الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الحلقة الثانية.. أساطير "أولياء المتصوفة" في الشرقية

من كرامات "أبو مسلم" إلى حكايات "المخاوي"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بلبيس وأبو حماد والزقازيق أهم معاقلهم.. و«أبو مسلم» ضريح في أرض البقرة المقدسة
كرامات الأقطاب.. الشجرة تبكى وفاة «عبد العظيم».. والماء يتحول إلى «عسل» ببركة «الشربينى»
«الرمال المقدسة» لعلاج الروماتيزم والأمراض الجلدية المستعصية

عندما قررت «البوابة» فتح ملف وصف مصر، كنا على علم تام بأن كنوز هذا البلد العريق لا تنضب، وأننا لا نعرف سوى النذر اليسير جدا من تاريخها الذي تحكى فصوله كل حبة رمل على أرضها.
هذه الحقيقة جعلتنا نطوف حول كعبة الوطن، أملا في اكتشاف أسرار الزمان وعبقرية المكان، وفهم طبيعة الإنسان، ذلك العملاق الذي بنى حضارة قادت الدنيا يومًا، وتحدت التاريخ عنها حتى خضع بين يديها مستسلما منذ خمسة آلاف عام.
خاضت «البوابة» التجربة، فوقفت عند المدخل الجنوبى لمصر تسجل عجائب المجتمع النوبى وروعته، مخترقة حجب الحياة الصعبة في مدينة حلايب والشلاتين.
ومن هناك عدنا إلى حيث الشمال الساحر وتحديدا عند المدينة الأكثر إثارة للجدل على البحر المتوسط، وهى بورسعيد، المدينة الباسلة بلد أبو العربى.
لكن هل يمكن أن تكتمل ملامح الشخصية المصرية، أو يصبح «وصف مصر» مصطلحا أمينا، دون الحديث عن القلب؟ وهل يمكن أن يكون هذا القلب غير الفلاح؟! وهل يمكن الحديث عن الفلاح المصرى الذي يمتد تاريخه متوازيا مع التاريخ، إلا بذكر محافظة الشرقية، أم الفلاح المصرى، وسيدة الدلتا.
كثيرون هم من لا يعرفون عن الشرقية سوى أنها البلد التي «عزم أهلها ركاب القطار على الإفطار»، لكن هناك الكثير من الكنوز التي يضمها تاريخ هذا البلد العريق؛ لذا كان لابد من الانطلاق خلف مفاتيح الشخصية الشرقاوية، التي تعد سرا من أسرار هذا الوطن. ذهبت إلى هناك وفى ذهنى تساؤلات عدة، هل مازال الريف يحافظ على هويته وبيئته الجغرافية وتركيبته السكانية؟! أم أن طموحات الريفيين الجدد مع جراح الريف الغائرة، عصفت بهويته وغيرت كل شيء؟! ولماذا لم تخطط الحكومة للحفاظ على طراز القرية المصرية.
ويبقى السؤال الأهم على الإطلاق، وهو: لماذا أصبحت الشرقية على وجه الخصوص معقلا للإخوان وجامعتها مفرخة لهم وتربة خصبة للسلفيين ومرتعا للتكفيريين وهوسًا للصوفيين وزاوية للشيعة؟ وكيف يمكن لبلد واحد أن يحوى في مجتمعه كل هذه الأفكار المتناقضة أحيانا، والمتعارضة غالبا؟.
للشرقية مكانة خاصة عند أهل التصوف، فعندهم هي ليست كغيرها من البلاد.. ويرى فيها عشاق المقامات والأضرحة وكرامات الأولياء حقيقة الأبيات الصوفية القائلة: «ما لذة العيش إلا صحبة الأولياء.. هم السلاطين والسادات والأمراء.. فاستغنم الوقت واحضر دائما معهم.. واعلم بأن الرضا يختص من حضرا».. فالشرقية التي يحتضن تراب بقاع عديدة فيها رفات الصالحين جعلت أهل الطرق أهلًا على يقين من أن كل من يتقرب لأولياء الله، يقترب، حتى باتت قرى المحافظة لا تكاد تخلو من أضرحة الصالحين، وأمست كل قرية تباهى بوليها دراويش الحضور الدائم في حضرة الموالد والمقامات.. في جولتى بالشرقية طاردتنى الحكايات التي تمسك بتلابيب الأساطير لأرويها.. وفى السطور التالية حصاد الرحلة.
