الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

عمارة الأهرامات في مصر القديمة.. ملحمة من "الاختيار" إلى "الصقل"

بدأت بحفرة صغيرة ووصلت إلى تشكيل الصخور الضخمة

رسم لمنطقة الأهرامات
رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بدأت عمارة المقابر في مصر القديمة بحفرة صغيرة تقليدية، تحولت إلى حجرة تحت الأرض ثم إلى عدة غرف تعلوها مصطبة، وبعد ذلك تطورت لتأخذ شكل الهرم المدرج على يد المهندس إيمحوتب -وزير الملك زوسر في الأسرة الثالثة- وتلا ذلك محاولتان للملك سنفرو -مؤسس الأسرة الرابعة- لبناء شكل هرمي كامل. 

 لكن، ظَهْر هرمي سنفرو -في دهشور- غير سليمي الشكل. كان أحدهما مفلطح القاعدة، والآخر اتخذ شكلاً أصغر يقارب نصف حجم الأوّل.

وبالنسبة لاختيار المهندسين المصريين القدماء الشكل الهرمي في عمارة المقابر، فلأنه ارتبط لديهم بفكرة نشأة الكون، واعتقدوا كذلك -طبقًا لبعض الكتابات والنصوص الدينية- أن الهرم وسيله تساعد روح المتوفى في الوصول إلى السماء، مع المعبود رع.

رسم لهرم زوسر المدرج بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

أيضا، لم يقتصر الشكل الهرمي على المقابر، بل ظهر أعلى المسلات وبعض المقابر الصغيرة للأفراد في الجنوب.

وحتى عندما فكّر ملوك الدولة الحديثة في بناء مقابرهم في البر الغربي في وادي الملوك، ونحتها في باطن الجبل لحمايتها من السرقة، لم يتخلوا عن الشكل الهرمي الذي كان ممثلا بشكل طبيعي في قمة الجبل نفسه.

ثم تراجع بنيان الأهرامات بعد ذلك في عصر الدولة الوسطى. ما يجعل تطور بنيان الأهرامات، ومراحل نموه ثم تراجعه، أشبه بأطوار الدول كما عرفها عالم الاجتماع الشهير ابن خلدون.

أهرامات الجيزة

في الواقع، لم تصل أهرامات الجيزة الثلاثة إلى الكمال المعماري والإنشائي فجأة، بل كانت هناك تجارب لسنوات طويلة بدأت بالمصطبة ثم الهرم المدرج في سقارة، ثم أهرامات دهشور -وأبرزها هرم سنفرو- إلى أن نصل إلى أعظم هرم للملك خوفو. 

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

هرم خوفو

كان نقلة حضارية كبرى في تاريخ مصر القديم، وقد تأثر خنوم خوفو بأبيه الملك سنفرو في بناء هرمه. فبعد موته، أصبح خوفو الإله حورس الحاكم على الأرض، وأصبح من الضروري أن يفكر في بناء مقبرته التي اشترك في بنائها عمال محترفين من جميع أنحاء مصر.

ولهذا الإتقان ظل الهرم الأكبر بارتفاعه الأصلي الذي كان يصل إلى 148 مترا، ويبقى أعلى وأضخم بناء أتمه الإنسان على الأرض على مدي 3800 عام.

رسم هرم خفرع  وهرمين لزوجاته  بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

هرم خفرع

بناه رابع ملوك الأسرة الرابعة، ابن الملك خوفو، والذي تزوج من الأميرة مراس عنخ، وحكم ست وعشرين سنة. 

بني خفرع هرمه أقل ارتفاعا من هرم أبيه خوفو، والذي كان ارتفاعه 143مترا والآن 136مترا.، وشيد فوق مساحة 215 مترا مربعا. وطول كل ضلع 215,5 متراً، وزاوية ميله 53,10ْ. يقع في مستوى سطح الأرض، 

الهرم له مدخلان في الجهة الشمالية. وما زال يحتفظ بجزء من كسوته الخارجية عند القمة. وقد عثر ضمن مجموعته الهرمية على تماثيل من حجر الشست في معبد الوادي الخاص ومن بينها تمثال من أجمل ما أنتجه فن النحت المصري، وهو موجود الآن بالمتحف المصري بالتحرير، وينسب له نحت صخرة تمثال أبي الهول.

