كنيسة أبى سرجة ومنها إلى المطرية ثم اتجهوا إلى المحمة بمسطر حيث فجر المسيح بئرًا مقدسة واتجهوا إلى شمال البحر وساروا بمحاذاة الشاطئ حتى وصلوا إلى الناصرة بفلسطين.
ونحن على مشارف الألفية الثالثة لرحلة العائلة المقدسة هناك قيم جاءت بها الأديان، لا سيما الإسلام الذى أولى أهمية كبيرة للتسامح ونبذ التعصب وحرية العقيدة، والمسلمون، فى كل العصور، عاشوا جنبًا إلى جنب مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى بسماحة مطلقة، وشعور تام بأن الدين لله وحده.
لذا عاش المصريون مسلمين وأقباطًا فى وئام وتعاون يجتمعون على قلب رجل واحد إذا مس بلادهم ضرر.