السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

إنقاذ آثار النوبة.. ملحمة عالمية لحماية التراث الإنساني على أرض مصر

إنقاذ آثار النوبة
إنقاذ آثار النوبة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اتحدت نحو 50 دولة، منذ 63 عاما، لإنقاذ تراث الإنسانية والمجد الحضاري لمصر القديمة، على الرغم مما كان يشهده العالم من صراعات سياسية وفكرية واقتصادية أثناء الحرب الباردة في منتصف القرن الماضي، إيمانا بفكرة أن العالم يضم تراثًا ثقافيًا وطبيعيًا ذا قيمة عالمية ينبغي للبشرية حمايته بالكامل بوصفه إرثها الذي لا يتجزأ.

تؤكد منظمة "اليونسكو" أن إنقاذ معابد مصر ونزع أحجار معبد أبو سمبل، حجرا تلو الآخر، في بداية ستينيات القرن الماضي، كان أول مبادرة للاعتراف بصحة هذه الفكرة، فقد أطلقت اليونسكو حملة إنقاذ دولية لحماية الآثار في النوبة من الغرق في مياه بحيرة ناصر، فكان إنشاء السد العالي في أسوان بمصر قد أثار اهتمامًا غير مسبوق بحماية التراث الثقافي، وفي ذلك الحين، اعتقد كثير من الناس بوجوب الاختيار بين الثقافة والتنمية، بين المحاصيل المزدهرة وآثار التاريخ المجيد، ولكن" اليونسكو" كشفت أن في مقدورنا الحصول على الميزتين. 

تاريخ النوبة 

اعتاد العلماء أن يطلقوا اسم النوبة على المنطقة المتآخمة لأسوان جنوبا، وبلاد النوبة كما نعرفها اليوم، هي المنطقة الممتدة جنوب مصر وشمال السودان، بين الشلال الأول جنوبي أسوان، والشلال السادس شمال الخرطوم، ووصفها عالم الآثار البريطاني "وولتر امري" في كتابه "مصر وبلاد النوبة" بأنها ساحة قتال في العالم القديم، وأنها من أهم مناطق القارة الإفريقية، والتاريخ سطر على أرضها صفحات من فصوله الحية مسجلًا بذلك كثيرا من أحداثه التاريخية على أرضها، وكانت لتلك الأحداث تأثيرها الحاسم والكبير على تطور الحضارة. 

بلاد النوبة أو بلاد الذهب اشتق اسمها من كلمة "نوب" وتعني الذهب لوجود أكبر مناجم الذهب في أرضها بمنطقة العلاقي جنوب أسوان بمصر، وكان القدماء المصريون يُسمّون النوبة "أرض الأقواس" نسبة لمهارة أهلها في الرماية.

وتنقسم النوبة إلى قسمين رئيسيين، النوبة السفلى "واوات" وتقع جميعها داخل الحدود المصرية تقريبا فيما بين الجندلين الأول والثاني، والنوبة العليا "كوش" جنوب الجندل الثاني وحتى "الدبة" داخل الاراضي السودانية، بحسب كتاب عالم الآثار الدكتور عبد الحليم نور الدين "تاريخ وآثار النوبة". 

 تشير الدلائل الأثرية من رسومات موجودة على بعض الصخور والأدوات التي عثر عليها إلى أن الإنسان عَمّر بلاد النوبة منذ العصر الحجري؛ وإذا كانت حضارة الخرطوم تؤرخ بحوالي ستة ألاف سنة قبل الميلاد، فإن بعض الدلائل التي عُثر عليها في موقع النبطة قرب أبو سمبل تُشير الى أن المنطقة عَرِفَت شواهد معمارية تعود إلى حوالي 9 آلاف سنة قبل الميلاد.

تعرضت آثار النوبة للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902م، وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار، والمرة الثانية سنة 1912م، والثالثة في سنة 1932م، وفي كل مرة كان يتم إجراء مسح للمواقع الأثرية، وتسجيلها ورسم الخرائط اللازمة لها، وعندما تقرر إنشاء السد العالي، أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم، ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية، وفقًا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية. 

السد العالي وغرق الآثار

بعد أن اتخذت مصر قرارها الجسور بإنشاء السد العالي في أسوان عام 1954م، كانت إقامة هذا السد إيذانا بخلق بحيرة صناعية فسيحة من المياه، تمتد حوالي ثلاثمائة كيلو متر في أرض مصر وحوالي 187 كيلومترا في أرض السودان، ويرتفع منسوب المياه إلى 180 مترا فوق سطح البحر، وكان معنى هذا أن تغمر مياه البحيرة الجديدة جميع آثار بلاد النوبة المصرية والسودانية إلى الأبد، والتي جذبت إليها عيون العالم على مر العصور. 

