الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شمس التبريزي.. المعلم الدرويش

شمس التبريزي
شمس التبريزي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التبريزي هو نعت يفيد النسب إلى تبريز، وشمس التبريزى شاعر أصوله فارسية توفي سنة 1248 في قونيا فى الأناضول "آسيا الصغرى ، المنطقه التي تقع فيها تركيا الآن" فى نهاية فترة حكم السلاجقة.

وكان الصاحب المقرب والأستاذ الروحى لجلال الدين الرومى الذي عاش معه فى بيت واحد في قونيا عاصمة السلاجقة فى الأناضول.

وقيل: إن تلاميذ جلال الدين الرومي قتلوه، فحزن عليه الرومي حزناً كبيراً وكتب شعره المشهور الذي كتبه بالفارسي من حزنه على فراق أستاذه، فكتب ديوان كامل أسماه بـ" ديوان شمس تبريز أو الديوان الكبير" كذكرى لصاحبه وملهمه وموجهه الروحى شمس الدين التبريزى في التصوف و الشعر.

طفولة مختلفة

منذ نعومة أظفاره كان "شمس الدين التبريزى" يعلم أنه مختلف. منذ طفولته وهو يرى رؤى ويسمع أصواتا، وكل رؤاه تتحقق. وفى بعض الأيام يصعد إلى السماء السابعة بخفة شديدة ثم يهبط فى أعمق حفرة فى الأرض. لكننا نستطيع أن نتوقع أن هذا الاختلاف كان يثير حيرة الآخرين وانزعاجهم، وبالأخص والديه.

هجر شمس الدين التبريزى وتحول إلى درويش يتنقل من مكان إلى آخر. طوّف شرقا وغربا، باحثا عن الله، عالما أنه داخله. سلك جميع أنواع السبل. سار فوق الشطآن المهجورة. مشى فى دروب منسية لا يطرقها بشر. أقام فى خانات، وزار معابد وأضرحة، وتأمل مع النساك فى الكهوف، وشارك الدراويش مجالس الذكر، ورقص مع السحرة تحت القمر.

واكتسب معارف كثيرة احتفظ بها داخله. حفرت المعارف أخاديد عديدة داخل روحه. اكتملت المعارف قاعدة بعد قاعدة حتى بلغت أربعين قاعدة للعشق الإلهى. لحظتها أدرك أن رحلته على الأرض شارفت على الانتهاء.

وتوالت الرؤى بأنه سيلاقى رفيقا ينقل إليه هذه المعارف. وقتها سيتحول هذا الرفيق إلى شاعر صوفى وداعية للتسامح، وهاد للباحثين عن الله إلى سبل الحب الإلهى. ولكن من هو؟ لا يدرى. كل ما كان يراه هو لمحة من المستقبل، لحظة مقتله بالذات، ورفيقه صديقه يسكن الحزن فى عينيه البندقيتين إلى الأبد، ويصرخ ملتاعا على فقدان أنيس روحه. ولم يكن يعرف وقتها أن توأم الروح يسكن بتركيا، واسمه "جلال الدين الرومى".

بالنسبة لجلال الدين الرومى كان الأمر يختلف. فلم يكن مثل شمس الدين التبريزى صوفيا غريب الأطوار، وإنما عالم شريعة مبجلا، محبوبا من الجميع، يحظى بالتقدير أينما ذهب. عالم يجيد استخدام الكلمات، لكنه لا يستخدم استعارات كثيرة، لأنه ليس بشاعر. كان مثل علماء الدين التقليديين، لكنه كان يتمتع بشىء خاص: قدرته على الغوص وراء المظاهر واستخلاص الجوهر.

كان الرومى بالرغم من نجاحه وروعته لا يشعر بالرضا عن نفسه.؛ إذ يعتريه شعور بالفراغ يتمدد داخله. إذ ينقصه "شىء ما" يجعله يتوهج. وبعد كثير من البحث المحموم، والتضرع إلى الأقدار، رأفت السماء بكليهما، والتقى فى الله العاشقان: شمس التبريزى وجلال الدين الرومى.

الديوان الكبير
أطلق جلال الدين اسم أستاذه ومرشده شمس الدين التبريزي على ديوانه: لأنه من ألهمه ودله على الطريق.

وكان جلال الدين- حين قابل هذا الأستاذ- قد فاز بشهرة عريضة بعد أن نصبه السلطان "علاء الدين كيقباد" أكبر سلاطين سلاجقة بلاد الروم وآسيا الصغرى والأناضول، لكي يشغل المنصب الذي شغر بوفاة أبيه "بهاء الدين"، فينهض بتدريس العلوم الدينية كالفقه والأصول والتفسير والحديث، ويتولى مقام الإفتاء في البلاد، فعند ذاك ذاعت شهرة جلال الدين، فضربت به الأمثال، وشدت اليه الرحال، وأقبل عليه الطلبة من كل حدب وصوب حتى تعرف فجأة على شمس الدين التبريزي حين دخل "قونية" سنة 246 هـ - 4421م، فتبدل حالة وترك ما كان فيه من درس وإفتاء وشهرة وذيوع صيت ليسلك طريقاً آخر: طريق العلم المعنوي مهتدياً ومسترشداً بأستاذه وشيخه شمس تبريز، واستمرت الألفة بينهما حتى انتهت بمقتل شمس الدين بمدينة قونية سنة 446هـ.