مدينة السحرة
«المتتبع لتاريخ محافظة الشرقية، يكتشف بسهولة أن أرضها كانت محط الأنبياء والأولياء، وما تضمه جنباتها من أضرحة تحكى قصص الماضى البعيد، التي مازال الناس ينسجون حولها الحكايات الساحرة التي تمسك بتلابيب الأساطير، فللشرقية خصوصيتها التاريخية إذ أنها البوابة الشرقية للدلتا، وخصوصا مدينة بلبيس التي كانت معروفة بأنها مدينة السحرة قبل طوفان نوح».. هكذا يقول محمد يونس، المدير بالتعليم الابتدائى ببلبيس، والمهتم بالتاريخ الشعبى، موضحًا أن الأساطير تحكى أن أول أبناء نبى الله نوح وهو «مصرايم»، وقد نزل إلى بلبيس وأقام بها، لافتًا إلى أن الشرقية بها مزج غريب بين التدين والخرافة من قديم ما جعلها بيئة خصبة جذب الأولياء والأضرحة، ففى كل ركن بها ولى، ولكل ولى كرامة يحتفظ بها الأهالي في ذاكرتهم ويتناقلونها ابتداء من ظهور هذه الكرامات لتشفى المرضى، وليس انتهاء بصعود جسد بعضهم إلى السماء.. وتشهد مختلف قرى المحافظة، موالد تتولى تنظيمها مختلف الطرق الصوفية التي اتخذت من الشرقية معقلًا لها، مثل الرفاعية، والأحمدية، والشاذلية، والخليلية، وغيرها.
موالد زمان
على حسين أفندى، أحد أشهر أصحاب فراشات الموالد يكشف تفاصيل جديدة عن عالم الأضرحة بالمحافظة قائلًا: «كان زمان في الموالد تعقد لقاءات العشاق والأحبة، ويحدث التعارف بين فتيات القرية وفتيانها ممن بلغوا سن الزواج، ويصطحب العريس عروسه في فسحة بالمولد، الذي كان فسحة القرويين التي ينتظرونها بلهفة المشتاق».
ويضيف، «كان الترك، وهو ما يشبه السيرك ملاذ الشباب لرؤية الغوازى (الراقصات) والحاوى، والمنشدين الذين يحيون حلقات الذكر، ويأكلون الفتة واللحم، والفول النابت الذي يوزعه أهل الخير في المولد، وكان الأهالي يقيمون حول ضريح الشيخ الذي حل مولده أسبوعًا كاملًا، وفى الليلة الكبيرة ينحرون الذبائح، ويطعمون الفقراء ويعزمون الأصدقاء، ثم يعودون إلى قراهم بعد الزفة الكبيرة، مشبعين بالذكر والمدح وزيارة حبيبهم صاحب المقام، ووضع النذور في صندوقه».
ويستطرد: «يحضر كل صاحب حاجة سواء مريضًا أو متطلعة للإنجاب أو من يبحثون عن مسروقات، ليطلبوا حاجاتهم، اعتقادًا في قدرة الشيخ الخارقة على تحقيق آمالهم»، مشيرًا إلى أن أشهر ما يباع بالمولد الحمص، والحلاوة، والبمب، والطراطير، والمراجيح، ولعب الأطفال كالطبلة، والرق، والأراجوز، وكان المولد فرصة للتجارة المحلية، حيث تزدهر فيه تجارة الفخار، وغيرها، وكانت الموالد مناسبة يجد فيها الفقراء والمساكين ملاذًا من الجوع بوفرة في الفتة واللحمة، وكان يقسم المولد إلى خيام للذكر، وأخرى للغوازى، وثالثة للمنشدين.