ولم يكن مقدرا لمعبدي أبوسمبل، وهما أكثر معابد المنطقة ارتفاعًا، أن يُفلتا من هذا المصير الموجع، فقد كانت مياه التخزين وراء خزان أسوان، لا تتخطى 121 مترا، وهو نفس مستوى أرضية المعبد الكبير الذي يبلغ 124 مترا، بينما كان متوقعا أن ترتفع مياه بحيرة السد العالي إلى مستوى 183 مترا، أي بزيادة ارتفاع قدره 62 مترا على مستوى بحيرة خزان أسوان، وهو ما كان يعني غمر المعبدين تمامًا.

ويسرد الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي في تلك الفترة، في كتابه "رمسيس يتوج من جديد" كواليس إطلاق أكبر حملة دولية لإنقاذ آثار في تاريخ العالم، قائلا، "هكذا ضمت بلاد النوبة أملاً وقلقًا، أملا يتمثل في سد عالٍ يوفر لشعب مصر الخصب والرخاء، وقلقًا على تراث حضاري عالٍ مهددًا بالغرق والفناء، ولم يعد من الممكن أن نقصر تفكيرنا على بناء السد وحده، بل كان من الواجب أن يمتد تفكيرنا إلى إنقاذ آثار النوبة، ومعابدها السبعة عشر".

فكرة الإنقاذ

 فوجئ الدكتور ثروت عكاشة في نوفمبر عام 1958م، بزيارة من السفير الأمريكي ومدير متحف المتروبوليتان يعرضا عليه شراء معبد أو اثنين من معابد النوبة التي ستغرق بعد مشروع السد العالي، فقام بمعاتبتهما بأنه كان يتوقع أن يبادر متحف المتروبوليتان بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث الإنساني بدلا من التفكير في شرائه، ومن هنا بدأت فكرة الإنقاذ. 

 في يناير 1959م اقترح "عكاشة" على مساعد المدير العام لمنظمة اليونسكو "رينيه ماهيه" أن تُعِد اليونسكو حملة دولية لإنقاذ آثار النوبة تجمع فيها المساهمات المادية والعلمية، موضحًا له استعداد حكومة مصر لتحمل نصيب مناسب في هذه العملية الإنشائية التي تفوق الخيال، ووعده "رينيه" بعرض اقتراحه على المدير العام لليونسكو "فيتورينو فيرونيزي"، الذي أعرب عن استعداد "اليونسكو" للقيام بدراسة الوسائل العلمية لحماية تلك الكنوز الفنية والتاريخية، والاستعداد لإطلاق حملة إنقاذ عالمية، وفي 6 أبريل 1959م قدمت مصر طلبًا رسميًا لليونسكو للمساهمة في إنقاذ آثار النوبة من الغرق. 

وقاد عالم الآثار المصري الدكتور سليم حسن، عام 1954م بعثة أثرية زارت منطقة النوبة، وقدم لليونسكو تقريرًا مهمًا عن وسائل إنقاذ معابد المنطقة ومدي تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة، ونجحت البعثة في تسجيل وتقديم تقارير ودراسات علمية، حول أهمية وندرة معابد النوبة المعرضة للاندثار. 

حملة الإنقاذ 

في مارس 1960م لبّت "اليونسكو"، النداء المصري، ودعت علماء الآثار في العالم إلى مؤتمر دولي، أوصى بسرعة العمل على إنقاذ آثار النوبة، التي شملت نحو 22 أثراً ومعلماً من آثار النوبة، ومن خلال المؤتمر أطلقت "اليونسكو" نداء إلى جميع دول العالم للمشاركة في إنقاذ آثار النوبة والمهددة بالغرق، وتم إعداد تقرير تم توزيعه على دول العالم لتعريفهم بأهمية هذه الآثار التاريخية وضرورة حمايتها، وحث الدول لتقديم المساعدات. 

وطبعت "اليونسكو" طوابع بريد تذكارية، شارك فيها أغلب دول العالم وكانت هذه الطوابع تحمل صورًا لآثار النوبة ليتداولها جميع سكان العالم، ويتعرفوا من خلالها على الحضارة النوبية وجمالها، وبذلك التعاطف المطلوب تضامن عدد كبير من الدول واشترك في هذه العملية نحو 50 دولة، تقدمت بعضها بالمساعدات المالية، وأخرى بالمشاركات العملية، في أكبر عملية إنقاذ تراث إنساني في العالم. 