لقد بدأ شمس التبريزي كالبرق الخاطف الذي ومض برهة في حياة جلال الدين ثم اختفى فجأة وبسرعة خاطفة، ولكنه ماترك جلال الدين إلا بعد أن فتح له باب عالم آخر من المعرفة والذوق، وفجر فيه كل هذه الينابيع المتدفقة من المحبة، والحماس، والشوق، والتحرق، والإبداع.

وربما كان أفضل ما قيل من صفات "شمس الدين التبريزي" ما أورده المستشرق الانجليزي ر.أ نيكلسون في مقدمته لكتابه "غزليات مختارة عن ديوان شمس تبريز" بقوله:

لقد امتاز بحماس روحي شديد، مصدره الفكرة التي استولت عليه فجعلته يتخيل أنه مبعوث العناية الالهية، وقد استطاع بواسطة ذلك أن يسيطر على كل من قدم عليه أو دخل في مجلسه، وفقره المدقع وموته العنيف شبيه كل المشابهة بالفيلسوف "سقراط" فكلاهما استطاع أن يكشف لنا عن خطل العلوم الظاهرة، وعن شدة حاجتنا إلى التثقف والتنور، وعن قيمة الحب في حياتنا، وأن الانفعالات الشاردة والتحديات الجاهلة للقوانين الانسانية إنما تؤدي إلى فقد الاتزان العقلي ، والسمو الأخلاقي، اللذين هما مقياس التمييز بين الحكيم والمريد".

لقد قالت معظم السير إن شمس الدّين التبريزي كان درويشا هائمًا على وجهه في بلاد المسلمين، من تلك الفئة من المتصوّفة التي اختارت نبذ الدنيا وراء ظهورها وترك المال والعيال والتنقّل في ملكوت الله الواسع والتأمّل في آياته في خلقه من بشر وشجر وحجر.

وقالت سير أخرى: إن شمس كان شاعرا و حكيما فارسيا إلى كونه درويشا هائما، وأنه جاء إلى قونية السلجوقية التركية آنذاك، يبحث عن تلميذ بعينه ينقل إليه أسرار الطريقة والحكمة، وأنه وجد في مولانا جلال الدّين ضالته.

وبحسب القصّة المشهورة، فإن صلة المحبّة هذه أثارت غيرة أتباع مولانا جلال الدّين وأوغرت صدورهم على الدرويش الغامض، فقاموا باغتياله في حادث طرق مثير على الباب ذات مساء، ولم يظهر بعدها شمس، تاركًا في قلب الصاحب لوعة أفاضت شعرا وفنّا وحنينا وحبّا.

توفى شمس التبريزى سنة 1248 فى مدينة خوى فى شمال شرق إيران، ودفن هناك، وتحولت مقبرته إلى موقع من مواقع التراث العالمى التابعه لمنظمة اليونيسكو.

قواعد العشق الإلهي

ونورد بعضا من قواعد شمس في العشق الإلهي المقتبسة من كتاب "قواعد العشق الأربعون" للروائية التركية إليف شافاق.

إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا إنعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدراَ كبيراَ من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا. أما إذا رأينا الله مفعماَ بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك.

إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب، لا من الرأس. فاجعل قلبك لا عقلك دليلك الرئيسي. واجه، تحد، وتغلب في نهاية المطاف على "النفس" بقلبك. إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله.

يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة أو في الكنيس. لكنك إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد، يوجد مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عنه: وهو قلب عاشق حقيقي. فلم يعش أحد بعد رؤيته، ولم يمت أحد بعد رؤيته، فمن يجده يبقى معه إلى الأبد.

لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال. فمهما كانت وجهتك، يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك. فإذا سافرت في داخلك، فسيكون بوسعك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه.

يوجد معلمون مزيفون وأساتذة مزيفون في هذا العالم أكثر عدداَ من النجوم في الكون المرئي. فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلمين الحقيقين. فالمعلم الروحي الصادق لا يوجه انتباهك إليه ولا يتوقع طاعة مطلقة، أو إعجاباَ تاماَ منك، بل يساعدك على أن تقدر نفسك الداخلية وتحترمها. إن المعلمين الحقيقيين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم.

لاتحاول أن تقاوم التغيرات التي تعترض سبيلك، بل دع الحياة تعيش فيك. ولا تقلق إذا قلبت حياتك رأساَ على عقب. فكيف يمكنك أن تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟.

