الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

يوم الانتصار.. من الانكسار إلى الانتصار.. كيف عبر المصريون هزيمة 67 إلى نصر 6 أكتوبر 73.. نضال كبير قدمته الأسرة المصرية لاستعادة أرض الوطن

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"ليس لدينا أى شيء.. أى شيء مع إسرائيل سوى الحرب.. حرب شاملة، هدفنا هو تدمير الأسطورة الإسرائيلية التى تقول إن إسرائيل باقيةٌ هنا، كل واحد من بين المائة مليون عربى قد عاش مدة الـ ١٩ سنة الماضية على أملٍ واحدٍ ووحيد وهو: أن يموت ليعيش وأن يعيش ليموت فى اليوم الذى يتم القضاء على إسرائيل".. هكذا اشتهر المذيع أحمد سعيد، صاحب الصوت الأشهر فى العالم العربى وإذاعة صوت العرب، وهو يُمعن فى الحشد الجماهيرى للحرب ضد إسرائيل، إلا أن كثيرين فى الوطن العربى لم يتوقعوا أن ينكسر العرب وليس مصر وحدها فى نكسة ٦٧.

وقد أرخت دائرة المعارف البريطانية خسائر الدول العربية فى الصراع أنها "كارثية"، وبلغ حجم الخسائر البشرية فى مصر أكثر من ١١ ألفا والأردن ٦ آلاف وسوريا ألف مقابل ٧٠٠ فقط لإسرائيل، إضافة إلى خسائر فادحة فى الأسلحة والمعدات فى الجيوش العربية، مما أدى إلى إحباط معنويات كل من الجمهور العربى والنخب السياسية.

ولكن سرعان ذلك ما تبدد خلال حرب الاستنزاف وبعد إعلان الشعب المصرى للرئيس عبدالناصر برفضه للتنحي، واستكمال المسيرة لاستعادة الأرض والعرض وأنه زعيم للعرب وليس فقط رئيسا للمصريين، وخلال ٦ سنوات فقط استعادت مصر أرضها فى انتصار ١٩٧٣، ولم يكن الانتصار حربيا أو عسكريا فقط، لكن كان انتصار للعزيمة والقوة فى ظروف معاكسة، واستطاع المصريون العبور من مشاعر الانكسار إلى مشاعر الانتصار.

هجرة واكتئاب وأمراض نفسية 

كشف الدكتور على النبوى أستاذ الطب النفسى جامعة الأزهر، أن نكسة ٦٧ أثرت فى الشعب المصرى بعد إصابتهم بصدمة معرفة الحقيقة، ففى الطب النفسى هناك ظاهرة "التعلق العاطفى بشيء ما" والمصريون كانوا محصورين نفسيا بالتعلق بسيناء، وهذا الحب انكسر بعد هزيمة ٦٧، وأثرت النكسة على المصريين فمنهم من هاجر ومنهم من أصابه الاكتئاب ولقد أرخت السير الذاتية هذه الحقبة وتأثيرها النفسى.

وأضاف أستاذ الطب النفسى فى تصريحات لــ "البوابة نيوز" أن المجتمع عاش الانكسار بمشاعر كبيرة ليست فقط تعنى الخسارة ولكنها الصدمة من تلقى واقع أن صورة الجيش القوى والعقيدة الصحيحة قد انهزمت من عدوها اللدود، وهى تعنى صدمة القهر فى الطب النفسي، حيث تلقى الخبر ببشاعة، والإحساس بمشاعر الخذلان، وفقد الثقة، مما أثر على حياتهم الخاصة والعامة.