نوبلكور.. وحملة الإنقاذ 

"كريستيان ديروش نوبلكور" تعد واحدة من أبرز وأشهر علماء الدراسات المصرية القديمة الفرنسيين على الإطلاق، وكانت مُغرمة منذ طفولتها باكتشاف الأثري الإنجليزي هوارد كارتر  لمقبرة "الملك توت عنخ آمون"، ومن ثم فقد التحقت بقسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، وكانت أول امرأة تلتحق بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، كما كانت أول امرأة تتولى الإشراف على أعمال الحفائر في مصر عام 1938م. 

ويكشف باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، عن أهم الأعمال التي قامت بها  نوبلكور، في تاريخها العلمي على الإطلاق، وهو مشاركتها البارزة والفعالة في الحملة الدولية التي استهدفت إنقاذ آثار النوبة من الغرق والضياع بعد بناء السد العالي في أسوان، فقد ساهمت مع الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في إطلاق النداء العالمي لإنقاذ آثار النوبة من الغرق والضياع وتسجيل وتوثيق تلك الآثار، كما أنها أجبرت الحكومة الفرنسية والرئيس الفرنسي "شارل ديجول" على المشاركة في تلك الحملة على الرغم من الخلافات والقطيعة السياسية بين الحكومتين المصرية والفرنسية آنذاك منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م.

صندوق إنقاذ آثار النوبة 

للحفاظ علي آثار النوبة من الضياع بعد عمليات التعلية التي جرت على السد العالي، والتي أدت إلى غرق كميات كبيرة من الآثار، قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إنشاء صندوق إنقاذ آثار النوبة في عام 1964م، ويوضح المهندس محروس سعيد مدير عام صندوق إنقاذ آثار النوبة السابق أن الرئيس عبد الناصر أصدر قرارا رقم 8 لسنة 1964م، جاء نصه "ينشأ بوزارة الثقافة والإرشاد القومي صندوق لتمويل إنقاذ آثار النوبة وتكون له شخصية اعتبارية مستقلة، تتكون موارد هذا الصندوق من المبالغ التي تخصص لهذا المشروع في ميزانية وزارة الثقافة والإرشاد القومي أو الوزارات الأخرى، ويتولى تدبير جميع الموارد اللازمة لعمليات إنقاذ آثار النوبة، ووضع المعايير والشروط المواصفات الفنية الخاصة بالعطاءات والممارسات الخاصة بعمليات الإنقاذ.

بعد انتهاء مشروعات الإنقاذ في عام 1982م، أصبح الصندوق جزءا من قطاعات هيئة الآثار المصرية في ذلك الوقت، وتقديراً للاكتشافات التي تمت أثناء حملة إنقاذ آثار النوبة، قدّم الصندوق مشروعين بالتعاون مع اليونسكو الأول لإنشاء متحف النوبة، والذي تم افتتاحه عام 1997م، والآخر إنشاء المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط وتم افتتاحه بعد نقل المومياوات الملكية إليه من المتحف المصري بالقاهرة في 2021م.

الأحفاد على خطى الأجداد

وفي واحدة من أعظم أعمال الهندسة الأثرية في العالم، نفذ فكرتها أحفاد ملوك مصر القديمة، تم إنقاذ أكبر نحت صخري في العالم من الغرق، وهما معبدي أبوسمبل، ويقول الفنان التشكيلي على سعيد مدير متحف كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، أن النحات أحمد عثمان، مؤسس الكلية، تقدّم للدكتور ثروت عكاشة بمشروع لإنقاذ المعبدين في يناير 1959م يعتمد على مبدأ تفكيك وإعادة تركيب المعبد، وأقرت الخبرات الأجنبية وقتها فاعلية تلك الآلية، وبالفعل تم تنفيذ المشروع الذي تقدمت به مصر باسم "المشروع العربي" لينافس المشروعات الأخرى العالمية. 

كانت صعوبة نقل معبدي أبو سمبل تكمن في أنهما منحوتان داخل قلب الجبل، ويشرح المعماري حمدي السطوحي عبقرية عملية النقل، موضحًا أنه في البداية تم إقامة سد مؤقت عازل بين ماء البحيرة والمعبدين لحمايتهما من سرعة ارتفاع المياه، وتغطية واجهة المعبدين بالرمال أثناء تقطيع الصخور المكونة لهما، ثم جاءت مرحلة تقطيع المعبدين بمناشير يدوية، وهنا تجلت مهارة العامل المصري حيث لم يتعد خط القطع 4 مللي، وكان الاتفاق أن لا يزيد سُمك القطع الحجرية المفكوكة عن 6 مللي، وبلغ إجمالي عدد القطع التي تم فكها حوالي 1042 قطعة بما يعادل 250 ألف طن، وبلغ وزن الكتل الحجرية الواحدة منها حوالى 30 طنًا، وترقيمها حتى يسهل تركيبها بعد النقل.

