الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقطوعات موسيقية بمسميات قرآنية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أثناء بحثى عن أحدث المؤلفات التى كتبت لآلة “الفيولا” بإعتبارها تخصصى وشغفى الأول، وجدت أعمالا معاصرة لمؤلفة وباحثة أسترالية هى كاتيا تيوتيونك، ذات الأصول الأيرلندية والروسية والأوكرانية.. والتى حصلت على الدكتوراه من الجامعة الوطنية الأسترالية، وحصلت على أعلى دبلوم إيطالى فى الأكاديمية الوطنية بسانت سيسليا بروما.. ودرست عدة لغات منها (العربية)، وتعد أول متخصصة فى مجال التأليف الموسيقى في أستراليا يتم تعيينها كأستاذ زائر في جامعة كولومبيا بنيويورك، كما عملت لأربع سنوات كمحاضر في التأليف الموسيقى بإحدى الجامعات في ماليزيا.. إستوقفتنى مؤلفات كاتيا تيوتيونك لعدة أسباب أولها أن المؤلفة عازفة فيولا أيضا، وبالتالى تكون فى الغالب أكثر معرفة وعمقًا فى تناولها وتعاملها مع الفيولا، ثانيا لأنها سيدة وبالتأكيد عدد مؤلفات الموسيقى لا يقارن بعدد الرجال منذ القدم، وبالتالى ننتظر مؤلفاتهن بشوق.

أما السبب الأهم فكان مسميات مؤلفاتها التى أثارت فضولى وتعجبى، فالكثير من مؤلفاتها كان يتعلق بعلاقة الإنسان بالله تعالى، وبتأثره بالأديان السماوية، كما حملت بعض مؤلفاتها مسميات لسور من القرآن الكريم، ومسميات أخرى تدور حول فلسطين والحصار!.. فمثلا كان من ضمن مؤلفاتها عمل بإسم “صلاة” للفيولا عام ٢٠٠٢، كذلك عمل بإسم الفداء (أربع تأملات للفيولا والأوركسترا الوترية) عام ٢٠١٦.. وكونشرتو “الخلاص” للفيولا بمصاحبة أوركسترا وترى، ويتكون من أربع حركات بعناوين مختلفة هم (الأحلام العتيقة، الأضحية، الأزهار، المرثية الذهبية).. و"ليالٍ عربية" للفيولا والأوركسترا كتبته عام ١٩٩٢ ونشر عام ١٩٩٨، وعمل آخر للأوركسترا بإسم “مستشرق فى فلسطين” عام ٢٠٠٠، وعمل بإسم “الحصار” للفيولا المفردة أو التشيللو أو الترومبون عام ٢٠٠١.. أما المؤلفات المتأثرة بالقرآن الكريم فمنها عمل موسيقى حجرة لآلات نفخ نحاسية وآلات إيقاعية بإسم “الفلق” كتبته عام ٢٠١٣، وهو مستمد من سورة الفلق، وعمل آخر بإسم “الكوثر” للتشيللو المنفرد عام ١٩٩٩ مستمد من سورة الكوثر.. كذلك عبرت من خلال مؤلفاتها عن أديان أخرى، فمثلا كتبت عمل بإسم “جان” للفيولا والسوبرانو، وإستمدت النص من أوبرا الروك (جان دارك) لليندا أوكسلي.. وبالطبع فإن جان دارك بطلة قومية فرنسية وقديسة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وقد ادعت جان دارك الإلهام الإلهي، وقادت الجيش الفرنسى إلى عدة انتصارات مهمة خلال حرب المئة عام، ممهدة بذلك الطريق لتتويج شارل السابع ملكًا على البلاد..وقد ذكرت المؤلفة أنها إستلهمت الموسيقي من تفسيراتها للتقاليد الموسيقية الرومانية الكاثوليكية والأرثوذكسية واليهودية والإسلامية..وكتبت عمل آخر بإسم “إحتضان دوموزى” وهو إعادة صياغة لأحد أعمالها الأخرى للتشيللو المنفرد باسم “من هو مثل الله” عام (٢٠٠٦)، وقد وصفت المؤلفة هذا العمل بأنه: “تصوير موسيقي للإحتضان الروحي واستدعائي للإله السومري (دوموزي)، وهو أقدم تجسيد لدورة الحياة الأبدية والموت والدمار والبعث..تشمل المادة الموسيقية لعناق دوموزي الحانا مستوحاة من التقاليد العربية واليهودية، بالإضافة إلى أجزاء تستحضر مفهومي عن الموسيقى السومرية القديمة”.. وكتبت عمل آخر بإسم (يوكيران ملام الملايو لتزيين الليل) قالت عنه:” إعتمدت بشكل حر على مؤلفتى السابقة للفيولا المنفردة الليلة البيضاء، والتي بدورها تعد نسخة معدة على المقطوعة الأخيرة من مجموعة (من هو مثل الله)، وتتألف المؤلفات جميعها في الأصل من ألحان تذكرنا بالموسيقى اليهودية لأوروبا الشرقية (الأشكنازي)”.

بعد أن عشت عدة أيام أقرأ وأستمع ليعض هذه الأعمال، دفعني الفضول لمحاولة البحث عن هذه المؤلفة الأسترالية، وكل ما يتعلق بها من معلومات، لأعرف ما الذى دفع مؤلفة موسيقى فى ناحية أخرى من العالم تهتم بقضايانا العربية، وتقرأ فى القرآن الكريم وتتأثر بموضوعاته، ومسميات السور.. وما هى نوعية الدراسة وشكل الوعى الذى جعلها تصل لذلك؟! وكيف إستطاعت أن تعبر من خلال موسيقاها عن مختلف الأديان؟!.. ورغم أن الموسيقى البحتة كالفنون التجريدية، تعتمد على أشكال ونماذج مجردة تنأى فى طبيعتها عن مشابهة المشخصات والمرئيات، إلا أن مسميات الأعمال وكيفية تعبير كل مؤلف عما يتفاعل معه من موضوعات، يلفت نظر المهتمين والمستمعين لمثل هذه الأعمال لتلك الموضوعات أو القضايا، فيزيد الوعى بها والتفاعل معها.. ولكن تساءلت هل ونحن ننتظر من العالم التفاعل مع قضايانا، ومعرفة الحقائق من منظورنا، هل نحن أيضا نعرفهم ونتفاعل معهم؟! فحن لسنا فقط محور الكون، ولسنا فقط الدول التى تعانى من صراعات أو من كيان غاصب يفرض قوته وجبروته على آمنين وينزع عنهم أبسط حقوقهم!.. ففى العالم كثير من بؤر الصراع التى يعانى من يعيشون فيها، ويقتلون وتغتصب حقوقهم، فهل نحن كشعوب نعرف ونفعل ما نطالبهم بأن يعرفونه ويفعلونه؟!.. ربما آن الأوان أن نسعى لنعرف غيرنا، ونقرأ ونضطلع على مشاكل العالم وصراعاته، لنعرف أين نحن الآن وأين يمكن أن نكون؟!. 

د. رشا يحيى: أستاذة بأكاديمية الفنون