رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللحظة السياسية الراهنة والمهمات العاجلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك ثلاث قوى ساهمت فى إسقاط مبارك، الأولى هى القوى الديمقراطية التى تصدت لنظام مبارك وبالذات منذ بداية الألفية الثالثة، والثانية هى قوى الإسلام السياسى التى شاركت فى أحداث الثورة نفسها فى اللحظات الأخيرة، والثالثة هى بعض قوى الدولة القديمة التي رفضت سيناريو توريث السلطة لجمال مبارك و (أو ) أرادت أن تصلح من النظام الذى دب فيه الفساد والترهل.
بعد سقوط مبارك وضع المجلس العسكرى بالتعاون مع الإخوان مسارا للمرحلة الانتقالية رفضته القوى الديمقراطية لكن الشقاق سرعان ما دب بين الإخوان والمجلس العسكري عندما حاول الإخوان الاستئثار بالسلطة عقب فوزهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما أثار واستفز كل القوى السياسية والديمقراطية وكذا قوى الدولة القديمة للعمل على الأرض معا من أجل إسقاط الإخوان بدون تحالف معلن أو محدد الأهداف والتوجهات، وهو الأمر الذى تم بالفعل فى 30 /6 بمباركة من الجيش الذى دعم هذه الثورة ، او ربما مهد لها أيضا، مثلما دعم من قبل ثورة 25 يناير 2011.
قوى الدولة القديمة ومنذ 30 /6 وحتى الآن تحاول إعادة بناء الدولة القوية المهيمنة، التى عرفتها مصر وبطبعات مختلفة، فى العقود الستة السابقة، ورغم تعدد الاتجاهات داخل هذه القوى إلا أن ما يجمع بينها هو رغبتها فى بناء دولة قوية حيث تعني الدولة القوية بالنسبة لها الدولة الاستبدادية، ومن ثم فإن هذه القوى مُعادية للديمقراطية وتعمل بكل قوة من أجل إقصاء القوى الديمقراطية.
تنقسم قوى الدولة القوية المهيمنة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: أنصار المستبد العادل، ودعاة الدولة الأمنية، وأنصار الإصلاح الإدارى، والتيارات الثلاثة تحاول أن تجعل من السيسى ممثلها من خلال استخدام تكتيكات الاستيعاب والاحتواء بغرض الاستخدام والتوظيف، والسيسى من ناحيته يرغب هو الآخر، في الاستناد على الجيش، والمزاج الشعبى ، فى بناء دولة قوية مهيمنة ستميل حتما للاستبداد في ظل رفضه للحياة السياسية و العمل السياسي ، ومثل دعاة الدولة القديمة ، لا يثق السيسي كثيراً فى الديمقراطية ، على الأقل فى هذه المرحلة، ومن ثم لا يثق فى القوى الديمقراطية، وتعتبر هذه نقطة التلاقى الموضوعية بين السيسى وقوى الدولة القديمة، ولكن فى المقابل ، وبالتجربة المباشرة ، فإن اقتراب قيادات الحزب الوطنى المنحل ، ورموز الدولة القديمة، من السيسى يضره أكثر ما يفيده، رغم كل الجهد الذى بذلته هذه القيادات فى حملة السيسى الانتخابية.
إضافة إلى الأضرار المباشرة التى يمكن أن تلحق بشخص السيسى إذا أحاط نفسه برموز الحزب الوطنى، فإن هذه الرموز لا تزال تتزعم شبكات هائلة من المصالح وكذا شبكات هائلة من الفساد أيضا، وهي الشبكات التى نمت وترعرعت وازدهرت على مدى ثلاث عقود، والسيسى يعلم أنه إما أن يصبح جزء منها أو حتى يترأسها بكل سوائتها أو يناصبها وتناصبه العداء، ونحن نعتقد أن السيسي سيختار، أو لعله اختار بالفعل، المواجهة مع هذه الشبكات مدفوعا لذلك برغبة في إصلاح مؤسسة الدولة التي لا يثق فيها الآن بنفس القدر الذي لا يثق فيه في الأحزاب والقوى السياسية.