مدخل الهرم يؤدي إلى ممر هابط، سقفه من الجرانيت وزاوية انحداره 22ْ درجة. وينتهي عند متراس يفضي إلى ممر أفقي، ثم ممر منحدر يؤدي إلى حجيرة يطلق عليها خطأ حجرة الدفن وهي فارغة منحوتة في الصخر.

ويؤدي الدهليز إلى متراس آخر يرتفع إلى أعلى بممر أفقي ينتهي بحجرة الدفن، وهذه الحجرة سقفها جمالوني مشيد بالحجر الجيري، وتكاد تكون منتصف الهرم، أطلق خفرع على هرمه اسم "العظيم".

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

هرم منكاورع

وبناه ابن الملك خفرع وحفيد خوفو، وبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 108.5 متراً وارتفاعه 65.5 متراً، والتي صارت الآن 62 متراً بعد سقوط كسوته الخارجية.

تبلغ زاوية ميل هرم منكاورع 51°20′25، ومدخله جهة الشمال. يرتفع المدخل نحو 4 متر فوق سطح الأرض، ويؤدي لممر هابط طوله 31 متراً. وزاوية انحداره بسيطة نحو 17 درجة.

وقد بني الهرم من الحجر الجيري، ولكن الملك اختار أن يبنى الجزء الأسفل منه من حجارة الجرانيت التي كانت تـجلب من أسوان عن طريق نهر النيل -ويصل ارتفاع التغطية بأحجار الجرانيت نحو 17 متر- وباقي التغطية تمت بأحجار طره البيضاء حتى ارتفاع 5و65 متر.

في نهاية الممر المائل يوجد دهليز مبطن بالحجر، يؤدي إلى ممر أفقي فيه 3 متاريس وبعدها حجرة الدفن. وقد عثر به على تابوت خشبي عليه اسم منقرع وبه مومياؤه المحفوظة الآن في بالمتحف البريطاني. وقد أطلق منكاورع على هرمه اسم "المقدّس".

وإلى الجنوب من هرم منقرع يوجد ثلاثة أهرمات خصصت للملكات، تمتد باتجاه شرق غرب الهرم الأول، الخاص بالملكة خع مرر نبتي الثانية، زوجة الملك منقرع.

رسم لهرم مدرج بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

كيف بُنيت الأهرام؟

في تحليل له بعنوان "بناء الأهرامات.. الأسطورة والواقع"، تناول الدكتور خالد عزب عدة مراحل قام بها المهندسون المصريون القدماء لإتمام بناء الأهرامات. بداية من عملية اختيار الموقع المناسب وشروطه، وحتى إتمام البناء ونهايته.

المرحلة الأولى هي اختيار موقع الهرم المراد بناؤه، ويتم مراعاة عدة اعتبارات في المكان المختار، فيفضل أن يكون على الضفة الغربية للنيل، حيث تغرب الشمس، وحيث توجد مملكة الموتى.

كذلك، يجب أن يكون المكان مرتفعاً عن مستوى مياه النيل، وأن يكون قريباً من الضفة الغربية للنهر العظيم. وذلك لأن الكثير من الأحجار كانت تأتي من المحاجر بواسطة السفن، ويجب مراعاة سهولة نقلها من على ظهر السفن الراسية على ضفة النيل إلى موقع البناء

وكان مهما أن تخلو الأرض الصخرية من أي عيب أو احتمال للتصدع، وأن يكون المكان مسطحاً يسهل البناء فوقه. وأن يكون الموقع المختار ذا مساحة كبيرة حتى تستوعب الهرم والمباني الملحقة به، وحتى يتسع كذلك لمقابر أفراد الأسرة المالكة ولأي توسعات لاحقة.

بعد ذلك يتم تنظيف الموقع الذي تم اختياره، وذلك برفع كل الرمال والحصى حتى تظهر الأرضية الصخرية -والتي ستكون أساس الهرم- بعد أن تسوى هي نفسها من النتوءات الصخرية الموجودة بها.

ولم يكن من السهل تسوية سطح الموقع كله، ولذلك ترك المهندسين المصريين بعض النتوءات الصخرية لتصبح جزءاً من البناء نفسه.