بعد عملية التفكيك تم رفع الكتل الحجرية وتجميعها في المكان الجديد فوق جبل صناعي قائم على كتلة هائلة من الحديد والخرسانة على شكل نصف دائرة "قبة خرسانية"‏،‏ وأقيم البناء على فكرة عبقرية وبارتفاع 65‏ مترا، وبمسافة تبعد 200 متر عن الموقع الأصلي للمعبدين، في أحد أعظم أعمال المشروعات الحضارية في العصر الحديث التي شارك فيها أكثر من 5 آلاف ما بين أثري ومهندس وعامل. 

في عام 2013 أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية استغلال "القبة الخرسانية"، التي أقيمت في إطار الحملة القومية لإنقاذ آثار النوبة منذ عام 1964م محاكاة لشكل الصخر الطبيعي للجبل الذي نحت داخله معبدي أبوسمبل، كمزار سياحي. 

العجيبة الثامنة 

حرصت مصر على توثيق هذا الإنجاز التاريخي، واسند إلى المخرج الكندي "جون فيني" تصوير مراحل نقل المعبدين، واتضح أن الفيلم التسجيلي تنقصه المعلومات والصور التي توضح تاريخ هذا البناء العظيم الذي يعود إلى 3500 عام، وتم ترشيح  الفنان التشكيلي "بيكار" للعمل في هذا الفيلم، فشارك مع "فيني" في كتابة السيناريو، وتفرغ لمدة عامين لرسم 80 لوحة انتقل خلالها إلى زمن الملك "رمسيس الثاني" لرصد الحياة بها في ذلك الوقت، وعرض الفيلم الذي اطلق عليه اسم "العجيبة الثامنة" في مصر وألمانيا وإيطاليا، وهو أول فيلم تسجيلي يعتمد بشكل كامل على لوحات الفن التشكيلي.

المعجزة الثانية 

استغرقت عملية إنقاذ معبدي أبوسمبل 4 سنوات، وتحديدا في 22 سبتمبر 1968م، تم الاحتفال بالانتهاء من نقل المعبدين على بعد 180 مترا غرب مكانة الأصلي، وعلى ارتفاع نحو 64 مترًا عن سطح الأرض، بتكلفة  40 مليون دولار، شاركت مصر فيها بثلث تلك القيمة.

لولا الجهود التي بذلها خبراء عملية الإنقاذ في القرن الماضي، لربما احتجب ضوء الشمس عن معبد الملك رمسيس الثاني بأبو سمبل، ولم يجد الزائرون طريقًا إليه إلا غوصا في أعماق البحيرة ، ومن العبقرية أن القائمين على مشروع الإنقاذ أعادوا حساب القياسات الدقيقة المطلوبة لكي تتعامد الشمس مجددا مرتين في العام على وجه تمثال رمسيس الثاني داخل قدس الأقداس بمعبده الكبير، ولكن تأخرت الظاهرة يومًا كاملا عن موعدها لتكون يومي 22 أكتوبر وفبراير من كل عام.

كان نقل المعبدين معجزة لا تقل عن معجزة بناء المعبد، فالبناء الذي استغرق 20 عاما، تم بأيدِ المصريين المعاصرين للمرة الثانية في 4 سنوات فقط، وكما قال المهندسون الأجانب الذين اشرفوا على عملية الإنقاذ في تلك الفترة: "إن نفس الأيدي السمراء الماهرة التي بنت هذا المعبد العظيم قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة؛ تعيد الآن إنقاذه وبناءه بنفس المهارة والروعة".

20 عاما لإنقاذ آثار النوبة

استمرت حملة إنقاذ آثار النوبة عقدين كاملين من العمل الدائم "1960- 1980" وتم نقل 22 معلماً وأثراً معمارياً من مكانها والحيلولة دون انغمارهم بمياه السد العالي، ويؤكد الدكتور أسامة عبد الوارث رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف أن حملة إنقاذ آثار النوبة، والتي تبنتها منظمة اليونسكو، بمثابة علامة فارقة في مسار الحفاظ على التراث الإنساني من ناحية، وعلى تكاتف المجتمع الدولي في لحظة فارقة من عمر وتاريخ وحضارات الأمم من ناحية أخرى. 