وضرب النبوي، مثالًا بما رواه الدكتور الراحل أحمد شوقى العقباوى من مشاعر الاكتئاب الشديدة الذى عاشها الجيل المعاصر للنكسة، وأن الأسر كانت تُسمى أبناءها باسم الزعيم جمال عبدالناصر، تيمنًا بالقوة ومن بعد الهزيمة شعر المصريون بفقدان الثقة خاصة بما بثته الإذاعة والصحف من انتصار مزيف. وأوضح النبوي، أن مشاعر اللذة والانتصار لا يشعر بها الإنسان إلا بعد مشاعر الانكسار والانهزام، فطعم السكر طوال الوقت لا يمكن أن يشعر به اللسان إلا بعد ذوق الملح، لافتًا إلى أن المصريين استطاعوا التعافى من الاكتئاب وصدمة النكسة بعد الإعداد للحرب، وشعورهم بالمقاومة وأن حروب الاستنزاف نصر جديد للاستشفاء. وأضاف أنه بعد انتصار ٧٣، وفترة حرب الاستنزاف استعاد المصريون تعلقهم العاطفى بالنصر، وتوج نصر أكتوبر فى يوم لا ينسى تناقلته الأجيال حتى الآن فهو نصر متوارث، والاحتفال به يعيد الذكريات مرة أخرى وكأنها حقيقة تعاش للمرة الثانية، ولفت إلى أن ظاهرة "إعادة معايشة الحدث" فى الطب النفسى يعيشه جيل أكتوبر مهما مرت من ذكريات حتى لو ٥٠ عامًا، وأن تأصيل النصر من خلال السير الذاتية والاعلام والدراما أمر مطلوب، مشيرًا لفيلم "الرصاصة لا تزال فى قلبى " الذى وثق حالة الانكسار فى ٦٧ وحالة الانتصار فى ٧٣.

المساندة المجتمعية 

فى سياق آخر أكدت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بعين شمس، أن الشعب المصرى قام بالمساندة المجتمعية للأهالى والأسر المهجرة من مدن القناة بورسعيد والسويس وغيرها، حيث استضافت المحافظات هذه الأسر والعائلات فى منازلها وكان السائقون لا يأخذون أجر التوصيل، بعد ما حدث فى نكسة ٦٧، وانكسار أهالى مدن القناة بعد احتلال جزء من أرضهم وبيوتهم.

وأضافت "خضر" لــ البوابة نيوز"، أن الشعب كان يتعاون أثناء الإعداد للحرب، بحملات لم الشتات وعودة المجهود الحربى وإعداد الجيش عسكريا، من خلال التبرعات العينية والمادية.

وقالت أستاذ علم الاجتماع أن الأسر المصرية أثرت الوطن على الأبناء، فكان هناك أبناء وحيدون لأهاليهم يشاركون فى الحرب تطوعيًا ولم يقتصر الدور على الشباب دون النساء، حيث لعبت النساء والسيدات دورا مهما للمؤازرة المجتمعية وخروج الشعب من حالة الانكسار من خلال التطوع فى الصليب الأحمر وتوزيع المياه على الجنود، وتحية الجنود فى الشوارع وتشجيع أبنائهم فى الجيش، إضافة إلى تلقى أخبار الاستشهاد بالفرح، حتى أن هناك أسرا قدمت أولادها جميًعا لخدمة الوطن.

ولفتت أستاذ علم الاجتماع إلى حفلات أم كلثوم وغيرها من المطربين لصالح المجهود الحربي، وعلى الرغم من غياب سلع استراتيجية كثيرة مثل الأرز والسكر والفراخ، إلا أن المصريين لم ييأسوا من خوض الحرب والانتصار بها.

وكشفت د سامية خضر عن مواقف تعرض بنفسها لها أثناء نكسة ٦٧ حيث كانت طالبة بالجامعة وشعرت هى وزملاؤها بشعور سيئ بعد النكسة، ولم يكن يتوقع الشعب أن كل ماسمعه من الإعلام عن انتصارات هو وهم، وهو ماتسبب فى صدمة أكبر حين معرفة الحقيقة وواقع الهزيمة، وكانت الصدمة وقعها كبير لأن وضع مصر أيضًا بين الوطن العربى كان كبيرًا.