عدم وجود ظهير سياسي للسيسي، بل عدم تبنيهه أو إعلانه رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وعدم رغبته أيضا، في تنمية الحياة السياسية، وأخيرا عدم ثقته في الديمقراطية كوسيلة لإصلاح الحال و الأحوال، قد تدفعه حتما، وبكل أسف، لإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، ففي نفس الوقت الذي سيواجه السيسي فيه رموز طغمة أو مجموعة الدولة القديمة، و بالذات الفاسدون منها، قد يتم بناء مجموعة جديدة من رجال الدولة والأعمال، وقد تتشكل هذه المجموعة في البداية من عناصر جادة او إصلاحية او غير فاسدة ، و لكن مع مرور الوقت و غياب الديموقراطية ، من المقدر ان يدب الفساد و الترهل داخل هذه المجموعة ، ولعلنا جميعا نتذكر ان مبارك اصطدم بطغمة السادات ، و لكنه في ظل غياب الديموقراطية ، اي في ظل غياب ، او بالأحرى: تغييب ، الاحزاب ، و آليات الرقابة ، و المحاسبة ، و الاحتجاج السلمي ، لم ينجح مبارك الا في اعادة انتاج نفس النظام بوجوه جديدة ، وبدلا من طغمة السادات التي كانت تضم عصمت السادات و رشاد عثمان و سيد مرعي و غيرهم ، اصبح لدينا في اواخر عصر مبارك طغمة جديدة تضم أحمد عز وجمال مبارك و العادلي وغيرهم.
هناك عوامل اخرى تزيد من احتمال ان يعيد السيسي انتاج الدولة القديمة من بينها ضعف و تصدع بنى القوى الديموقراطية حيث ترى بعض هذه القوى ان هناك تعارض بين استعادة الدولة القوية وبين التمسك ببناء الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة الان وفورا ، ويؤكد البعض إضافة إلى ما تقدم أن عداء السيسي للغرب او الاستعمار في الظروف الحالية ، من وجهة نظرهم ، يضع الديموقراطية في مرتبة أدنى من حيث الأهمية ، بينما يرى البعض الاخر ان عداء السيسي للإخوان هو ما يوجب تأجيل الديموقراطية ، بينما يرى فريق ثالث ان الأزمة الاقتصادية ، و ما يمكن ان تفرضه من حلول قاسية قد تؤدي الى اضطرابات اجتماعية ، هي ما يجب ان تدفعنا الى تأجيل الديموقراطية .
بإختصار هناك معركة ، ضد الاستعمار او الاخوان او الأزمة الاقتصادية ، و لا ينبغي ان يعلو صوت فوق صوت المعركة ، و بالتالي فالديمقراطية ، و بناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة ، مشروع مؤجل حتى ننتصر ، بإذن الله ، في هذه المعركة ، و هذه الصيغة تحديدا هي التي أجلت المشروع الديموقراطي في العقود الست السابقة بسبب المعركة ضد الاستعمار او الإقطاع او الإرهاب ... الخ .
في المقابل لا تزال قوى الثورة و التغيير تملك الكثير من عناصر القوة اهمها على الاطلاق ان حجم ما تعانيه مصر من أزمات قد يدفع السيسي نفسه ، و المجموعة الحاكمة ، الى تعديل اختياراتهم ، و توجهاتهم ، لأن ما يمكن ان يكون الخيارات الحالية للسيسي ، على ما يبدو ، لن تعيد انتاج الدولة القديمة بسرعة فحسب ، و انما ستعيد أيضاً إشعال فتيل الثورة مجددا ، لأن قوى الثورة ، حتى لو كانت في حالة إحباط و انكسار ، و هو امر ممكن إضافته الى العوامل التي قد تساعد على انتصار قوى الثورة المضادة ، قد تخرج من هذا الإحباط في اي لحظة على رأس انفجار شعبي واسع من الممكن ان يحدث بعيدا عن اي ارادة مباشرة لأي قوى سياسية ، و سيكون هذا الانفجار الثالث ، او هذه الموجة الثورية الثالثة ، بالتأكيد اكثر جذرية من ذي قبل ، في المواجهة ضد قوى الثورة المضادة ، و يزيد من هذا الاحتمال حجم الأزمات التي تمر بها البلاد ، كما ذكرنا من قبل ، حيث لن تستطيع ، غالبا ، قوى الدولة القديمة ، ان تقدم اي حلول ناجعة لهذه الأزمات .
عنصر القوة الثاني الذي تملكه قوى الثورة هو قدرتها على الضغط بإعتبارها طرف أصيل في النظام السياسي حيث من الممكن ان تلعب دور الحاكم او الشريك الضاغط في اتجاه بناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة ، و من الممكن ان تلعب أيضاً دور المعارض للحكم و الحاكم و الضاغط أيضاً في اتجاه بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
الآن دعونا نتساءل ما المهام العاجلة للقوى الديمقراطية؟ أو بصياغة أخرى ما الدور المحتمل والممكن و المفترض الذي يمكن أن تقوم به القوى الديمقراطية التي ما زالت تتمسك بمواقفها ومبادئها سواء في التعامل او التفاعل مع أي موجة ثورية قادمة، او في التعامل و التفاعل داخل النظام السياسي الان ؟ و ما طبيعة التحالفات التي يمكن أن نبينها لتحقيق ما نصبو إليه؟ باختصار ما المهمات العاجلة لقوى الثورة؟ سنحاول في المقال القادم أن نجيب عن هذه التساؤلات بإذن الله.