طريق التصوف
«قهوجى» بسيط، لكن حملته خصوصيته الشديدة على أن يطوف أرجاء المحروسة شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ليس للسياحة، ولا حتى بحثًا عن الرزق، وإنما للمشاركة في الموالد، حتى إنه يصف نفسه، بأنه أكثر من حضر الموالد في مصر، ذلك هو عم رمضان، الذي انضم مؤخرًا للطريقة الرفاعية، ويتحدث معى عن الموالد بروحها، قائلًا: لابد أن يكون المستمع على يقين من أن أذنه ستسمع ما ليس له مثيل، وستكتب يده ما لم يخطه قلم قبل هذه اللحظات المثيرة.. منحته انتباهى كاملًا فراح يقول: عقدت مقارنة بين بطاقة عضويتى بالطريقة الرفاعية، وبين عضوية الحزب الوطنى قبل الثورة، واتضح أن «الأمن يحترم كارنيه الطرق الصوفية، ويبجل حامله ولا يعترضه، كأنه كارنيه الحزب الوطنى قبل الثورة»، موضحًا أن الكارنيه مكتوب عليه «يصرح لحامله عمل الليالى الخيرية والخدمات في جميع الموالد طبقًا للقانون رقم (١١٨) لسنة ٧٦، المجلس الأعلى للطرق الصوفية».
يروى رمضان قصة انضمامه للطريقة ليبدأها منذ التردد على الموالد المختلفة، والتواجد في خدمات الطريقة، وهو ما دفع أهل الطريقة إلى أن يعرضوا عليك الانضمام إليهم والبقاء بينهم، دون أن يتوجس منه المريدون، وبخاصة لأن هناك كثيرًا من المتسولين والمتشردين واللصوص والهاربين من الأحكام، يتخذون من الموالد مكانًا للاختفاء والتخفى. ويضيف: «شرط الانضمام للطريقة أن يبدو واضحًا عليه المريد أمارات التقى والصلاح، والخطوة التالية، يتم خلالها إرسال طالب الانضمام إلى شيخ مشايخ الطريقة في البلدة التابع لها حيث يتم تسجيل بيانات الشخص في استمارة العضوية، والتوقيع على إقرار يؤكد استقامته، ثم يؤخذ عليه العهد عن طريق الخليفة، وهو من يعطى العهد نيابة عن الشيخ.
طقوس العهد
ويصف رمضان طقوس العهد قائلًا: «يضع المنضم حديثًا يده في يد الشيخ، ويصلى على النبى، ويعلن توبته توبة نصوحة عما كان منه، ويعاهد الله والشيخ على ألا يعود لذنوبه، ويحدث هذا العهد في حضرة ذكر بحضور شهود»، مشيرًا إلى أنه بعد العهد يلتزم المريد بأوراد الطريقة بتكليف من الشيخ، الذي يعلمه تعظيم أقطاب الصوفية الأربعة الكبار وهم (عبد القادر الجيلانى، أحمد الرفاعى الكبير، أحمد البدوى، إبراهيم الدسوقي) لأن ذلك ما يوصله إلى الله، ويظل الشيخ يتابع المنضم حديثًا كى يرى مدى التزامه وحرصه على حضور الخدمة.
ويتطرق عم رمضان إلى الحديث عن كفالته، ويسمى (واصل عليه)، وهذا الشخص حريص على أن يكون له دراويش كثيرون ويصطحبهم للسجادة، التي هي مشيخة الطرق الصوفية، نسبة إلى السجدة العلوية للإمام على زين العابدين، أو بعض الأقاويل عن أنها بساط الأنس بالله، وكل شيخ طريقة يجمع مريديه ودراويشه، ويجتمع بهم في السجادة خلال شهر رمضان من كل عام، وكلما كان العدد كبيرًا ظهر بمظهر أفضل ومحل تقدير من قيادات السجادة، لافتًا إلى أن الترقى داخل الطريقة، يبدأ بمريد وهو الباحث عن العبادة الحقة، ويطلب العلم على يد الأشراف، أو يتعلم الأوراد على يد خليفة الشيخ ثم «مرشد تابع»، يعين للشيخ تابعين يسمون خدام للطريقة، ويجمع المرشد الأوراد والأذكار بحيث يستطيع أن يتحدث إلى الناس باسم الطريقة، ويشرح باستفاضة أهدافها، وتكون لديه قدرة على الإقناع، ويجب أن يكون واجهة جيدة للطريقة. ثم يترقى المريد إلى خليفة الشيخ عن مركز معين أو ضاحية، وبحسب عم رمضان فإنه بذلك يستطيع أن يعطى العهد نيابة عن الشيخ الكبير، وشيخ الطريقة هو من يتعامل مع شيخ مشايخ الطريقة، بشأن أي قرارات، ويكون ذلك في اجتماع السجادة، ومن خليفة شيخ لخليفة خلفاء وهو عن المحافظة وضواحيها.