أجرت بعثات العديد من الدول المشاركة في حملة الإنقاذ أعمال حفائر علمية منظمة واسعة النطاق، وتم تسجيل وترميم العديد من المواقع الأثرية، وإنقاذ وترميم آلاف من القطع الأثرية، وكذلك تفكيك ونقل العديد من المعابد الأثرية المهمة، وإعادة تجميعها في عدد من المواقع الجديدة، ومعابد النوبة السفلى المصرية التي تم إنقاذها هي، "فيلة، ديبود، قرطاسي، طافة، كلابشة، بيت الوالي، دندور، جرف حسين، الدكة، كوبان، وادي السبوع، عمدا، الدر، قلعة قصر إبريم ، ومعبد أبو عودة". 

كانت عملية إنقاذ آثار النوبة وبصفة خاصة معبدي أبوسمبل الدافع في تسجيل "اليونسكو" لمعالم النوبة من "أبو سمبل إلى فيله" على قائمتها لمواقع التراث العالمي في عام 1979م، التي تنص على أن بعض مواقع العالم لها "قيمة عالمية استثنائية" ويجب أن تشكل جزءاً من التراث المشترك للبشرية. 

مصر ترد الجميل 

وصفت" اليونسكو" مشروع إنقاذ آثار النوبة عام 1980م بأنه "أعظم عملية إنقاذ للآثار على الإطلاق"، إذ كان نقل المعابد من أصعب عمليات نقل المباني على مر التاريخ، وكان التحدي كبيرا أمام المهندسين المعماريين والآثاريين على حد سواء كي ينجحوا في تنفيذ ذلك المشروع العملاق.

ولولا مساهمات المجتمع الدولي لكانت مصر تتحسر حتى الآن على ضياع هذه الكنوز الفريدة، وردا لهذا الجميل أهدت مصر أربعة معابد إلى الدول التي ساهمت في عملية إنقاذ آثار النوبة، وهي معبد "ديبود" لحكومة إسبانيا ومعبد "طافا" لحكومة هولندا، ومعبد" إليسيا" لحكومة إيطاليا ومعبد "دندور" لشعب الولايات المتحدة الأمريكية تقديرًا لما نالته مصر من مساهمة كُبرى على أيديه، بأكبر مبلغ في ذلك الوقت وهو 50 مليون دولار. 

أجدادنا القدماء كانوا يؤمنون بأن الحياة والفن متلازمان، لا بقاء لأحدهما إلا ببقاء الآخر، وبتلك النظرة من السلف إلى الفن، نجحت مصر في توحيد جهود المجتمع الدولي في لحظة ما من أجل إنقاذ آثار النوبة العظيمة، الذي لم يكن واجبًا وطنيًا يخص مصر وحدها، بل واجبًا إنسانيًا يخص العالم أجمع، ويرجع الفضل في ذلك لعبقرية الفنان المصري القديم الذي جعل الحجر يتكلم ويحكى حكايته التاريخية الخالدة التي دائمًا ما تُبهر الجميع بما صنعته في الماضي من إنجازات. 

IMG-20230205-WA0071
IMG-20230205-WA0071
IMG-20230205-WA0072
IMG-20230205-WA0072
IMG-20230205-WA0073
IMG-20230205-WA0073
IMG-20230205-WA0075
IMG-20230205-WA0075
IMG-20230205-WA0076
IMG-20230205-WA0076
IMG-20230205-WA0079
IMG-20230205-WA0079
IMG-20230205-WA0080
IMG-20230205-WA0080
IMG-20230205-WA0081
IMG-20230205-WA0081
IMG-20230205-WA0082
IMG-20230205-WA0082
IMG-20230205-WA0083
IMG-20230205-WA0083
IMG-20230205-WA0084
IMG-20230205-WA0084
IMG-20230205-WA0085
IMG-20230205-WA0085
IMG-20230205-WA0086
IMG-20230205-WA0086
IMG-20230205-WA0087
IMG-20230205-WA0087
IMG-20230205-WA0088
IMG-20230205-WA0088
IMG-20230205-WA0089
IMG-20230205-WA0089
IMG-20230205-WA0090
IMG-20230205-WA0090
IMG-20230205-WA0091
IMG-20230205-WA0091
IMG-20230205-WA0092
IMG-20230205-WA0092
IMG-20230205-WA0093
IMG-20230205-WA0093
IMG-20230205-WA0094
IMG-20230205-WA0094