الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نصر حامد أبوزيد.. التنويري المتهم بالزندقة

الكاتب والمفكر نصر
الكاتب والمفكر نصر حامد أبو زيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: زياد إبراهيم- أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم
في مجتمعنا العربي هناك ثلاثة تابوهات لا يجب أن يقترب منها كاتب، وهي " الدين، والجنس، والسياسة"، الأخيرة تزعج الحكام وتكون عادة محفوفة بمخاطر السجون، والثانية تضرب عادات وتقاليد المجتمع وتكون معركتك فيها مع الفرق الداعية إلى الفضيلة للنجاة من شرور الحياة، أما الأولى فينتهي فيها الخلاف دائمًا إلى ما ذكرناه من قبل وهو المنع من الحياة والحكم يكون فيها بالكفر ومن ثم إهدار الدم ثم تنفيذ هذا الحكم من حفنة أدوات، بغض النظر عن المضمون.
نصر حامد أبوزيد من مواليد طنطا محافظة الغربية عام 1943، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من قسم اللغة العربية عام 1972، عمل في آخر أيامه أستاذًا زائرًا في جامعة لايدن في هولندا؛ أفلت من محاولات عديدة لقتله معنويًا، ورفض تصنيم النصوص، حيث كان واحدًا ممن مثّلوا فكرًا تنويريًا يستند إلى قاعدة علمية وفكرية وإيمانية صلبة، فدافع عما يؤمن به خاصة مبدأ إثارة التساؤل، وكان يرى أن خير الحوار ما كان جماعيًا، وأن طرق البحث والتحليل هي المطلوبة دائمًا.
ورغم أهمية الحوار لديه وجد أبوزيد نفسه مُتهمًا بالكفر والارتداد عن الدين، حيث قام الدكتور عبدالصبور شاهين باتهامه بالردة، وقال أبوزيد عن ذلك: " هذا الرجل الذي يشع نورًا وتقوى، وتدمع عيناه وهو يصف أحوال المسلمين وتخلفهم الفكري، يلجأ إلى سلاح العجزة من الجهال والصبية، سلاح التكفير، ولأن شاهين ليس فردأ بل مؤسسة، فقد تداعى إلى نداء التكفير كل صبيانه، ومكمن الخطورة هنا أن يبارك أساتذة جامعيون ممارسة الاختلاف الفكري في قاعة المحكمة بدلًا من منابر الفكر"؛ حيث كان أبوزيد في ذلك الوقت يشغل منصب أستاذ مساعد في هيئة تدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد تقدم حينها برسالة عنوانها " نقد الخطاب الديني" من أجل الحصول على ترقية علمية ليحصل على لقب أستاذ، لكن التقرير الذي تقدم به شاهين، وكان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس لجنة الترقيات فجّر القضية، والتي تحولت من مجرد رفض للترقية إلى اتهام بالردة، وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة، بين أنصار أبوزيد، وبين المؤيدين لتقرير شاهين، بل تطور الأمر إلى رفع مجموعة من المحامين دعوة حسبة، تُطالب بالتفريق بين نصر وزوجته ابتهال يونس، ودارت مُساجلات قانونية وفقهية طويلة انتهت بهجر أبوزيد وزوجته من مصر، والعمل بالتدريس في إحدى الجامعات الهولندية.
من يستعرض مجموعة من مؤلفات أبوزيد سيجد فكرًا تنويريًا سبق عصره بأعوام طويلة، وكان رد الرجعية وأصحابها أن اتهموه بالكفر والزندقة؛ ففي كتابه " دوائر الخوف في خطاب المرأة"، الذي صدر عام 1999 عن المركز الثقافي العربي، وكان من الكتب الممنوعة حينها، لن يجد القارئ سوى اجتهادات في فهم القرآن الكريم، وتعاليم النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وذلك لفهم واحدة من أهم القضايا المجتمعية المطروحة للنقاش دائمًا وهي قضية المرأة، حيث سعى أبوزيد للبحث في النص القرآني، وفق مفهوم أن الإسلام أجاز الاجتهاد، وكان يرى أن الاجتهاد كان خاضعًا دائمًا لظروفه التاريخية، وأن التفسير ارتبط بحاجات كل عصر وثقافته، مستندًا في ذلك إلى الموروث الثقافي والاجتماعي؛ وقد اتُخِذ هذا الكتاب دليلًا على ارتداد أبوزيد عن دينه فيما بعد.
وفي كتابه " الخطاب والتأويل" أخذ أبوزيد قارءه في رحلة فكرية تُقارن الخطاب السلفي، بداية من أبي حامد الغزالي، وانتهاءً بالخطاب المستنير الذي أصله ابن رشد وسار على دربه مفكرو الاستنارة على عبدالرازق، وطه حسين؛ ليحاول في هذا الكتاب استحداث نهج جديد يعمق علم تحليل الخطاب نظريًا وتطبيقيًا، لأنه كان يرى أن الخطابات تستعير أدوات بعضها بعضًا، وتسمح لنفسها أحيانًا باستعارة مقولات الخطاب الخصم وتعيد تأويلها حتى تتمكن من توظيفها في سياقها الخاص.
وكان " نقد الخطاب الديني" من أهم مؤلفات أبوزيد، الذي كان يرى أن التكفير سمة أساسية من سمات الخطاب الديني، وهي سمة لا تفارق الخطاب سواء وصفناه بالاعتدال أو بالتطرف، كما يعتمد هذا الخطاب على آلية النقل دون تدبر وتفكر، مفتقدًا إلى أبسط آليات التفكير العقلي؛ أما دراسته " فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي"، والتي تم منعها في العالم العربي تناول أبوزيد أول دراسة من نوعها لكتاب بن عربي؛ وكان كتاب " التفكير في زمن التكفير" يروي قصة أبوزيد مع عبدالصبور شاهين، الذي اتهمه بالكفر.
واستمر أبوزيد في معاركه حتى جاء مرض غامض ليضع حدًا لمشروعه المميز وهو في عز العطاء، وفارق الحياة صباح الإثنين 5 يوليو 2010 في التاسعة صباحًا في مستشفى زايد التخصصي، ودفن في مقابر أسرته في منطقة قحافة في مدينة طنطا بعد صلاة العصر، وأصبحت كتبه الآن هي الكتب الأكثر مبيعًا في الوطن العربي.