الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

على الدين هلال يكتب: ماذا حدث فى قمة جدة؟.. القمة العربية مؤشر إيجابى على حالة العرب ومبعث لتفاؤلهم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تنوعت آراء المعلقين على نتائج قمة جدة التى انعقدت فى ١٩ مايو ٢٠٢٣ ما بين فريقين: الأول أشاد بها واعتبرها نقطة تحول مفصلية وبدء مرحلة جديدة فى العلاقات العربية وفى علاقات العرب بالعالم، فوصفها بالاستثنائية وبأنها قمة «استعادة الوهج»، أشار أنصار هذا الفريق إلى روح الواقعية والعقلانية التى سادت القمة، وبروز الرغبة نحو تحقيق التفاهمات الممكنة مع إدراك الخلافات القائمة، وأكدوا أنه سيكون لها تأثيراتها الإيجابية فى عدد من الملفات الإقليمية المشتعلة فى الأمدين القريب والمتوسط.
وباختصار، فإن قمة جدة خطوة مؤكدة على طريق الأمل، فهى لم تكتف بترميم البيت العربى وإنما وجهت رسائل إيجابية إلى دول الإقليم والعالم، وركزت على المواقف والأفعال وليس البيانات والشعارات.
أما الفريق الثانى فقد كان أكثر حذرا وتحوطا، فرغم إشادته بنجاح المؤتمر، إلا أنه لفت النظر إلى عدد من الأسئلة الصعبة والمفارقات التى تتطلب التفسير، ولعل أهم الأسئلة الصعبة تتعلق بقرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وما هى الخطوة التالية لهذه العودة، فهل تستطيع الدول العربية الانخراط فى علاقات تعاون اقتصادى معها وإعادة إعمارها دون أن تقع تحت طائلة التهديدات والعقوبات الأمريكية.
فقد كان موقف واشنطن واضحا منذ البداية، ففى ٧ مايو وهو تاريخ اتخاذ مجلس الجامعة العربية قرار عودة سوريا، صدر بيان من وزارة الخارجية الأمريكية بأن سوريا لا تستحق هذه العودة، وأدان كل من رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الذى ينتمى إلى الحزب الديمقراطى، وأقدم أعضاء اللجنة من الحزب الجمهورى فى بيان مشترك لهما قرار الدول العربية، ووصفاه بالتوجه المقلق لشركاء الولايات المتحدة، وترددت أخبار عن أن أعضاء فى المجلس من الحزبين قاموا بتقديم مشروع قانون يمنع الحكومة الأمريكية من الاعتراف بالنظام السورى وفرض مزيد من العقوبات عليه. وشهد مجلس النواب تحركا مماثلا، فأصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بيانا بنفس المعنى، وفسر المراقبون هذه المواقف بأنها تحذير للدول العربية من مغبة عودة علاقتها الاقتصادية مع سوريا قبل تسوية أزمتها السياسية.
وهناك سؤال آخر يتصل بمدى التزام الحكومة السورية بتنفيذ التوافقات والالتزامات التى تم الوصول إليها فى اجتماع وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن مع نظيرهم السورى فى عمان فى الأول من مايو، والذى نص على اتفاق الوزراء ووزير الخارجية السورى على أجندة المباحثات التى ستتواصل وفق جدول زمنى يتفق عليه وبما يتكامل مع كل الجهود الأممية وغيرها ذات الصلة، وذلك بخصوص الأوضاع الإنسانية والأمنية والسياسية فى سوريا.
 


كان هذا الاتفاق هو القاعدة التى تأسس عليها قرار مجلس الجامعة العربية رقم ٨٩١٤ الخاص بعودة سوريا، والذى نص على اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤.
أكد وزير الخارجية السعودى هذا المعنى فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب انعقاد القمة، فردا على سؤال عما إذا كانت التسوية السياسية فى سوريا يجب أن تسبق الخطوات الاقتصادية لإعادة التعمير، قال: «لن يسبق شيء شيئا، الأمر خطوة بخطوة».
والملاحظ أن هذا المعنى لم يرد فى كلمة الرئيس الأسد أمام المؤتمر، فقد أكد على معنى آخر عندما قال: «الأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهى قادرة على تدبير شئونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية فى بلدانها ونساعدها عند الطلب حصرا»، وهى المعانى التى أكدتها وسائل الإعلام السورية التى اعتبرت ما حدث انتصارا للدبلوماسية والصمود السورى، وأن العرب عادوا إلى سوريا قلب العروبة النابض.
هناك أيضا مفارقات تستحق التوقف أمامها، فعلى سبيل المثال، كان الأسد الرئيس الوحيد الذى لم يضع شارة المؤتمر على عروة سترته كما يبدو واضحا فى الصورة التذكارية الجماعية لرؤساء الوفود، وأنه وبقية أعضاء الوفد السورى لم يضعوا سماعات الترجمة الفورية خلال إلقاء الرئيس الأوكرانى كلمته، ومنها أيضا، ما أعلنته وكالة الأنباء السورية من قيام الرئيس الأسد بمصافحة الشيخ تميم حاكم قطر وأنهما أجريا حديثا جانبيا، وهو الخبر الذى لم يعلق عليه الجانب القطرى بالتأكيد أو النفى، ولم تتأكد وكالات الأنباء الأخرى من التحقق بهذا الخبر بشكل مستقل.
ومفارقة أخرى تتعلق بلغز مغادرة الشيخ تميم المؤتمر فجأة وقبل إلقاء كلمته، فقد حضر بداية الجلسة وشارك فى الصورة التذكارية لرؤساء الوفود قبيل الجلسة الافتتاحية، ثم انصرف بعد فترة وجيزة من البداية، ثم إصدار الديوان الأميرى القطرى بيانا بشأن هذه المغادرة، وأن الشيخ تميم بعث ببرقيتين إلى الملك سلمان وولى العهد السعودى للشكر على حسن الاستقبال والحفاوة، دون أن يتعرض لأسباب الانسحاب من المؤتمر، رجح بعض المصادر أنه غادر قبل بدء الرئيس السورى إلقاء كلمته، وذلك تأكيدا لموقف قطر التى ترى أن أسباب تعليق عضوية سوريا فى الجامعة ما زالت قائمة، جدير بالذكر، أن هذه هى ليست المرة الأولى التى يقوم فيها الشيخ تميم بمغادرة الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة قبل إلقاء كلمته، فقد حدث ذلك من قبل فى قمة تونس ٢٠١٩. كما توقف المراقبون أمام أسماء الغائبين عن القمة، البعض تغيب لأسباب صحية مفهومة كحالة ملك السعودية وأمير الكويت، ورئيس مجلس السيادة السودانى لظروف الحرب، أما غياب رؤساء دول المغرب والجزائر والإمارات وسلطنة عمان، فقد كان محلا للجدل على وسائل التواصل الاجتماعى، رغم هذه الأسئلة والمفارقات، تبقى القمة العربية فى جدة مؤشرا إيجابيا على حالة العرب ومبعثا لتفاؤلهم.