رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (21)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولم تكن المعركة حول كتاب “,”الإسلام وأصول الحكم“,” سوى بداية لمعركة استمرت طويلاً .. بين التيارين السلفى بزعامة الشيخ رشيد رضا الذى تخلى تماماً عن التعاليم أستاذه محمد عبده وجعل من الخلافة ورفض الفكر الليبرالى معركته الرئيسية ثم سانده بعد قليل الأستاذ حسن البنا قبيل تأسيسه لجماعة الإخوان وبين قوى ليبرالية عديدة وتحول الأمر إلى صدام صار على صفحات الصحف .
وتنشر الأهرام تصريحاً أدلى به مصطفى النحاس باشا عندما أصبح رئيساً لمجلس الوزراء لوكالة الأناضول التلغرافية قال فيه “,”إننى معجب وبلا تحفظ بكمال أتاتورك الذى صاغ بعبقرية تركيا الحديثة . ولست أعجب فحسب عبقريته العسكرية ، بل أعجب أيضاً بعبقريته الخالصة وتفهمه لمعنى الدولة الحديثة التى تستطيع وحدها فى الحالة العالمية الحاضرة أن تعيش وتنمو“,” ويرد عليه الأستاذ حسن البنا قائلاً “,”فدولتكم أكبر زعيم شرقى عرف الجميع فيه سلامة الدين وصدق اليقين ، وموقف الحكومة التركية من الإسلام وأحكامه وتعاليمه وشرائعه معروف فى العالم أجمع ، فالحكومة التركية قلبت نظام الخلافة إلى الجمهورية . ثم هل يفهم من ذلك أن دولة النحاس باشا وهو الزعيم المسلم الرشيد يوافق على أن يكون لأمته برنامج كالبرنامج الكمالى ، يتولى كل الأوضاع فيها ويفصلها عن الشرق والشرقيين ويسقط من يدها لواء الزعامة ؟ وإنا لنعيذ دولة الرئيس من هذا المقصد الذى نعتقد أنه أبعد الناس عنه“,” .. وكان هناك أيضاً طه حسين الذى فجر كتابه فى الشعر الجاهلى أزمة عارمة ثم خاض معارك ليبرالية أثارت كثيراً من الاهتمام وكثيراً من الهجوم . فقد دعا السياسيين ورجال الدين إلى “,”رفع رايات العلم الحديث على أيدى قيادات من العلماء الذين يمكنهم أن يلائموا بين مستحدثات العلم على اختلافها وبين حاجات الناس وطاقتهم واستعدادهم للتطور ، وهم يمكنون للحكم الصالح المنتج الذى يحقق العدل ويكفل رقى الشعب ويتيح له أن يتقدم إلى الأمام بما يتطلب إشراف الدولة المدنية على التعليم ، أى عزله عن رجال الدين ونفوذ الأجانب“,” وطالب “,”بالحرية الكاملة والمطلقة للتعليم الجامعى حفاظاً على حرية البحث العلمى والاكاديمى، وعلى الأزهريين أن يقوموا بتدريس الدين الصحيح كدين للحرية والتقدم ، وأن يلقن الطالب الأزهرى المعنى الصحيح للوطنية الإقليمية وليس ما يقال أنه الرابطة القومية الدينية“,” ثم أشهر طه حسين سيف الشك الديكارتى فى كل المقولات مؤكداً “,”يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربى وتاريخه أن ننسى عواطفنا القومية وكل شخصياتها وأن ننسى عواطفنا الدينية وما يتصل بها . وأن ننسى ما يقال عن هذه العواطف القومية والدينية ، وألا نقبل شيئاً مما قاله القدماء فى الأدب وتاريخه إلا بعد بحث وتثبت“,” [محمد كامل ضاهر – المرجع السابق] وكان طبيعياً أن تأتيه ردود عديدة عنيفة ترفضه وترفض ديكارت بل وترفض ما أسمته التغريب باعتباره مؤامرة على الإسلام وعلى هوية الأمة . وكان هناك أيضاً إسماعيل مظهر الذى كتب كثيراً عن النمط العلمى فى التفكير فقال “,”إن اهتمام المفكرين العرب والمسلمين بالموضوعات المثالية المجردة بدلاً من الاهتمام بقضايا الحياة الواقعية ، قد جعل النمط الغيبى لا الموضوعى هو السائد فى تفكيرهم الماضى والحاضر ، وإننى أتوقع وعسى أن يكون ذلك قريباً أن الخطوة التى خطوناها فى سبيل الخروج من ظلمات الأسلوب الغيبى إلى وضح الأسلوب اليقينى سوف تقودنا سعياً إلى ميدان يتصادم فيه اليقينى مع الغيبى تصادماً يثير فى جو الفكر عجاجة ينكشف غبارها عن الأسلوب الغيبى وقد تحطمت جوانبه واندكت قوائمه ، ونترك الأسلوب اليقينى قائماً بهامة الجبار ، القوى الأصلاب ، مشرفاً على الشرق ، وقد هب من رقاد القرون الوسطى ليسير فى الدروب التى سهلت سبله للأنام نواميس النشوء والارتقاء“,” [المقتطف – المجلد 68(1926) مقال لإسماعيل مظهر بعنوان النمط فى التفكير- صـ137] ويكتب إسماعيل مظهر فى مجلته العصور قائلاً “,”لقد جاهد الناس تحت تأثير فكر الحرية فى سبيل الفصل بين الدين والسياسة متخيلين أن الفصل بينهما فى الاعتبار كاف للفصل بينهما فى الواقع ، ولقد هبت حول هذه المسألة عاصفة الجدل ، وقامت قيامة الكلام . ولكن هل تخلص الدين من مؤثرات العقل المنحرف تحت وهم القيام بالواجب والمسئولية إزاء المعتقد الثابت ؟ لم يكن شيئاً من هذا ، فإننا لا نزال نرى فى عصرنا الديمقراطى أن الدين تحت تأثير زعمائه قد عبر جسر الذاتية البشرية إلى موضوعات السياسة العلمية ، فاختلطت منافع الذوات بأوجه المنافع العلمية العامة اختلاطاً أفسد الديمقراطية وجعلها أبعد الأشياء عن الحرية الصحيحة“,”[العصور- العدد الأول – سبتمبر 1923 – الافتتاحية – صـ7] .
.. وطبعاً تعرض إسماعيل مظهر ومجلته العصور إلى هجوم عنيف .. دفعه فيما بعد إلى تراجع عن كثير من هذه الآراء. ويمكن القول أن هذه المعارك قد امتدت بين الصفوة بسبب تعقيدات الكتابة التى ربما كانت متعمدة ، لكن معارك أخرى اتخذت منحنى أكثر بساطة ووضوحاً وكانت أشد قسوة .