دراويش ومجاذيب
الدرويش والبهلول والمجذوب، ثلاثة أنواع لهم مكانة خاصة عند الصوفيين، فالدرويش عبد من عباد الله الذين مَنَ الله عليهم بالخلاص من أي شأن دنيوى، وهؤلاء عليهم أحكام ربانية، أما المجذوب فلا يستشعر الخبيث من الطيب، وهناك مجذوب يجعل الله بعض اللطائف ترجى على يديه كإجابة دعاء للمحتاجين، أو يرسل الله رسائل على لسانه، هكذا يشرح عم رمضان «الرفاعى» أسرار الصوفية العليا، مضيفًا، السلام داخل الطرق الصوفية يكون بتقبيل اليد، وهذا يتفق مع معتقداتهم بأنه إذا تصافح مسلمان تساقطت السيئات من بين أيديهما، فيتم تقبيل اليد التي تسببت في سقوط الذنوب، أما الخدمة فهى مكان عليه لافتة الطريقة، ويوجد به مكان لإطعام الزوار، ومشروبات لهم باسم شيخ الطريقة، وأى شخص منتمٍ للشيخ له أن يحضر أي شيء في استطاعته، وهناك من يتطوع لتقديم هذه الأشياء، وهناك من يتطوع لإعداد الطعام وتقديمه، وهكذا يتبارون على تقديم الخدمة والتواجد والتنقل في كل الموالد، فكل طريقة تجامل الأخرى في موالدها.
وبالنسبة إلى السيدات فغير مسموح بوجودهن في حلقة الذكر مع الرجال، لكن هناك سيدات لهن شأن في التصوف مثل الحاجة ذكية، والتي لها ساحة وخدمة في الشيخ أبو الحسن الشاذلى، وهناك الشيخة حليمة في الشهداء، وهناك أيضًا الشيخة ليلى أبو العزم وتعمل بالخدمة وأيضًا الشريفة ناريمان عبدالغفار لها خدمة في كل مولد.
وقبل كل مولد تجوب فرق الإعلان بالميكروفونات والملصقات المطبوعة، الشوارع لدعوة الناس من الأحباء ومريدى الطريقة لحضور المولد، والاستماع إلى كبار المنشدين مثل الشيخ ياسين التهامى، أشهر مشاهير عالم الإنشاد على مستوى العالم، والذي يصل أجره إلى ١٦ ألف جنيه في الليلة، وكذلك الشيوخ أمين الدشناوى وعصام درويش، وعبدالحكيم الزيات، وهناك أناس يتجمعون يذكرون طوال الليل حول المنشد، ويذهبون وراءه لأخذ النفحة، وهناك أشخاص حريصون كل عام في الموالد على توزيع «نفحة أكل»، لحوم، زيت، سكر، فول، عدس وخلافه، وهناك من يحرصون على الحضور للمشاهدة وسماع المنشدين، ويتبارى كل صاحب لإحياء ليلة بالمنشد. ويختتم عم رمضان حديثه معى عن عالم الصوفية الخفى، بالحديث عن «الموكب»، والذي يعد من أبرز الطقوس في الموالد بالأرياف، حيث يخرجون بالرايات والإعلام والطبل والزمر للإعلان عن أن المولد بدأ، وأن الاحتفالات انطلقت، وفى نهاية الليلة الأخيرة تخرج الزفة، ويركب خلالها الشيخ على الحصان، ويخرج في حشد من مريديه ودراويشه ليجوب المكان.