رسم لأحد المهندسين المصريين القدماء بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

وعند تحديد المربع الذي سيصبح قاعدة للهرم، فكان يجب مراعاة أن تكون الأضلاع الأربعة للمربع مواجهة للجهات الأربع الأصلية. ما يستلزم تحديد اتجاه الشمال بدقة شديدة.

وحتى يمكن ضبط اتجاهات الهرم الأربعة، كان يشيّد حائط دائري في وسط الموقع، وتسطح قمة الحائط بشكل مستوٍ، مما يصنع خط أفق صحيحا. ثم يقف أحد الكهنة -المهندسين- في مركز هذه الدائرة قبل ظهور أول نجم في الشرق، ويرسم خطاً مستقيماً من هذه النقطة إلى مركز الدائرة.

يقول عزب: يراقب الكاهن القوس الذي يرسمه هذا النجم في حركته في السماء، وفي اللحظة التي يختفي فيها النجم خلف الحائط في الغرب، يحدد موقعه الجديد، ويرسم خطاً ثانياً من هذه النقطة إلى مركز الدائرة، ومن حيث إن النجوم تبدو كأنها تدور حول القطب الشمالي، فإن الكهنة كانوا يعرفون أن خطاً ثالثاً يبدأ من مركز الدائرة ويقع على مسافة متساوية من الخطين السابقين سيحدد الشمال بدقة.

يضيف: ويقوم المتخصصون في المساحة بعد ذلك بتحديد موقع مربع قاعدة الهرم بدقة، وأثناء ذلك تقدم القرابين للمعبودات، لكي تبارك بناء المجموعة الهرمية، ويجري تحديد لزوايا الهرم الأربع، وبانتهاء هذا العمل تنتهي المرحلة الثالثة، وهي آخر المراحل التمهيدية لبناء المجموعة الهرمية.

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

وفي أولى المراحل العملية لبناء الهرم، يتم إنجاز الممر المؤدي إلى حجرة الدفن، وذلك بقطع الجزء الموجود تحت مستوى سطح الأرض من الهرم، حيث يقوم عدد من العمال بحفر ممر في الصخر مستخدمين كرات من حجر الديوريت الصلب لكسر الصخر، ويتبعهم عمال مهرة يستخدمون الأزاميل لتسوية الجدران الأربعة لهذا الممر الذي يهبط بانحدار خفيف.

وعندما يصل الممر إلى عمق معين يستمر أفقياً، وفي نهايته يجري قطع حجرة في الصخر التي ستصبح حجرة الدفن حيث يوضع فيها التابوت الذي سيحفظ جسد الفرعون، وكان العمل في قطع هذه الحجرة يبدأ من أعلاها.

وفيما بعد كانت تغطى بسقف من كتل الجرانيت الصلب، ولكن كان من الضروري وضع التابوت داخل حجرة الدفن قبل بناء سقفها، حيث إن التابوت كان أكبر من أن يمر في ممر الدخول.

وفي جدار هذا الممر كان يجري إعداد تجويفات كبيرة لكي تستقبل أبواباً سميكة ولاصقة من الجرانيت لكي تغلق حجرة الدفن إغلاقاً محكماً بعد دفن الملك.

ويلفت عزب إلى أنه "أثناء عمليات حفر الممر وحجرة الدفن، كانت هناك مجموعات متفرقة من العمال تقوم بأعمال أخرى مختلفة. فهناك مجموعة من الكتبة يعدون قائمة الأحجار اللازمة للعمل، محددين عددها والمقاس المطلوب لكل واحد منها وترسل نسخ من هذه القائمة إلى المحاجر، ويصدر الأمر ببدء العمل. وهناك عمال المحاجر ومهمتهم قطع الأحجار اللازمة لبناء أجزاء المجموعة الهرمية المختلفة".

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

وكان الحجر الجيري هو المادة المستخدمة بشكل رئيسي في بناء الهرم، وكان يتم استخراجه من بعض المحاجر المحلية الموجودة قرب موقع بناء الهرم؛ أما الحجر الجيري الجيد والأكثر نعومة -والذي كان يستخدم في عمل الكسوة الخارجية للبناء- فكان يقطع من محاجر طرة.