يقول القرآن الكريم (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، إن الله منهمك في إكمال صنعك، من الخارج ومن الداخل. إنه منهمك بك تماماَ. فكل إنسان هو عمل متواصل يتحرك ببطء لكن بثبات نحو الكمال. فكل واحد منا هو عبارة عن عمل فني غير مكتمل يسعى جاهداَ للإكتمال. إن الله يتعامل مع كل واحد منا على حدة لأن البشرية لوحة جميلة رسمها خطاط ماهر تتساوى فيها جميع النقاط من حيث الأهمية لإكمال الصورة.

إن الماضي تفسير، والمستقبل وهم. إن العالم لا يتحرك عبر الزمن وكأنه خط مستقيم، يمضي من الماضي إلى المستقبل. بل إن الزمن يتحرك من خلالنا وفي داخلنا، في لوالب لا نهاية لها.

لا يعني القدر أن حياتك محددة بقدر محتوم، لذلك فإن ترك كل شيء للقدر، وعدم المشاركة في عزف موسيقى الكون دليل على جهل مطلق. إن موسيقى الكون تعم كل مكان وتتألف من أربعين مستوى مختلفاَ. إن قدرك هو المستوى الذي تعزفين فيه لحنك. فقد لا تغيرين آلتك الموسيقية بل تبدلين الدرجة التي تجيدين فيها العزف.

يجب ألا يحول شيء بين نفسك وبين الله، لا أئمة ولا قساوسة ولا أحبار ولا أي وصي آخر على الزعامة الأخلاقية أو الدينية ولا السادة الروحيون ولا حتى إيمانك. آمن بقيمك ومبادئك، لكن لا تفرضها على الآخرين، وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين. فمهما كانت العقيدة الدينية التي تعتنقها، فهي ليست عقيدة جيدة.

لا تهتمي إلى أين ستقودك الطريق، بل ركزي على الخطوة الأولى. فهي أصعب خطوة يجب أن تتحملني مسؤوليتها. وما إن تتخذي تلك الخطوة دعي كل شيء يجري بشكل طبيعي وسيأتي ما تبقى من تلقاء نفسه. لا تسيري مع التيار، بل كوني أنت التيار.

لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلبًا، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية. ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. أما نفاذ الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة.

مهما حدث في حياتك، ومهما بدت الأشياء مزعجة، فلا تدخل ربوع اليأس. وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، فإن الله سيفتح دربًا جديدًا لك.

يقبع الكون كله داخل كل إنسان، في داخلك، كل شيء ترينه حولك، بما في ذلك الأشياء التي قد لا تحبينها، حتى الأشخاص الذين تحتقرينهم أو تمقتينهم، يقبعون في داخلك بدرجات متفاوتة. لذلك، لا تبحثي عن الشيطان خارج نفسك ـ أيضاً. فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج، بل هو صوت عادي ينبعث من داخلك. فإذا تعرفت على نفسك تمامًا، وواجهت بصدق وقسوة جانبيك المظلم والمشرق، عندها تبلغين أرقى أشكال الوعي. وعندما تعرفين نفسك، فإنك ستعرفين الله.

إذا أراد المرء أن يغيّر الطريقة التي يعامله فيها الناس، فيجب أن يغير أولاً الطريقة التي يعامل فيها. وإذا لم يتعلم كيف يحب نفسه، حبًا كاملاً صادقًا، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحب. لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة، سيشكر كل شوكة يلقيها عليه الآخرون. فهذا يدل على أن الورود ستنمهر عليه قريبًا.

إن جهنم تقبع هنا والآن، وكذلك الجنة. توقفوا عن التفكير بجهنم بخوف أو الحلم بالجنة، لأنهما موجودتان في هذه اللحظة بالذات. ففي كل مرة نحب، نصعد إلى السماء. وفي كل مرة نكره، أو نحسد، أو نحارب أحدًا، فإننا نسقط مباشرة في نار جهنم.

تكون الفكر والحب من مواد مختلفة. فالفكر يربط البشر في عقد, لكن الحب يذيب جميع العقد. إن الفكر حذر على الدوام وهو يقول ناصحاَ: "إحذر الكثير من النشوة"، بينما الحب يقول: "لا تكترث! أقدم على هذه المجازفة". وفي حين أن الفكر لا يمكن أن يتلاشى بسهولة، فإن الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاماَ من تلقاء نفسه. لكن الكنوز تتوارى بين الأنقاض. والقلب الكسير يخبئ كنوزاَ.

لقد خلقنا جميعاَ على صورته، ومع ذلك فإننا جميعاَ مخلوقات مختلفة ومميزة. لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الإيقاع ذاته. ولو أراد الله أن نكون متشابهين، لخلقنا متشابهين. لذلك، فإن عدم إحترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين، يعني عدم إحترام النظام المقدس الذي أرساه الله.

إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته. فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل ومن الخارج.

لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي أم دنيوي، غربي أم شرقي. فالانقسامات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو، نقي وبسيط.

تنبع معظم مشاكل العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط. لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقاَ. وعندما تلج دائرة الحب، تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن، فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات، لا يمكن إدراكه إلا بالصمت.