كبير الأولياء
يقول الدكتور إيهاب العزازى، وهو واحد من المولعين بالتراث، إن مولد «أبو مسلم»، أحد أكبر الموالد وأقدمها على الإطلاق في الشرقية، تحتضنه مدينة أبو حماد، موضحًا أن مولد «أبو مسلم» يعتبر حكاية لها تاريخ، مع التصوف والزهد وجغرافيا المكان، إذ ينتهى نسبه إلى جعفر الصادق رضى الله عنه، وضريحه عبارة عن قطعة معمارية أثرية، فهو يشبه الأضرحة الأيوبية معماريًا، والضريح يرجع إلى عصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، وملحق بالقبة مسجد جديد يحل محل المسجد القديم، وأقامته وزارة الأوقاف.
وتشير المعلومات عن هذا القطب الصوفى الكبير، إلى أنه اتخذ خلوة بمركز أبوحماد، وأن الكرامات التي تحكى عنه تضعه في مصاف الكبار لدى الصوفية حيث إن المكان الذي أقيم فيه ضريحه، هو ذاته الذي شهد ذبح بقرة بنى إسرائيل أيام نبى الله موسى عليه السلام، لـذا اختاره الشيخ مقرًا له، حتى يدفن به حين يموت.
ويضيف عزازى، الشيخ رأى منامًا أفزعه من مرقده، وكان وقتها بهمذان سنة ٦٠٩هـ، حيث رأى نارًا اشتعلت جهة المشرق ثم امتد لهيبها إلى همذان في العراق والشام حتى وصلت جبل الطور بمصر فانطفأت، فلما استيقظ من نومه أخبر أهله وأقاربه بذلك فقيل له إن تأويل رؤياه تدل على أن دولة لا تؤمن بالله ستهاجم البلاد التي رأى فيها النار فتهلك الحرث والنسل، ولعظم مقامه في نفوس أهله وذويه خضعوا لأمره وعملوا بمشورته حفظًا لعرضه ولدمائهم من الفتنة المنتظرة، والتي تحققت بالغزو المغولى، وتأهب للسفر ومغادرة همذان ومعه مئات من أقاربه وأنصاره وكان فيهم مجموعة من العلماء والفقهاء، ووصل أبو مسلم مصر سنة ٦١٠ هـ، وتوجه مع فئة كبيرة من أهله إلى الشرقية حيث استقر عدد كبير من القبائل العربية منذ الفتح الإسلامى، واتخذ له خلوة في محلة (بحطيط) التي عرفت فيما بعد باسم كفر أبومسلم، وبعد بضع سنوات تحققت رؤياه وغزا التتار العالم العربى وفارق هو الدنيا في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب كما ورد بكتب التاريخ.
مملكة الأضرحة
ويقول على البايض أحد مريدى الموالد ومن سكان سعدون، إن مولد الشيخ «سعدون»، أحد الموالد ذائعة الصيت، وقبته موجودة ببلبيس، وله مولد من أكبر الموالد بالشرقية، وبجواره رمال يعتقد أنها رمال مقدسة، يتم دفن المرضى ممن يعانون الروماتيزم والأمراض الجلدية المستعصية في هذه الرمال حول المقام بغية الشفاء، وتعتبر أثرًا من الآثار القديمة يقصدها القاصى والدانى للتبرك به والشفاء.
