الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

تيجران يجافيان يكتب: أبعاد ثلاثية للمأساة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما تسترجع الجغرافيا السياسية ذكراها الطيبة
سكان المناطق السورية يعانون من الكارثة المزدوجة: العقوبات وقوة الطبيعة
قلة من المسيحيين فى حلب لم يستسلموا لصفارات الهجرة ينامون الآن فى الكنائس التى لا تزال قائمة أو فى سياراتهم
 

لقى ٢٢٧٦٥ شخصًا حتفهم وفقًا لإحصاء ١٩ فبراير. هذه الوفيات أغلبها من الجنسية التركية وأعداد أقل فى سوريا. هذه هى الأرقام التى قدمتها منظمة الصحة العالمية فى تقريرها المؤقت، فيما تم تسجيل أكثر من ٧٠ ألف جريح.. فى الأيام، وحتى الأسابيع المقبلة، سيزداد هذا الحساب المروع أكثر.
إن حصيلة هذا الزلزال الذى لم يسبق له مثيل من الشدة، منذ الزلزال الذى دمر مدينة حلب، لها أبعاد ثلاثية: أولًا: إنسانية، بالنظر إلى عدد الضحايا الذين تم إنقاذهم بشكل غير متساوٍ، وثانيا: مادية (عشرات الآلاف من المبانى المدمرة)، وأخيرًا: سياسية ودبلوماسية (سيتم الحكم على أردوغان والأسد من خلال قدرتهم على مواجهة تحدى الإنقاذ وإعادة الإعمار بالوسائل المتاحة لهم). هل سيكون لهذه الكارثة تأثير إيجابى على التقارب الذى حدث فى الأسابيع الأخيرة بين دمشق وأنقرة أو إعادة تأهيل سوريا وإعادة دخولها فى النظام الدولي؟. ربما نعم إذا سادت السياسة الواقعية واستغلال تأثيرات هذه الكارثة على المشاعر. سيكسب كل من السوريين والأتراك أكثر من الخسارة، لكن ستكون هناك حاجة إلى تعهدات مقنعة بما فيه الكفاية، بدءًا من إخلاء الأراضى السورية التى يسيطر عليها جيش أنقرة وحل افتراضى بشأن عودة اللاجئين إلى وطنهم.
مثلما تعتقد مناطق الثوار فى شمال غرب سوريا التى يسيطر عليها جهاديو هيئة تحرير الشام، أنهم واثقون من وصول المساعدات الدولية، فى حين أن الضحايا الذين يعيشون فى تلك المناطق ليس لديهم شكوك حول مساعدات المنظمات الدولية التى تكافح التمييز خاصة أن السكان فى هذه المناطق يمتلكون قوة كبيرة فهم يعانون من العقوبة المزدوجة: العقوبات وقوة الطبيعة.
فى مقابلة مع موقع لوفيجارو، يتذكر الجغرافى المتخصص فى الشرق الأوسط، فابريس بالانش، بوضوح، أن «أولئك الذين لم يكونوا موالين للنظام سيكونون آخر من يتم إنقاذهم». على مقاعد البدلاء من الدول المنبوذة، تدفع الجمهورية العربية السورية الخسائر الفادحة. ولكن دمشق تستطيع الآن الاعتماد على دعم الدول الشقيقة فى مقدمتها لبنان ومصر والجزائر دون أن تنسى العراق والإمارات والأردن. وبغض النظر عن المساعدات من الدول الشقيقة (لبنان ومصر والعراق والجزائر والأردن والإمارات العربية المتحدة)، هناك روسيا والصين والهند بدرجة أقل وأرمينيا التى تكرر بادرة الصداقة التى أبدتها فى العقد الماضى.
