السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قبل النكسة بيوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

غائب منذ سنوات عن المشاركة في أية ندوات بالقاهرة سواء كانت سياسية أو فنية، ربما يكون الإحباط سببا، وربما رداءة المنتج والحصاد في نهاية أي ندوة بعد ساعتين من حرق الدم والصداع، هذا الأسبوع كسرت قاعدة الغياب المتعمد ربما لأن الكاتب الدكتور إيمان يحي لديه ما يجعلني أكسر جدار العزلة الذي شيدته ومازلت حريصا عليه.
إيمان يحي أصدر قبل أيام عن دار الشروق روايته الثالثة " قبل النكسة بيوم " وسبق لي أن قرأت له رواية "الزوجة المكسيكية" التي تتبع فيها خيطا رفيعا في حياة يوسف ادريس، وكانت خدعة الكاتب في هذه الرواية هي الفخ الذي نصبه لي كي أشارك في ندوته التي انتظمت في قاعة قنصلية بوسط البلد وكان المتحدث الرئيسي فيها الدكتور محمد أبوالغار، وبحضور أبوالغار وايمان يحي صرت بين فكي كسارة البندق.
استعرض أبوالغار تفاصيل الرواية وحبكتها وشخوصها وكاد أن يفك شفرتها عندما أكد بأن أبطال النص هم شخصيات حقيقية مثل الكاتب الصحفي صلاح عيسى الذي تجسد في الرواية باسم مختلف وكذلك قادة مهمين في اليسار المصري وبالتحديد الجيل الذي تم اعتقاله في النصف الثاني من الستينات مثل عبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب ومحمد عبدالرسول وغيرهم، هنا يمارس إيمان يحي لعبته المفضلة في فن الرواية بخلط التاريخي بالخيال والدراما، بل وعرض الوثائق والمواقف المتصالحة والمتناقضة ليكشف على مدار الرواية عن المخبوء في التاريخ.
ايمان يحي..طبيب وأستاذ جامعي تجاوز الستين من عمره يحفظ منطقة وسط البلد شبرًا شبرًا، اقتحم مجال الرواية عندما أنقذته الكتابة من أزمة واجهها في مجال عمله ولكنه انتصر على الأزمة بكتابة روايته الأولى "الكتابة بالمشرط " وكانت فتحا عظيما له، فندهته النداهة ليغرق في البحث التاريخي ويخرج لنا منه بجواهره التي صرنا ننتظرها بل ونحرضه على مواصلة النبش في الاضابير.
عامي 64 و65 هما الميدان الزمني الذي استوعبته الرواية، ويتوقف تماما عن البوح وعن ماحدث في 5 يونيه 1967، توقعت كما توقع غيري أن يلقى الكاتب هجوما كاسحا من التيار الناصري باعتبار أن المقدمات تؤدي إلى النهايات وما جاء به إيمان من مقدمات فادحة تحتاج كثير من المناقشة من صقور الناصرية، ولكن كما قلت لكم في مقدمة المقال بأن إيمان يحي كاتب مخضرم ووصفته بالمخادع لذلك كان العجب في الندوة أن أشاهد النقابي الناصري ابراهيم منصور حريصا على اقتناء نسخته بتوقيع واهداء من الكاتب وكذلك القائد الناصري ابن الدقهلية محمد بدر وغيرهم من رموز القوميين العرب، إذن نحن هنا بصدد كتابة طازجة يحتفل بها الجميع.
ولأن الملعب مازال مفتوحا لعشرات القراءات ورد فعل التيارات المختلفة لزلزال يونيه 1967 كان طبيعيا أن يرصد جمهور الحضور موقف التيار المتأسلم من الزلزال؛ ودلالة المقولة المعروفة بأن أحد الشيوخ وأئمة التيار الإسلامي قد صلى ركعتين لله شكرا على الهزيمة التي اوقفت مد جمال عبدالناصر الشيوعي، وهنا كان العجب وكادت الندوة أن تخرب عندما أصر مديرها على أن موقف الشيخ مشابه لموقف الدكتور لويس عوض.. صحيح ردت القاعة لتكشف جهل تلك المقولة بأن هناك فارق أساسي بين شماتة التيار الإسلامي وبين النقد الموضوعي لقامة كبيرة مثل الدكتور لويس عوض وإلى جانب هذه السقطة كانت هناك أخطاء أخرى من إدارة الندوة أقلها توزيع الكلمة بالمزاج حتى أنني طلبتها ثلاث مرات ولم أتشرف بالحصول عليها.
ما علينا..كان الاحتفال بإيمان يحيي أهم بكثير من كلمتي بالرغم من انجراف المتحدثين في الكلام عن التاريخ وعدم الاقتراب من جماليات النص، لذلك نتوقع ندوة قادمة أكثر عمقا وتخصصا ربما تصادفها إدارة أكثر حكمة.