السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الخبير المصرفي: إفلاس مدير مصرف لبنان المحصن

رياض سلامة حاكم مصرف
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى لبنان، هذا البلد المفلس اقتصاديًا وسياسيًا، يلفت الانتباه هذا الرجل بثروته وطول بقائه بالمنصب ونفوذه. إنه ليس سوى مدير مصرف لبنان المركزى، رياض سلامة. هذا الرجل ظل فى منصبه لثلاثة عقود وهو يعانى الآن من ضربات من قبل العدالة اللبنانية والأوروبية لاتهامه فى عدة قضايا للفساد.
فى بلاد شجر الأرز، لا يمر أسبوع دون أن يشهد المسلسل «رياض سلامة» تطورًا جديدًا. لم يعد ميشيل عون على رأس الدولة اللبنانية، ولكنه لا يزال يتهم مدير مصرف لبنان بالمسؤولية عن الفوضى المالية التى حدثت ولإنقاذ مؤسسة الرئاسة التى شهدت انهيار لبنان. ويشير عون بأصابع الاتهام إلى التدخل المطلق لهذا المصرفى فى الشؤون اللبنانية. ورغم كل هذه الاتهامات والانتقادات، سارع بعد ستة أشهر من توليه منصبه على رأس البلاد، إلى تجديد تنصيبه فى عام ٢٠١٧ على رأس المؤسسة المصرفية.
إذا كان رئيس الدولة اللبنانية السابق يريد أن يجد كبش فداء لتبرير انتكاسات ولايته، فإنه رياض سلامة المستهدف أيضا من قبل قوى المجتمع المدنى المختلفة.
فقدان المصداقية
ينحدر رياض سلامة من عائلة ثرية جمعت ثروتها من الكاكاو فى ليبيريا، وحصل على شهادته فى الاقتصاد من الجامعة الأمريكية فى بيروت، وسرعان ما بدأ حياته المهنية فى صندوق ميريل لينش، كمدير لإدارة الثروات فى نيويورك. صعد سلامة مراتب التسلسل الهرمى للوظيفة وأصبح نائبا للرئيس والمستشار المالى للصندوق فى باريس. وكان يدير ثروة رفيق الحريرى لذا اقترب بشكل كبير من جميع المحيطين به ليعينه رئيس الوزراء اللبنانى، آنذاك عام ١٩٩٢ محافظًا لمصرف لبنان المركزى عام ١٩٩٣. وفى أعقاب الحرب الأهلية التى دمرت أجزاءً كاملة من العاصمة، كانت مهمته تمويل إعادة إعمارها وأدى ذلك إلى أن الدولة استدانت ديونا ضخمة من دائنين أجانب.
تمكن المصرفى الشاب بطريقة ما من الحفاظ على التكافؤ بين الدولار والليرة اللبنانية فى عام ١٩٩٧، وبالتالى استقرت العملة المحلية. وجعلت منه براعته المالية «أفضل مصرفى على وجه الأرض»، وفقًا لمجلة يورومنى فى عام ٢٠٠٦. كما تم اعتباره «المصرفى المركزى لعام ٢٠٠٩» من قبل مجلة ذا بانكر البريطانية لأنه أنقذ لبنان من أزمة الرهن العقارى فى عام ٢٠٠٨. علاوة على ذلك، وفقًا للمعلومات التى كشفت عنها ويكيليكس، كان من المتوقع أن يكون رياض سلامة رئيسًا للجمهورية اللبنانية.
ولكن انتهى هذا الأمر ودارت العجلة أمام القطاع المصرفى اللبناني، بين الحرب فى سوريا، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وانخفاض التحويلات من المغتربين، وتدهور العلاقة مع المستثمر الأجنبى الرئيسى، وتضاعفت الأزمات فى لبنان. لا شك أن انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ هى التى وجهت ضربة قاضية لرياض سلامة ورأينا بلاد الأرز تهزها أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية واللبنانيون يقومون بإدانة الطبقة الحاكمة التى ينتمى إليها رياض سلامة. وهكذا تحول من رجل مصرفى محترف ليصبح فى صورة خبير مصرفى يعتمد على طرق معينة بانتهاجه «نظاما ماليا» اغتنى بسببه.