ضحية العدوان العسكرى الأذربيجانى فى عام ٢٠٢٠ ومؤخرا فى سبتمبر ٢٠٢٢، أرسلت أرمينيا الصغيرة مساعدات لتركيا التى قبلتها، معتبرة فى هذه اللفتة الإنسانية خطوة إيجابية فى الحوار الصعب الذى يجب أن يدفع الجارتين لبدء التطبيع العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من أن أنقرة قبلت مساعدات ضخمة من اليونان، التى تنتهك مجالها الجوى والبحرى يوميًا، إلا أنها رفضت مع ذلك المساعدة التى قدمتها جمهورية قبرص، التى يتواجد الجيش التركى على أكثر من ثلث أراضيها.
تراث مهدد
يذكرنا هذا الزلزال أيضًا بأن الجغرافيا والتاريخ يعاودان الظهور فى تداخلات متشابكة ومختلفة. وبالنظر عن كثب إلى منطقة مركز الزلزال والمناطق المحيطة بها، يمكن للمرء بسهولة تتبع خريطة المملكة المختفية. واهتزت الأرض على أراضى قيليقية القديمة، المملكة السابقة لأرمينيا حيث ازدهرت الحضارة فيها خلال العصور الوسطى. وعندما تصطدم صفيحة الأناضول بالصفيحة العربية، دعت الجغرافيا السياسية نفسها إلى كارثة. تشترك مدن تركيا المتضررة فى نفس الضعف الجيولوجى ولكن ليس نفس السكان، وبالتالى تم إنقاذ الأتراك السنة فى مرعش وملاطية بشكل أفضل من مواطنيهم الناطقين بالعربية من أصل سورى من سنجق الإسكندرونة والأكراد من ديار بكر.
كل شيء يوحى بأن الأكثر ضعفًا، هم من عانوا من الحرب السورية وأيضًا الأقليات التى طُلب منها دفع الثمن الباهظ. وفى حلب، قلة من المسيحيين الذين بقوا فى مدينتهم، والذين لم يستسلموا لصفارات الهجرة، فهم ينامون الآن فى الكنائس التى لا تزال قائمة، أو حتى فى سياراتهم.
بينما نكتب هذه السطور، فإن النظام البيئى بأكمله معرض لخطر الاختفاء أكثر من أى وقت مضى. تستحضر أسماء المدن المكلومة فى العهدين القديم والجديد. أنطاكية، مهد المسيحية، مدينة سورية مرتبطة بشكل تعسفى بتركيا بسبب جبن فرنسا المتلهفة لتجنيب تركيا عشية الحرب العالمية الثانية. أنتيب، حاضرة كيليكيا الأرمنية السابقة بقلعتها الممزقة، وكاتدرائيتها التى تم تحويلها إلى مسجد ليست سوى ظل لما كانت عليه فى السابق. ملاطية، ميليتين القديمة، أحد مهدات أرمينيا الغربية تحولت إلى كومة من الأنقاض. وما وراء الحجارة والأنقاض.. وهناك وسط كل ذلك صوت خجول يكافح من أجل أن يُسمع! من يستطيع أن يسمع شكوى آخر مسيحيى أنطاكية فى الغرب؟ فى حين أن المسيحيين المعمدين فى سوريا يكاد يكون صوتهم غير مسموع إلا عندما تظهر مناسبة يجب استغلالهم فيها لأغراض أيديولوجية.
«أفهم أن الجغرافيا السياسية علم صعب، فن لا يعانى من أى انحراف. ولا ينبغى أن نتنازل عن أنفسنا، ونتخذ خطوة تشريعية ودبلوماسية. هل سنتحرك أخيرًا؟ ولو مرة واحدة فقط، حتى فى تلك الأيام القليلة، تلك الساعات القليلة، الوقت الذى يستغرقه إنقاذ بعض الأرواح والحفاظ على عدد قليل آخر. أتساءل أحيانًا ما الذى يمكن أن يحسدنا عليه هؤلاء الذين يشاهدوننا نحدق فيهم أثناء الموت».. هذا ما كتبه الأب برون لوجويست عن سوريا، على صفحته على فيسبوك.

معلومات عن الكاتب
تيجران يجافيان.. باحث فى مركز المخابرات الفرنسى، ومؤلف كتاب الجغرافيا السياسية لأرمينيا،  يتناول أبعاد الزلزال على سوريا التى تواجه عقوبات دولية خانقة ويؤكد على دعم الدول العربية الشقيقة التى سارعت بتقديم مساعدات عاجلة.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/