الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الشاعرة أمينة عبدالله تكتب: من وإلى صلاح عبد الصبور

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كيف لمقطع شعري أن يغير حياة شخص، ويدخله معارك فكرية، قد تصل به إلى السجن والاغتيال المعنوي؟. هذا ما قمت به في مراهقتي وصباي حيال الشاعر المجدد "صلاح عبدالصبور".. كان جل غضبي فقط أنه ميت بالفعل ولن أستطيع النيل منه وما كان يشفي غليلي كمسلمة غيورة على دينها أن هذا الشاعر مات مقهورًا بعتاب أصدقائه على موقف سياسي وكنت أرى هذه الميتة أول وأرق درجات الإنتقام الإلهي لتجرئه على الذات الإلهية. يا لحزني على ما كنته!

 بالعودة للوراء كنت أنفذ خطة قراءة جديدة من خطط البناء الذهني التي تضعها لي الشاعرة السكندرية الراحلة "منى مصطفى" وأغلب الوقت توفر لي نسخ الكتب التي تضعها لي، إلا كتاب معنون بـ(مسافر ليل) مسرحية شعرية للشاعر صلاح عبدالصبور لم تتوفر نسخته حيث يتم تدريسه لطلبة كلية الآداب جامعة الإسكندرية في هذا العام أظنه 1987، حيث كان الدكتور أحمد الشيخ قرر "المسرحية" في منهج الدراسة والترجمة للإنجليزية على طلبة قسم اللغة العربية؛ لجأت لحيلتي المعتادة بتصوير الكتاب نسخة ضوئية، وتوفيرًا للنفقات وجدت نفسي أنسخ المسرحية بخط اليد كما كنت أفعل مع كثير من دواوين الشعر، بدأت المعركة الذهنية.. ما هذا الكفر البين المطبوع في كتاب تحت مسمى مسرحية شعرية؟ ويضاف إليه انتشار الكفر ويدرس في الجامعة.. لتكتمل نظرية المؤامرة على الإسلام في عقليتي المحدودة التي تربت على النسخة الأزهرية من الإسلام.

إن الله تخلى عن هذا الجزء من الكون

لا يعطينا شيئًا قط

لا ينظر في هذي الناحية كما  كان

قلنا: ماذا حدث لنا؟

قالوا: أحدهم قد قتل الله هنا

ولهذا يخاصمنا

أعني طبعًا قد سرق بطاقته الشخصية

وانتحل وجوده 

 تأخذني (مسافر ليل) إلى (مأساة الحلاج) إلى (الناس في بلادي) حتى جاءتني صفعة قوية بتأثير نفسي وعقلي مربك كأنه كتبها ليحسم معركتي ضده، كأنه يواجهني ويخبرني أنه إبن ماء.. أنه من أبناء الوادي الأخضر وأنني متصحرة الروح والثقافة، حدثت المعركة الكبرى نحو التحول من صلاح عبدالصبور إلى صلاح عبدالصبور ذلك الشاعر الذي ظللت أنا - ومعظم جيلي- متأثرة به كمرجع في كتابة القصيدة التفعيلية آخذا بيدي؛ لأتخلى عن القصيدة العمودية طواعية وبهدوء شديد.

ظللت سنوات غاضبة من أمل دنقل  المؤسس الأب لسنوات التمرد والإغتراب لأنه نال نفسيًا من صلاح عبد الصبور. نضجت على نار التجربة وسنوات ممارسة الكتابة ويظل صلاح بديوانه الأول (الناس في بلادي) مؤنسًا للرحلة والذي كان صدوره بدءًا لحركة شعرية جديدة، إلى استدعائي في أكتوبر 2022 لسماع أقوالي في اتهام بسب الذات الالهية وكأني أشرب من نفس الكأس؛ مبتسمة استعنت بمقطعه الشهير في "مسافر ليل"  لتوضيح الفرق بين الكتابة الإبداعية التي تقوم على أعمال المخيلة وإنعاشها بالصدمة أحيانًا وبين الرأي الشخصي أو المذهب الديني للكاتب والمتلقي معا في قضية لم ولن تحسم بعد؟.