الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التجربة الصينية الملهمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بناء الدول أمر ليس باليسير، والصعود لمصاف الدول الكبرى يكاد يكون معجزة بكل المقاييس، والوصول للقمة لمناطحة الكبار هو الجائزة الكبرى لمشوار طويل من الكفاح ربما يستمر عقودا، وهو ما ينطبق تماما على التجربة الصينية الملهمة، تجربة تستحق أن نتوقف عندها كثيرا فإذا كانت أجيال متعاقبة وأنظمة حكم كثيرة كانت تمد بصرها قبل المغرب لتتعلم وتستقر تجربته، فقد آن الأوان أن نمد أبصارنا قبل المشرق، ولا أقول أن نذهب للشرق الأقصى ونغلق الباب وراءنا، ولكن ما جرى ونشاهده من صعود للصين اقتصاديا فى المقام الأول يبعث على الأمل لدى منطقتنا ودول الاقتصادات الناشئة.
أكثر ما كان يشغلنى فى زيارتين متتاليتين للصين وأنا أتابع عن قرب حركة الناس والمجتمع كيف استطاع الحزب الشيوعى الصينى أن يقود البلاد لنهضة كبرى، لتصبح الصين التى نراها الآن وكما نصفها [تنين بحق]، كيف وجد نظام الحكم لنفسه طريقا خاصا بعيدا عن النمط الرأسمالي بكل ما له وما عليه ويقود حزب واحد البلاد، صيغة سياسية لا يرضى عنها الغرب الذى يتشدق بالتعددية الحزبية وأنها السبيل الوحيد للنظم السياسية لإدارة البلاد، وأنها النموذج الوحيد الذى يجب أن تتبناه كل الدول وإلا أصبحت دولا قمعية استبدادية فاشلة؟ وفى الوقت نفسه لم تستنسخ الصين التجربة السوفيتية واستثمرت فيما أسمته التجربة الصينية الاشتراكية، تجربة جديدة فى الحكم والإدارة تحارب الفساد وتطهر الصفوف وتقبل النقد وتعدل المسار، تجربة نابعة من احتياجات الشعب وطموحاته وتستند إلى زخم حضارى عريق، تجربة يستبق فيها الحزب الحاكم تطلعات المواطنين، فلم يغلق الأبواب أمام كل ما هو غربى بل استدعى كل الأفكار التى رأها جيدة وقابلة للهضم وأعاد إنتاجها من جديد بما يتماشى مع هوية الصين وخصوصية التجربة، انفتاح على الأفكار، وانفتاح اقتصادى محسوب وعاقل يحفز المواطنين للإنتاج وليس الاستهلاك، للعمل والانضباط، معايير لبناء قوة عظمى، كافحت الصين كثيرا من أجلها وها هى الآن تحصد ما زرعته من سياسات، وأنتجته بأيدى أبنائها.
ومرة أخرى تفتح الصين أبوابها من جديد لتصدر تجربتها للخارج وتفتح المجال أمام شراكات استراتيجية وتنموية تهدف للبناء والتعاون مع دول العالم، خاصة فى منطقتنا العربية على أسس من الاحترام المتبادل، وهنا تتراجع تماما فكرة الاستعلاء والإملاءات والشروط السياسية والتدخلات المرفوضة، وهو ما يدفع نحو التقارب ويبعث على الارتياح والطمأنينة فيما يتعلق بسيادة القرار الوطنى.
منذ أيام شاركت فى [منتدى مصر والصين فى عشر سنوت.. التقدم مستمر ] الذى نظمته مؤسسة بيت الحكمة للنشر بحضور القائم بأعمال السفير الصينى بالقاهرة وعدد من الدبلوماسيين والخبراء المصريين المهتمين بهذا الملف، والذى تزامن مع انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى، وتحدث الحضور عن المرحلة الجديدة فى عمر الاشتراكية الصينية مع الولاية الثالثة المرتقبة للرئيس شى جين بينج، والذى أعلن أن [الصين ستسير دوما على طريق التنمية السلمية بكل ثبات، وستظل بانيا للسلام العالمى ومساهما فى التنمية العالمية ومحافظا على النظام الدولى ] هذه هى ثوابت السياسة الصينية وتوجهاتها الخارجية فى وقت يموج فيه العالم بتغيرات وصراعات مسلحة وسباق نفوذ وتكتلات واستقطاب وتسخين لم يشهده منذ سنوات، ولكن إعادة تشكيل العالم الجديد بأقطاب متعددة لن يكون بمعزل عن بكين بأى حال، بل ستكون أول الجالسين على طاولة الخريطة لتطرح رؤيتها وتقول كلمتها، الصين ليست قادمة كما كنا نردد ولكنها موجودة وفاعلة، تسمع وترى.