 


العدالة تسانده 
إنه شخص متهم بشكل خاص بإقامة نظام «بوزني» عبر لبنان. هذا النظام هو عبارة عن ترتيب مالى احتيالى يقوم على تعويض استثمارات العملاء بشكل أساسى من الأموال المشتراة من قبل الوافدين الجدد؛ إذا لم يتم اكتشاف عملية الاحتيال من قبل، فسيظهر الاحتيال عند انهيار النظام، كما هو الحال فى لبنان. مكنت هذه الآلية من إخفاء حالة التعقيد والمصاعب الهيكلية للدولة، مع تقديم أرباح طائلة للبنوك اللبنانية ومساهميها.. هذا النظام يقوم على أسعار الفائدة التى تصل إلى حوالى ١٥٪.
تكشف بوضوح كل هذا التمويه المالى مع الهبوط الحاد فى الليرة اللبنانية. وفى مواجهة الأزمة، أمر الرئيس آنذاك ميشال عون بإجراء مراجعة لمصرف لبنان، وهو شرط لا غنى عنه لدفع المساعدات الدولية، وهو الأمر الذى رفضه المصرفى رفضًا قاطعًا وبالنظر إلى تشابك الأحزاب السياسية المختلفة والعلاقات المالية والحزبية، يتمتع رياض سلامة بحصانة سياسية وقضائية معينة فى لبنان.
لكن الرجل البالغ من العمر ٧٢ عامًا يشعر بالقلق فى نهاية المطاف ليس على إدارته المالية للبنان ولكن من القضايا المزعومة المتعلقة بالثراء غير المشروع أو غسيل الأموال. وفى بداية عام ٢٠٢١، يهتم النظام القضائى السويسرى بشكل خاص بثروته ويفتح تحقيقًا أوليًا. 
ثم جاء دور فرنسا لتضع أنفها هى الأخرى فى أعمال المصرفي، وفى شهر يونيو، فتح مكتب المدعى المالى الوطنى (PNF) أيضًا تحقيقًا أوليًا فى قضية «غسيل الأموال المنظم» ضد رياض سلامة. ويأتى هذا التحقيق فى أعقاب شكاوى من منظمة شيربا غير الحكومية، التى تكافح ضد الجرائم المالية الكبرى، و«مجموعة ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية فى لبنان». هؤلاء قاموا بفحص الأصول المالية والعقارية لمسئول مصرف لبنان منذ أن تولى منصبه فى عام ١٩٩٣.
النخب اللبنانية
تم فتح تحقيقات بالفعل فى أكثر من ستة بلدان، كما أن حاشيته أصبحت فى مرمى العدالة وبصرف النظر عن شقيقه، هناك أيضًا ابنه نادى وصديقته السابقة آنا كوساكوفا ومعاونته ماريان هوايك.
وفى أكتوبر ٢٠٢١، أصبح رياض سلامة مرة أخرى فى قلب الأحداث مع ظهور فضيحة «أوراق باندورا». سلطت تلك القضية العالمية المتعلقة بالتهرب الضريبى الضوء على الاستحواذ على شركتين أمانيور وتوسكانا؛ لكن قبل كل شيء، تقدم الأوراق مزيدًا من التفاصيل حول شركة شقيقه «فورى اسوشياتد ليمتد» التى ربما تكون حصلت على ما لا يقل عن ٣٠٠ مليون دولار من مصرف لبنان.
سافر محققون ألمان وفرنسيون ومن لوكسمبورج إلى بيروت منتصف يناير ٢٠٢٣ للتحقيق فى إرث رياض سلامة وإذا لم تكن لائحة الاتهام على جدول الأعمال بعد، فإن تعيين هؤلاء القضاة الأوروبيين يجعل النخبة اللبنانية فى حالة استنفار. ومع هذه القضايا التى تدور حول هذا الخبير المصرفى، ليس مؤكدا أنه سيعاد تعيينه كرئيس للبنك المركزى اللبنانى فى يوليو ٢٠٢٣. وبالنظر إلى تداعيات النظام السياسى اللبنانى، إذا سقط من عرشه، فسوف يقوم بتوريط جزء كبير من النخبة اللبنانية معه.
معلومات عن الكاتب
جوزيف ثابت.. صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يقدم فى هذا التقرير بانوراما عن تأزم الأوضاع المالية والاتهامات التى يواجهها رئيس مصرف لبنان المركزى وتأثيرها على الواقع السياسى فى البلاد.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/