السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أبناء محفوظ عجب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شعرت بالذعر وأنا أشاهد سيادة الوزير المحافظ اللواء وهو يرتجف من الخوف اثناء لقائه مع احد مذيعي التوك شو الذي انهال عليه هجوما من كل الاتجاهات ودلق فوق رأسه دشًا باردًا من الاسئلة التي لم يكن في وسع المحافظ المسكين الاجابة عليها لانه "جاء الى موقعه منذ شهور قليلة!، اشفقت على المحافظ لأنه كان تحت مقصلة لا ترحم امام رأى عام ينتظر ذبح اي مسئول مقصر وللاسف فإننا قبلنا جميعا وارتضينا بأن نسند مهمة الذبح ليس لقاض أو لجهة رقابية أو لبرلمان .. و لكننا تركناها في يد مذيع توك شو !
وشعوري بالذعر – رغم اني انتمي لمهنة الاعلام – مبعثه اننا اعطينا سكينا في يد الاعلام ولم نعلمه كيف يستخدمها ، كما اننا اشعنا وبالتحديد بعد 25 يناير 2011 مفهوم ان الاعلام الناجح او المذيع الشاطر هو من يكسب جولات الضرب تحت الحزام وحصار الضيف في زاوية الحلبة والاجهاز عليه بالضربة القاضية ! والمذيع الناجح اصبح هو من يتكلم اكثر ومن يعطي رأيه و يحلل ويعارض كل شيء ويصيح و يهتف ويردح احيانا ، ينجح اكثر اذا صفى دم ضيفه وابتزه بأمور شخصية ، والمهم دائما ان يرتدي رداء الوطنية ويظهر للرأى العام كيف انه يفضح الفساد ويطارد الخونة وأنه بالتأكيد اكثر وطنية من الجميع !
هذه الحالة المرعبة امتدت لاجيال جديدة من مقدمي البرامج الذين اعتبروا انفسهم فوق القانون و تجرأوا على الجميع بصورة مخيفة اثارت سخط مشاهديهم الذين شعروا انهم مقبلون على ظاهرة اعلامية جديدة حيث يستبدل التليفزيون والصحافة نفسهما بكل المؤسسات و يمسكان في ايديهما بمفاتيح دخول السجن او النار !  وعندما سمعت ذات يوم مذيع يقول في اتصال تليفوني لمسئول في مصلحة حكومية .. اناوراك .. ومش هاسيبك !، قلت إن الدولة التى تسلم نفسها لمذيع على شاشة التليفزيون هي دولة هشة على حافة الانهيار !.، وهذه الحالة التي نعيش تداعياتها كل يوم ووصلت الى حد ذبح شخصيات وطنية ورجال اعمال في وقت عصيب تحتاج فيه البلد لكل ابنائها ، هي حالة لا علاقة لها بالحرية، ولا بالمهنة ، وهي للاسف اقرب الى البيزنس والحسابات الشخصية ، لا قضية ولا هدف ولا موضوع ولا اى انسان سيستفيد من نشر غسيل الناس الا عشاق النميمة والحكاوي الرخيصة على المقاهي !  و في الاسبوع الماضي كتبت الكاتبة الوطنية النابهة نشوى الحوفي في مقالها في الوطن عن وجه آخر لفساد المهنة تحت عنوان "خريف النخبة" ، وكان جوهر المقال كلام موجع عن الضمير الغائب للصحفي و الاعلامي الذي يجعله قادرا بلا خجل على تغيير جلده و مبادئه كما يغير حذاءه تماما كما كان " محفوظ عجب " شخصية موسى صبري الشهيرة في روايته الرائعة صاحبة الجلالة التي تناولت قصة صعود صحفي من القاع الي قمة التأثير في قرارات السلطة و قدرته الخرافية على التلون وارتداء الاقنعة ، وكان موسى صبري يتحدث عن محمد حسنين هيكل ، وكانت نشوى الحوفي تتحدث عن ابناء وتلاميذ هيكل الذين تربوا في مدرسته وربما برعوا اكثر من استاذهم في التسلق الاسرع و الشهرة الاوسع والمكاسب بالملايين اكثر وفي وقت اقصر ! واذا كنا نتحدث كثيرا هذه الايام عن غرفة لصناعة الاعلام في مصر وعن نقابة للاعلاميين وعن مجلس اعلى للاعلام مهمته تنظيم المهنة، فنحن يجب ان نسأل من سيقوم بهذه المهمة ، هل هي نفس الوجوه صاحبة المصلحة في بقاء الساحة الاعلامية على هذه الحالة من الفوضى ، وهل هم انفسهم من يتحكمون الآن في نشر الثقافة الاعلامية السائدة ، وكيف يضع الضوابط والقوانين من ستطبق عليهم القوانين ؟!
ان ابناء محفوظ عجب لم يعودوا مجرد شخصيات في روايات لموسى صبري او فتحي غانم ونجيب محفوظ ، هم الآن كيان هائل وغني قادر على اثارة الرعب في قلب أي شخصية .. محافظ وزير أو رجل اعمال ، و ليس المهم ان تكون هناك قضية ، المهم ان قطار المصالح يمشي الى غاياته، و من اجل " المصالح " لا يهم ان يفلس اعلام الدولة وان ينهار ماسبيرو و تضعف قدرة الدولة على مخاطبة الرأي العام الخارجي .. المهم ان يحافظ احفاد محفوظ عجب على نسبة مشاهديهم وعلى كوتة اعلاناتهم وفي النهاية على اعجاب " إبسوس" وتصنيفها المتقدم !
ان حرية الاعلام ليس معناها مزيد من الاصفار في ارقام ارصدة بعض الاعلاميين في البنوك !!