ويضيف البايض، أن شجرة بكت عندما مات فأقاموا الضريح مكانها، وفى قرية بنى عامر يوجد ضريح «أبوهاشم»، نسبة إلى العارف بالله الشيخ أبوهاشم جد الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، وهو من أشهر الأضرحة بالشرقية وتنتسب الطريقة الهاشمية إلى السيد أحمد البدوى ويزوره الكثير من المريدين فيما يشرف على الاحتفالات الشيخ أحمد عمر هاشم شخصيًا. ويقول الشيخ سليمان العساسى المقرئ بالإذاعة والتليفزيون، إن هناك بلدًا تسمى الزنكلون، وهى بلد شيوخ الرفاعية، وكانت قبلة لعدد من الأولياء والصالحين الذين حضروا من العراق، وهم أصحاب حظوة وكرامة، منهم الشيخ رفاعة الرفاعى، وعبدالله الرفاعى، ومنصور الرفاعى، ولهم قصص وأساطير جعلت منهم ذائعى الصيت مشيرًا إلى أن كرامات مشايخ الرفاعية مع الخيول، وكيف أنها اختارت له المكان الذي سيقيم به ومقره الآن عزبة «أبو هلال».
وبحسب العساسى، يوجد العديد من الأولياء الذين شاعت حولهم الكرامات التي لا تتوافق مع المنطق، وهى من الحكايات التي تشبه الأساطير، ويتناقلها أهالي الشرقية، ومنها حكاية الشيخ الديب والملقب بالرفاعى، والذي كان صاحب كرامة حيث يكشف عن المسروقات ويمسك بالثعابين ويحدثها دون أن تؤذيه. وكذلك «الشيخ الشربينى» والذي كان يحول الماء إلى عسل أو لبن.
أما ضريح أبوخليل، فهو يرجع لحفيد الشيخ أبو خليل الشيخ بالزقازيق، وهو كبير الطريقة الخليلية الصوفية بمصر، وينظر إليه الكثير من الناس باعتباره من كبار الأولياء وتقام له الاحتفالات، بمولد كبير برعاية حفيده الشيخ صالح، وتتردد حوله الأساطير ويهابه العامة ويقدسونه ويعتقدون أنه متزوج من جنيه، ولذا كان يقصده أصحاب الحاجات والمرضى وأحيانًا المستضعفون من الموظفين ممن يريدون توصيته لدى مسئول كبير، وهو نقيب الأشراف ورئيس الجمعية الخليلية الإسلامية، والاحتفال بمولده كل عام يحضره مليون شخص على الأقل.
وبالقرين توجد ذرية على أبو ذقن بن عزاز الثالث، والملقبون بالذقانوة، والسيد حسن، ومقامه في مدينة القرين، ومشيخة الطريقة العزازية متوارثة في ذريته إلى الآن وشيخ عموم السادة العزازية الآن هو عبدالرحيم محمد محمد حسن إبراهيم خليل حسن المجذوب، وخرجت من الشرقية الطريقة الحصافية التي تنسب إلى حسانين الحصافى، والذي كان قد انضم إلى الفاسية الشاذلية، وانخرط في أعمال الدعاية ونجح في كسب أعداد كبيرة من الأتباع في الزقازيق ثم في القرى المحيطة بهذه المدينة.
وفى قرية هربيط حى يسمى (الأربعين)، أو السادات، وسمى كذلك نسبة إلى أربعين مجاهدًا عربيًا استشهدوا في سبيل الله أثناء الفتح الإسلامى، وعلى تل أثرى أيضا مقام لشيخ يدعى الأمير نجم، وهو أمير شاب قتل في سبيل الله وأمام قبره عمودان رخميان مكتوب عليهما قصته.
قصة «المخاوي»
وممن تنسج عنهم الأساطير، الشيخ أبو خليل حيث يرد مريدوه أنه متزوج جنية «مخاوي» وتضفى عليه حكايات الجنية قوة خارقة جعلته يمارس السحر ويبيت مجاب الأوامر.. وهو ما تقول عنه الحاجة نفيسة، وهى سبعينية تحفظ عن ظهر قلب هذه الحكايات: كان «الزق» رجلًا يعيش في البلدة وتزوج جنية وأنجب منها وكان ينزل يوم الإثنين والخميس لزيارتها في الماء أو تحت الأرض حيث يختفى من البلد كلها، كما حكى لى الحاج إسماعيل وهو رجل في الـ٦٥ من عمره عن الجنية التي كانت تخرج وقت القيلولة مرتدية ثيابًا جميلة، ووجه جميل وشعر طويل ثم تنادى، وحينما نقترب لا نجد أحدًا.