وأشارت إلى أن المصريات قمن بالتبرع بالذهب لصالح تسليح الجيش ولم شتات الهزيمة، وأضافت أن لحظة إعلان الرئيس جمال عبدالناصر التنحى واجهها المصريون برفض التنحى وكأنه رفض للهزيمة ذاتها، وطالب الشعب المصرى عبدالناصر وقتها باستكمال المسيرة والإعداد للحرب، ثم جاء السادات بعده ليستطيع بدهاء فرض الانتصار بشكل مفاجئ قلب كل مشاعر الهزيمة والانكسار إلى انتصار. فيما أوضحت أ.د هبة عابدين مستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الشعب المصرى استطاع تجاوز مشاعر الانكسار بسهولة على عكس المتوقع خاصة يوم ٦ أكتوبر بعد ماشهدته الدولة بعدم تسجيل جريمة واحدة فى الأقسام الشرطية، وكأن مساندة الشعب يومها كاملة الانشغال بالحرب، وأن الإعلام لعب دورا فى تأصيل المساندة المجتمعية بحث المواطنين على التبرع بالدم وغيره فى المستشفيات والتجمع على مشروع وطنى واحد.

دور الإعلام من الانكسار إلى الانتصار

أكدت الدكتورة هبة عابدين مستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، لــ "البوابة نيوز"، أن الإعلام لعب دورا مهما فى رفع نفسية المصريين والعرب خلال الفترة مابين نكسة ٦٧ وانتصار ٦ أكتوبر ٧٣.

وأوضحت د هبة عابدين فى تصريحاتها، أن الإعلام تأثر بالمتغيرات المجتمعية بعد النكسة وأيضًا لعب دورا مهما فى التأثير على المجتمع للإعداد للحرب، ورفع الروح المعنوية ونفسية الجمهور. وأضافت أن مصادر الإعلام فى نكسة ٦٧ كانت أولية ووحيدة، فبالتالى المعلومات لم تكن دقيقة وسرعة الوصول إلى المعلومات وإيصالها لم تكن بالسرعة المطلوبة، وكان المواطنون يعتمدون بشكل أساسى على الإذاعة والصحف، وانتشر التليفزيون على حدود ضيقة وكان يتحكم حارس البوابة فى إرسال المعلومات وإيصالها للجمهور.

ولفتت إلى انكسار الإعلام بعد نكسة ٦٧ وعدم ثقة الجمهور فى رسائله، ولكن سرعان ما استطاع الإعلام دوره وثقة الجمهور من خلال تلافى المسئولين لما حدث سابقًا، واستعادة نفسية المصريين تدريجيًا.

وقالت عابدين : " لعب الاعلام دورا مهما فى رفع روح الجنود والمصريين أن النكسة مجرد معركة ولم نخسر الحرب بعد"، مشيرة إلى أن استخدام مصطلح "النكسة" جاء على عكس المتوقع وأكد على أنها مجرد كبوة ولم يتم خسارة الحرب، واستطاع الإعلام الحشد العسكرى والجماهيرى نحو الحرب واستعادة الأرض مرة أخرى.

وأكدت أستاذ البحوث الاجتماعية والجنائية أن تغطية الاعلام للمعارك العسكرية ومرافقة الجنود أثر على مصداقية ما يبث وينشر، وحفظ معنويات الجيش والشعب وجعل الشارع المصرى يتساءل دوما عن موعد الحرب، وكان ذلك له تأثير نفسى واجتماعى جيد.

كما أن الدراما بالمسلسلات وإبراز الجهد العسكرى فيما بعد الانتصار أعاد للمصريين ثقتهم بأنفسهم، فأدوار البطولة فى مسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"دموع فى عيون وقحة"، أبرزت الأدوار الخفية التى كانت القيادات تقوم بها فى سبيل الإعداد للحرب، وتأصيل شعور الانتصار فى معارك أخرى غير معلنة.