الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أهم مهام ما بعد مرسي..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

[email protected]
ما كان لحركة تمرد أن تحقق هذا التجاوب الشعبي العظيم إلا لرفعها شعارات تمسّ عاطفة الناس؛ لمباشرتها ووضوحها ولطرحها مشاكل تؤرقهم، ثم لنزولها للجماهير في أماكنهم، وشرح الأسباب والأهداف والوسائل، وعدم مداراة المخاطر المتوقعة من الانضمام، فأحس أبناء قطاعات عريضة من الجماهير بصدق الدعوة وبنزاهة أصحابها، وبالفوائد التي ستعود عليهم من نجاحها، واقتنعوا بأن هذا لن يتحقق إلا بمشاركة الجميع؛ فكان هذا النجاح المدوي الذي انجذب له أكثر من 15 مليون مواطن، صاروا يشكلون قاعدة “,”تمرد“,” وجسدَها الفتيّ، بعد أن نفروا من سياسة وخطاب المعارضين التقليديين الذين عجزوا عن مخاطبة الفقراء بلغة يفهمونها، كما فشلوا في إقناعهم بالعلاقة الوطيدة بين الدفاع عن الدستور والحريات العامة والخاصة، وبين توفير لقمة العيش.
هذه الجماهير العريضة هي التي تهزّ أقوى العروش، وهي التي تجبر الدول العظمى داعمة العرش على أن تتراجع وتراجع حساباتها، وتترك صاحب العرش لمصيره بعد أن صار عبئًا يهدد مصالحها، ما دام أن الجماهير أفصحت عن إرادتها، بقوة وبلا مواربة، في تغييره.
النظرة الأولى، وهي في حاجة إلى دراسة علمية، عندما تهدأ الأجواء ونتخلص من كابوس حكم الإخوان المسلمين وحلفائهم، أن الجماهير الشعبية جاهرت بتمردها لعوامل موضوعية أخرى، منها وطأة سحق الإخوان لهم، ولإقصائهم خارج السياسة اليومية وبعيدة المدى، إلى حد تجاهل مطالبهم التي تواضعت إلى حد استجداء توفير أساسيات الحياة المُلِحَّة، وكان فقدان الأمل هو النتيجة المأساوية، وهو من أهم العوامل التي تدفع الناس إلى الاندفاع في المخاطرة.
وإعلان التمرد على حكومة أقدم دولة مركزية في العالم هو واحد من أخطر المخاطر.
ويُستَخلَص من كل هذا، وجوب أن تكون قضايا هؤلاء الناس على رأس أي سياسة تبغي النجاح، وفي أوليات أي سياسي يهمه أن يكسب رضا شعبه. وقد انتبه عدد من قادة المعارضة لهذا، بل وصرح الأذكياء منهم بأنهم انضموا مع الجماهير إلى حركة تمرد، وأنهم يؤمنون بأن القيادة عليهم صارت للشباب الداعين لتمرد، وأن الكبار سيساعدون بقدر ما يرون تدخلهم مفيدًا.
إن الطموح الرائع لثورة يناير بأن تنتقل مصر إلى طور الدولة الحديثة لا يمكن أن تتوفر أول شروطه إلا بتحقيق أسس العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر، بالبدء بالفقر المهين لكرامة صاحبه، ومن المهام الأخرى التي صارت تحتل الأولوية توفير الأمن وإشاعة الطمأنينة والتعامل بكل حزم مع ظاهرة البلطجة التي أصبح الفقراء هم أول ضحاياها.
لقد أخطأ الإخوان وحلفاؤهم أخطاء قاتلة أنهم لم يدركوا التغيرات الجوهرية التي بدأت تفصح عن نفسها وتتجلى في الحياة السياسية المصرية كواقع أصيل، وظن الإخوان أنه يجوز لهم أن يستمروا على ما كان قبل ثورة يناير، وأن يمارسوا سياسة مبارك التي تكتفي بتحقيق مصالحه هو وآله وجماعة حكمه والفئات المستفيدة منه والداعمة له، وهاهم الإخوان يكررون خطأهم كأفضل ما تكون وسيلة الإيضاح فيما سموه “,”مليونية لا للعنف“,”، وتجاهلوا الحديث عن مشاكل الجماهير التي ألجأتهم للانضمام إلى “,”تمرد“,”، وراحوا يهلوسون عن مخاطر على الإسلام، بنفس الكتالوج القديم الذي يتوهم إمكانية خداع الناس بالدفاع عن دينهم؛ حيث لا عدوان ولا نية عدوان، حتى أنهم لم ينتبهوا لفشلهم الذريع في الحشد، وراحوا يكابرون مع حقائق الحساب البسيط لمعلومات جوجل إرث بأن الحضور لا يزيدون بأي حال من الأحوال عن 200 ألف، وهم يعلمون أن هؤلاء هم كل ما أمكنهم جلبهم من طول البلاد وعرضها، مع إعفاء المجلوبين من أجرة المواصلات، بل ونفحهم الوجبات الغذائية ولزوم الشاي والدخان.
لقد باتت الأمور من الآن وحتى 30 يونيو تسير بالقصور الذاتي، ولم يعد في إمكان أحد أن يغير المسار أو حتى أن يُبطئ من إيقاعه، لن يجدي أن يستقيل محافظ الأقصر، فقد دفع قرارُ تعيينه في زيادة شحنة الغضب الجماهيري، خاصة في الأقصر التي كانت قاعدة تصويتية للتيارات الدينية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولن يفيد أن يعلن رئيس الوزراء عن البدء في وضع خطط لتوفير سلع التموين الأساسية ودراسة كيفية حل مشكلة انقطاع الكهرباء، فقد قُضي الأمر، واستقرّ في وعي الجماهير العريضة أن حكم الإخوان إما أنه لا يهتم بهذه المشاكل أو أنه أفشل من أن يحل شيئًا!
لقد أعطى الناس الطيبون أصواتهم لمرسي بأمل أن يصدُق في وعوده، فلما نكص وأدار ظهره وأفصح عن وجهه الحقيقي وانتماءاته الأصيلة، وعندما وجدوا إخلاصًا في دعوة تمرد انضموا لها، وانقلبوا عليه، وأشهروا خصومتهم، وهذا يعطيهم حقًّا لا نزاع فيه بأن تكون طلباتهم على رأس الأوليات فيما بعد مرسي.