رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دواعش ليبراليون ويسارجية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"إن لم تكن معي فأنت ضدي" مقولة تاريخية لا أعرف متى بدأت ومن صاحب تلك العبارة، ولكنها للأسف صارت منهج حياة نعيشه اليوم في ظل الربيع العربي المحتضر، صار الكل يملك الحقيقة الكاملة، صار الكل قضاة وجلادين، صاروا فلاسفة وشعراء وثوار وأطهار ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو من خلفهم.
هذه حالة كارثية بكل تأكيد، وإذا كانت تلك الحالة قد استشرت في أوساط الإسلام السياسي بحكم مرجعياته التي ترفض أي اختلاف وصارت مشاهد الذبح التي نراها من داعش في العراق وسوريا هي النموذج الكاشف والصحيح لمنهجهم دون اتخاذ مبدأ التقية الذي عملت عليه جماعة الإخوان سنوات طوالا، فلا غضاضة ولا تناقض بين ممارسات داعش ومنهجهم الفكري الذي قاموا عليه.
ولكن عندما يتسرب ذلك الداء إلى أوساط وبيئات فكرية مناقضة لداعش من حيث الشكل والمضمون هنا تكون الطامة الكبرى، فالقتل ليس شرطاً أن يكون بسكين أو برصاصة غادرة، لأنه من الممكن أيضاً القتل المعنوي الذي يستخدمه فريق سياسي ضد فريق آخر، باستخدام النفي والإقصاء والشائعات السوداء بل وغلق منافذ هواء التفكير على المختلف معهم.
برزت هذه الظاهرة بمصر بعد يناير 2011، فصرنا نسمع عن متحدثين باسم الثورة في جملة شهيرة صارت مدعاة للسخرية فيما بعد حيث يسترخي الشاب أو الضيف التليفزيوني في المقعد الوثير أمام مذيع التوك شو قائلاً " احنا لما عملنا الثورة "، كانت هذه أول عملية اختطاف ونفي واقصاء للجماهير التي احتشدت وثارت ونجحت في التغيير، كان من الممكن قبول القول هذا من خصوم اختلف معهم سياسياً وأعرف عنهم غبائهم السياسي ولكن أن يصدر هذا عن أشكال اتضح أنها كرتونية وتنتمي في معظمها لليسار والليبرالية، فهذا هو مبعث العجب.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فقد سارت الأيام للأمام ثم نحت أحدهم مصطلح فلول وثوار وبفضل هذا الإنجاز الوهمي نجح المتأسلمون في ركوب ظهر هؤلاء المدعين واختطاف الحكم في مصر الذي هو كعكة الثورة، واليوم وبعد تسجيل أكبر حشد جماهيري في التاريخ قدره البعض بأكثر من 30 مليون خرجوا في 30 يونيه ليفرضوا واقعاً جديدا على الخارطة المصرية والعربية بل والعالمية دون مبالغة، فقد ابتلانا الله بمن يخرج من بين صفوفنا ليصك مصطلحاً آخر اسمه الدولتيه والثورجية، ويبدو أن نهار التقسيم لن ينتهي، وذلك لاستفادة تيارات متخلفة ودول ليست صديقة من هذا العبث المتوالي.
نقف هنا كثيرا عند أنصار الدولة المدنية وسقوطهم في ذلك الفخ كدواعش صغار، فالملاحظة العامة عليهم هي خواء تنظيماتهم فكرياً وجماهيرياً، واقترابهم من شكل الطبلة الفارغة صاحبة الصوت المرتفع، والملاحظة الأخرى هي إعلان بعضهم امتلاك الحقيقة الكاملة كأنهم أنبياء جاؤا من السماء بالوحي من عند الله، وراجعوا هنا صورة البرادعي وأنبياء حقوق الإنسان الكاذبين.
وبينما نخطو نحو الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق وانتخابات البرلمان نتوقع سرعة وتيرة التكفير السياسي وتمزيق الثياب بين أبناء الخندق الواحد .. وبينما يجتهد بعض الليبرالجية واليسارجية للاصطفاف مع خندق الظلاميين المتأسلمين سنسمع كلاما منهم له العجب ضد رفاقهم الذين اختاروا المواجهة الواضحة، مثل خونة الثورة أو عبيد البيادة أو غيره من اللعنات الجاهزة.
ومن يلتفت لتلك الطبول الجوفاء لا شك أنه سيساعدهم في مخططهم للقفز نحو المجهول الذي يحرق الزرع والضرع، ويعود بسيارة الوطن إلى الخلف.