وهناك مجموعة أخرى من الأحجار كانت تستخدم داخل المجموعة الهرمية ولها محاجرها الخاصة وعمالها المدربون على هذه النوعية من الأحجار. مثل أحجار الديوريت، وكانت محاجرها عند منف على الضفة الغربية من النيل، وأحجار الجرانيت ومحاجرها عند أسوان، أحجار البازلت ومحاجرها في منف وكذلك في أسوان، أحجار الألباستر ومحاجرها عند طرة وفي منطقة حتنوب في مصر الوسطى على الضفة الشرقية للنيل.

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

تبدأ المرحلة الجديدة، وهي بناء الجزء العلوي من الهرم، حيث تتم تسوية جوانب كل كتلة حجرية بالأزاميل، ويوضع على كل حجر رقم حسب الترتيب الذي سيوضع فيه فيما بعد. ويتم شد الحجر لكي ينزلق فوق عروق خشبية أسطوانية حتى يصل إلى موقع البناء، وعلى قاعدة كل كتلة حجرية، وعلى أطرافها كانت توضع طبقة خفيفة من الملاط.

وبعد ذلك يسحب العمال العروق الأسطوانية ويدفعون الحجر لكي ينزلق فوق الملاط الرطب إلى مكانه بالضبط، ثم يوضع صف من الحجارة الجيرية المقطوعة والمشذبة بعناية حول المسطح الذي سيوضع فيه أساس الهرم. يلي هذا وضع كتل الكسوة الخارجية للمدماك الأول في مكانه.

يقول خالد عزب: وكان العمل في المدماك الأول سهلاً، ولكن بناء باقي المداميك والتي قد يصل عددها إلى 120 مدماكاً ليس بالأمر الهين. 

ويشير إلى أن أهم ما قيل من نظريات حول طريقة بناء الأهرامات، هو ما ذكره هيرودوت في كتابه عن مصر "وقد استقى هيرودوت معلوماته من أحد الكهنة المصريين، ويعتبر كلام هيرودوت عن بناء الهرم أقدم ما قيل عن هذا الموضوع، ومما قاله عن طريقة بناء الهرم الأكبر خصيصاً ما يلي: وهكذا أنشأ الهرم نفسه على أسلوب المدرجات التي يسميها البعض نمط الحوائط، ويسميها آخرون نمط المذابح.

إذ كانوا بعد أن يشيد بهذا الأسلوب يرفعون بقية الحجارة بآلات مصنوعة من قطع قصيرة من خشب، فيرفعون كلاً منها أولاً من الأرض إلى المدماك الأول من المدرجات، فإذا بلغ الحجر ذلك وضع على آلة ثابتة تستقر على المدماك الأول، وهكذا إلى آلة أخرى.

رسم لمنطقة الأهرامات بالذكاء الاصطناعي- البوابة نيوز

وكانت هناك من الآلات بمقدار ما هناك من صفوف المدرجات، وكانوا يرفعون الحجارة بأنفسهم من درجة إلى درجة إذا لم تسعفهم الآلات الرافعة، إذ يجب أن أسرد كلاً من الروايتين ما دامتا قد رويتا، ومهما يكن من شيء فقد كانت الأجزاء العليا تستكمل أولاً ثم يكملون الأجزاء التالية لتلك، في النهاية، ثم يكملون آخر الأمر الأجزاء القريبة من الأرض وأوطأها جميعاً.

وتأتي آخر مراحل بناء الهرم، وهي ما يُمكن أن نُطلق عليه صقل الهرم. وفيها يتم إزالة الطرق الصاعدة التي استخدمت في نقل الأحجار أثناء عملية البناء، وفي الوقت نفسه يقوم مجموعة من العمال بصقل أحجار الكساء الخارجي والتي وضعت في أماكنها عند إقامتهم البناء.

ويرجح البعض أنه ربما كانت أحجار الكساء الخارجي تطلى بلون معين أو تزخرف بنقوش وكتابات هيروغليفية، وربما كانت تحلى في بعض أجزائها بقطع من الذهب والأحجار الكريمة، وذلك حتى يبدو الهرم في النهاية وكأنه قطعة فنية هائلة الحجم تناسب عصر كل ملك وقدرته على البناء.