السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معالجة الديون والاقتراض أولا (3-3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ننطلق مما تم سرده في المقالين السابقين إلى وضعنا المحلي في مصر، لنقف على الموقف الراهن من قضية الديون، والتي تحولت إلى جدل، وهل وصلت إلى وضع مقلق، أم لا؟، وكل رأي يمسك حجته، ولكن المتفق عليه ضرورة وضع حد لهذه القضية، بعدما تقلص الاحتياطي النقدي، في ظل أزمات عالمية متتالية، وتأثرت مصر بها كباقي دول العالم، سواء تحديات فيروس "كوفيد – 19"، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي وضعت العالم على أبواب شبح مجاعة، بخلاف موجات التضخم العالمية، وخروج الأموال الساخنة.
أعتقد أن القيادة السياسية أدركت الأمر وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى تكليف الحكومة بإعلان خطة واضحة يتم الالتزام بها لخفض الدين العام كنسبة من الدخل القومي، مع برامج وخطط لتنشيط الاقتصاد بطرح رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية، والإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات، بخلاف البدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة والقوات المسلحة في البورصة المصرية قبل نهاية العام الحالي.
ولا يختلف أحد على أن كل الدول ومنها أمريكا التي شهتد أعلى نسبة تضخم من 40 عاما، وجميع الدول تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، ومصر في القلب من تلك الأوضاع، وتحركت الدولة لمواجهة جزء من التداعيات الناجمة عن الأزمات من خلال تحريك سعر الفائدة، وربما يكون هناك تحريك آخر قريب، وتخفيض جديد في قيمة الجنيه أمام الدولار.
ولكن تبقى قضية الاقتراض والديون الخارجية بشكل خاص، من الأمور المحورية التي دعت القيادة السياسية للتعامل معها، خصوصا أن بلغت وفقا لبيانات البنك المركزي إلى 145 مليار دولار، في الوقت الذي أصبحت مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد بعد الأرجنتين بنحو 20 مليار دولار، والتوقعات بأن تقرض مصر هذا العام حوالي 73 مليار دولار من خلال قروض سيادية وفق توقعات مؤسسات دولية.
التوجيه السياسي بشأن الديون يعكس إدراك مهم للأزمة، حيث تشير الأرقام أن فوائد الديون في العام المالي الجديد 2022- 2023 تصل إلى 690 مليار جنيه، والأقساط تصل 950 مليار جنيه، أي ما يوازي حصيلة الضرائب المتوقعة في العام المالي المقبل، ولا يمكن أن ننكر أن رقم خدمة الدين أصبح مقلق، لأنه يعادل أرقام مهمة في الموازنة.
التكليف السياسي للحكومة بشأن توفير دعم مضاعف للقطاع الخاص في الفترة المقبلة للاضطلاع بدوره في تنمية الاقتصاد، أصبح أمر معهم، ومن هنا تأتي أهمية ما قاله الرئيس السيسي  بوضع كافة الامكانيات الممكنة لتوفير البيئة اللازمة لتحقيق دعم دور القطاع الخاص.
والأهم أيضا أن تخرج للنور وسريعا دعوة الرئيس بإطلاق مبادرة لدعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة.
الإيجابي أن مصر دولة قوية وتمتلك موارد حوالي 120 مليار دولار، ونجحت على مدار سنوات أزمة كورونا أن تسجل أكبر نسبة نمو في العالم، ورغم العديد من التحديات فقد تثبتت المؤسسات الدولية تقييم الاقتصاد المصري، ورغم تضاعف سعر استيراد القمح من 250 إلى 460 دولار لكن، مازالت الدولة ملتزمة بسعر رغيف الخبز المدعم.
ويبقى الأمر مهم وبرؤية شاملة تنفيذ التكليف السياسي لخفض الدين العام كنسبة من الدخل القومي، بل من المهم لجم الإقتراض الخارجي، ووضع أولويات لتوجيه الإقتراض لمشروعات إنتاجية وتشغيل، ولتوفير فرص عمل، وتعظيم الإنتاج المحلي الوطني ليصب في تعزيز الصادرات، وصولا للهدف السياسي بتحقيق 100 مليار دولار، والعمل على خفض العجز في الميزان التجاري، والذي وصل إلى 40 مليار دولار، كفرق بين الصادرات التي تقدر بنحو 43 مليار دولار، والواردات التي تصل إلى 83 مليار دولار، في الوقت الذي ما زلنا فيه دولة تستورد نسبة عالية تصل إلى 70% من احتياجاتها، والحد من ذلك أصبح ضرورة.
ويبقي أيضا الأهم هو تعظيم مشروعات الإنتاج الزراعي، والذي تسير فيه الدولة حاليا، لنحقق هدف الاكتفاء الذاتي في القمح بنسبة 65% في العام 2025، والتركيز بصورة أكبر وأعمق في دعم وتوطين الصناعات الوطنية.