الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العرب والطريق الثالث

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرنا في المقال السابق أن العربَ وصلوا الآن إلى مفترق طرق، وقلنا إنهم إما يسلكون طريق "الدعشنة" أى أن تسلك بعض الحركات الإسلامية في المنطقة وربما بعض الدول طريق داعش كوسيلة للهروب إلى الخلف، أو أن يسلكوا الطريقُ الثاني، وهو الطريقُ الأصعب الذي يمكن أن يواجه "الدعشنة"، وهو طريقُ "العصرنة" أى وجوب تحويل الدول العربية إلى دول عصرية تكفل حقوق المواطنة لجميعِ مواطنيها وتُطبقَ قيمَ الحرية والعدل والمساواة، وهى القيمُ التي تنادي بها كلُ الثورات.

وفي نهاية المقال السابق طرحنا سؤالًا مهمًا وهو: هل لا يوجد أمام الدولِ العربية كافة سوى هذين الطريقين؟ وقلنا إن الإجابة لا.. حيث يوجد أمام هذه الدول طريقٌ ثالث.

وهذا الطريق الثالث يتمثل في أمرين لا ثالث لهما؛ فقد تتجه بعض الدول إلى التماس السند الأساسي للحكم في إحدى الدول كالولايات المتحدة مثلاً، معتقدةً أن الولايات المتحدة هى الضمانة الوحيدة لحكمها، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة راضية عنها من خلال تنفيذ كل ما تطلبه منها، سواء كان ما تطلبه ضد مصلحة شعوبها أو ضد السياق العام لمحيطها الإقليمي، مثل أن تساند الجماعات والحركات الإرهابية بالمال والتمويل وإيواء العناصر الهاربة وإقامة القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، فإنها سوف تساندها إلى ما لانهاية وفاءً لجميل هذه الدول التي تنفذ كل ما يُطلب منها وتفعل ذلك راضية وصاغرة.

وللأسف.. فإن هذه النوعية من الدول لم تدرك بعد في إطار طفولتها السياسية أن الاستقواء بالولايات المتحدة واتخاذها غطاءً تتقي به تقلبات الأحداث وثورات الشعوب لن يُجدي نفعاً في ظل التطورات الراهنة في المنطقة العربية والساحة العالمية، ولو كانت الولايات المتحدة تقف إلى جوار أنظمة الحكم على طول الخط، لكانت وقفت إلى جانب نظام مبارك في مصر أو نظام بن علي في تونس، ولم تكن لتطلب طلبها الشهير من مبارك على لسان رئيسها أوباما بعد ثورة 25 يناير بأن يرحل الآن، والآن يعني الآن.

إن هذا له دلالته التي لا يخطؤها صاحب عقل، وهى أن الولايات المتحدة من طبيعتها الغدر والخيانة، فرغم كل القرابين التي قدمها مبارك على أعتابها منذ أن كان نائبًا للرئيس السادات، إلا أنها انقلبت عليه وطالبته بالرحيل الفوري عن الحكم، لأن ذلك يخدم مصالحها، كما أنها إذا وجدت جماعة أخرى أو فصيل آخر يحقق لها مصالح أكبر فإنها تدير ظهرها لحليفها وتضع يدها في يد تلك الجماعة أو الفصيل، وهو ما اتضح جليًا من الزواج السري بين جماعة الإخوان والولايات المتحدة..
إن الولايات المتحدة كدولة لا تحب ولا تكره، فهى دولة بلا عواطف وبلا قلب، ولكنها دولة ذات مصالح، وبالتالي هى تتعامل معنا من هذا المنطلق.. لذلك فإن من يعتقد أنها غطاؤه فإنه سيكتشف بعد حين أنه بلا غطاء، بل وإن عوراته قد انكشفت أمام العالمين بفضل "الصديق" الذي خان الصداقة من وجهة النظر العربية التي تقوم على العواطف التي لا تعرف طريقها إلى السياسة الأمريكية التي تقوم على المصالح.

والأمر الثاني الذي قد تلجأ إليه بعض الدول العربية، هى أن تلجأ إلى ممارسة القهر والاستبداد على شعوبها، اعتقادًا منها أن هذا يكفل لها الحكم للأبد، ما دامت شعوبها تحت سيف التقييد والمنع والملاحقات وتكميم الأفواه، وهى مدرسة أثبتت نجاحاً لبعض الوقت، ولكن نتيجتها النهائية كانت الفشل الدائم والذريع، إن ما حدث في سوريا ضد نظام بشار الأسد لخيرُ دليل أنه ليس هكذا تُعامل الشعوب، وما نجح فيه والده حافظ الأسد لعقود فشل في أن يستمر فيه لشهور، ولاسيما بعد ثورتي مصر وتونس، لأن الشعوب العربية لن تسكت الآن على هكذا أنظمة بعد أن تنفست بعض الشعوب بعضاً من نسيم الحرية.

وتقع بعض الدول العربية في هذه السلة أيضاً مثل العراق الذي سلمت فيه الولايات المتحدة أزمة الأمور للشيعة قبل انسحابها، وهو ما أدى إلى ممارسة الشيعة كل وسائل الانتقام والتنكيل بالسُنة، رداً على ما كان يفعله بهم صدام حسين، وهو ما أدى إلى مايشبه اندلاع ثورة سُنية ضد حكم الشيعة، وإلى ظهور داعش "السُنية" بكل عنفها كرد فعل للعنف الذي واجهه العراقيون من قبل نظام حكم لم يُقَمْ على أساس من التسامح الديني والمذهبي. ومن هنا، فإن لعب بعض الدول العربية على ورقة المذهبية وبذر بذور الفتن وتقسيم الشعوب إلى فصائل وفِرق لن يكون سنداً لاستمرار أنظمة الحكم فيها، بل سيؤدي إلى مزيد من القلاقل والاضطرابات غير المسبوقة، وهو ما سيُعجل بسقوطها.

وفي النهاية.. فإن الطرق الثالث الذي طرحناه في هذا المقال هو طريقٌ مسدود أمام أنظمة الحكم العربية، وإذا كانت هناك بعض الدول سلكت هذا الطريق، فإن عليها أن تعود عنه، وليس لزاما عليها أن تمضي فيه إلى آخره حتى تصطدم بالحائط، وفي رأينا أن العرب في الوقت الراهن أمام طرقٍ ثلاثة هى سكة السلامة وسكة الندامة وسكة اللي يروح ما يرجعش.. والسكة الوحيدة التي يجب أن يسلكوها ويضمنون بها السلامة لأنفسهم ولشعوبهم ،هى أن تعمد نظم الحكم العربية إلى الإصلاح والتحديث و"العصرنة" بدلاً من التجديف في بحارٍ هائجة وسط الأنواء العاتية التي قد تعصف بالشعوب وأنظمة الحُكم على السواء.